ما الذي تبحث عنه أنقرة على خط أوكرانيا – سوريا؟

حمل ارتفاع حدة التوتر في ملف الأزمة الأوكرانية معه أكثر من سؤال: هل تنفجر ساحة شرق أوكرانيا من جديد بعد هدنة 5 أعوام برعاية غربية بين الطرفين؟ هل تتحول تعقيدات المشهد إلى مواجهة روسية غربية وروسية أميركية تحديدا أم أن “القاتل” بوتين حسب توصيف الرئيس الأميركي جو بايدن هو لمجرد الاستهلاك المحلي والأوروبي وتبدد ما إن تم الاتصال بين الرجلين والدعوة الأميركية للقاء وحوار يعيد الأمور إلى ما كانت عليه في شبه جزيرة القرم؟

يتصاعد التوتر الأميركي الروسي على جبهة لكنه يتراجع على جبهة أخرى. لا أحد في الغرب يريد الدخول في معارك عسكرية مع روسيا من أجل البلقان والقوقاز والقرم. رأينا ذلك أكثر من مرة عام 2008 في ملف قرقزستان ورأيناه في العام 2014 في أوكرانيا ورأيناه أخيرا قبل أشهر في جنوب القوقاز عندما وجهت روسيا ضربة قوية لحليف الغرب باشينيان في أرمينيا وها هي تستعد لإزاحته مستعيدة نفوذها الكامل هناك.

تركيا هي في وضعية بيضة القبان في أي سيناريو روسي غربي باتجاه التهدئة في أوكرانيا. علاقات سياسية وتجارية وعسكرية متزايدة مع كييف في الأعوام الأخيرة ورفض للسياسة الروسية في القرم لكن ذلك لا يتقدم على حساب علاقاتها الاستراتيجية بموسكو المحمية بأكثر من اتفاقية ومشروع مشترك.

قد يساعد الدور التركي في القرم على إطلاق وساطة بحثت مع الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي خلال زيارته الأخيرة إلى تركيا والتي سبقها الاتصال الهاتفي بين الرئيسين أردوغان وبوتين قبل ساعات من وصول زيلينسكي إلى أنقرة. الإعلام التركي يتحدث عن فرص تركيا في وساطة حقيقية بين موسكو وكييف تنافس فيها فنلنديا على استضافة هذا الحوار. لكن تركيا تتطلع إلى وساطة أكبر تريدها بين موسكو وواشنطن وأن تتحول هذه الوساطة إلى نقاش ثلاثي يشمل الملفين الأوكراني والسوري في الوقت نفسه.

طاولة حوار تركية على خط أوكرانيا – سوريا تجمع واشنطن وموسكو. لم لا؟ بوتين لن يخذل تركيا في طلب من هذا النوع لأنه يعكس أصلا الرغبة الروسية لكن العقدة هي أميركية.

أعلنت واشنطن مؤخرا عن دعمها لجهود الوساطة التركية في الملف الأفغاني حيث يستعد الجميع لمؤتمر إسطنبول التصالحي رغم كثير من الحديث عن سير العلاقات التركية الأميركية في المجهول. الاستجابة الأميركية لعرض تركي من هذا النوع بين الاحتمالات إذا ما كانت الإدارة الجديدة ترغب حقا في فرصة لا تعوض بتحريك الملفين معا أمام طاولة ثلاثية لا خيار آخر أفضل منها في هذه الظروف. هل تريد واشنطن لعب ورقة المماطلة واستنزاف روسيا وتركيا معا في أوكرانيا وسوريا رغم معرفتها بالاحتمالات العكسية التي قد تقود إلى مزيد من التقارب والتنسيق بين أنقرة وموسكو في الملفين، أم هي سترضى بعرض تركي من هذا النوع يصيب أكثر من عصفور بحجر واحدة؟

لم تقبل موسكو وواشنطن الدور التركي المتوازن والمنفتح على جميع الأطراف في أفغانستان وتقرر دعمه لوضع اللمسات الأخيرة على الحل هناك وترفضان عرض تركي بدمج ملفي الحوار على خط أوكرانيا – سوريا لإعادة الهدوء إلى أهم بقع التوتر وانتشار براكين دائمة السخونة وقابلة للانفجار في أي لحظة؟

ترفض كييف الاستجابة للضغوطات الروسية في القرم. موسكو متمسكة بالدفاع عن مصالحها في حديقتها الخلفية التي خسرت فيها كثيرا لصالح الغرب في العقدين الأخيرين. التأثير الأميركي لن يتجاوز العقوبات والتصعيد السياسي ضد موسكو. التفاهمات إذا قد تكون الخيار الأفضل للحل هناك. الحالة نفسها من الممكن نقلها إلى المشهد السوري أميركيا وروسيا وتطبيقها طالما أن أنقرة أعلنت عن استعدادها للعب هذا الدور في ترتيب طاولة ثلاثية طرحتها أكثر من مرة في الملف السوري وها هي اليوم تعرض توسيعها لتشمل الملف الأوكراني.

لا يمكن فصل أي تقارب أو تباعد أميركي روسي في ملف الأزمة الروسية عن ملفات إقليمية أخرى محيطة حتى ولو كان احتمال المواجهة المباشرة غير موجود في حسابات الطرفين اليوم. حروب الوكالة الأميركية الروسية في أوكرانيا وسوريا قد تعطيهما فرص إبقاء بؤر التوتر بما يخدم مصالحهما هناك، لكن أي تفاهم بينهما على خط أوكرانيا – سوريا قد يفتح الطريق أمام مصداقية أوسع يبحثان عنها في ملفين مزمنين خسائرهما فيهما ستكون أكبر من توقعات ربحية في جردة حسابات واقعية ومنطقية.

الملفان الأوكراني والسوري هما اليوم على مسافة واحدة من التوتر في العلاقات الأميركية الروسية بخلاف مناطق الصراع والاصطفافات حولهما. الإدارة الأميركية الجديدة تريد دمج ملفات الصراع في البحرين الأسود والمتوسط لتسجيل اختراق استراتيجي كبير في المواجهة مع روسيا. موسكو لا تريد خسارة أكثر من ذلك في مناطق نفوذها السوفييتي لذلك هي تتمسك بالورقتين الأوكرانية والسورية. القرار في كلا الملفين سلما أم حربا سيكون إذاً تحت تأثير واشنطن وموسكو شئنا أم أبينا. أنقرة تعرض طاولة للحوار من خلال تواصلها المكثف في الأسبوعين الأخيرين مع أكثر من طرف. في العلن هي طاولة ثلاثية لبحث العقدة الأوكرانية. لكن بعيدا عن الأعين هي طاولة تبحث فرص الحلحلة في الملف السوري المرهق أيضا.

يقول الرئيس الأوكراني إن بلاده لا تريد المواجهة العسكرية مع روسيا في القرم بل تدعم الحل الدبلوماسي. وقال أردوغان في أعقاب محادثاته مع نظيره الأوكراني، إن التعاون العسكري بين أنقرة وكييف غير موجه ضد دولة ثالثة وإن تركيا تسعى لحل الخلاف الروسي الأوكراني عبر المفاوضات والدبلوماسية. قد يهم واشنطن تعقيد المشهد في أوكرانيا وسوريا لضرب التقارب الروسي التركي ولعرقلة أي وساطة تركية بين موسكو وكييف. لكن احتمال الارتدادات السلبية على سياستها وتوقعاتها في الملفين قد تكون مكلفة لإدارة بايدن إذا ما فاجأه رفع مستوى التنسيق التركي الروسي على حساب النفوذ الأميركي الأوروبي في الملفين.

تحول النزاع الأوكراني والسوري إلى مواجهة واصطفاف إقليمي متعدد الأقطاب. روسيا لم تحصل على كل ما تريده في سوريا والغرب لم ينجح في إضعاف النفوذ الروسي في القرم. الحرب على الجبهتين الأوكرانية والسورية لم تعد باردة رغم المناخ الدولي البارد في المكانين الرافض للتصعيد وتوتير الأمور أكثر من ذلك.

فشل الغرب في عرقلة الاندفاع الروسي في أوكرانيا وسوريا وهو بحاجة إلى واقعية جديدة قد تكون فرصة لإدارة بايدن للتعبير عنها نيابة عن كثير من حلفائها. فهل تفعل ذلك؟ كانت مشكلة روسيا هي في إيجاد التبرير القانوني لتدخلها في أوكرانيا بعد انفصالها عنها عام 1991. ومشكلة أميركا قانونيا وسياسيا هي في تبرير دعمها لمجموعات محلية في سوريا تعطيها ما تريده هناك. أوراق روسية أميركية قوية في مكان وضعيفة في مكان آخر لا يحسمها سوى التفاهمات على عدم التصعيد أكثر من ذلك في الملفين.

يستعد الرئيسان الأميركي والروسي للإعلان عن انتهاء أطول حرب إقليمية شهدتها أفغانستان. وإطلاق يد أنقرة لوضع النقطة النهائية باتجاه المصالحة والحل. مقاربة بسيطة بين ما جرى في أفغانستان وما يجري في شرق أوكرانيا وسوريا يحتم الجلوس أمام الطاولة – الفرصة هذه.

يفتح التفاهم الروسي الأميركي على خط أوكرانيا – سوريا الطريق أمام بروز لعبة توازنات إقليمية جديدة تنهي حالة التوتر في كثير من الملفات الإقليمية بقبول ورضا العديد من اللاعبين في أوروبا والشرق الأوسط. خصوصا إذا ما عدنا إلى الوراء حيث حاول الرئيسان أوباما وبوتين خلال اجتماعهما في نيويورك على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في أواخر أيلول عام 2015 أن يناقشا الملفين الأوكراني والسوري أمام طاولة حوار واحدة لكن الأمور وصلت إلى طريق مسدود نتيجة تباعد التقديرات والتوقعات. اليوم وبعد 6 أعوام على فشل لقاء من هذا النوع هل تنجح المحاولة مع اقتراح تركي نقل إلى الطرفين وينتظر الرد عليه؟

المصدر syria.tv


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا