ما الذي ستحمله الجولة السادسة للجنة الدستورية؟

مع بدء اجتماعات الجولة السادسة للجنة الدستورية السورية في جنيف، تطرح أسئلة حول ممكنات اختلاف اجتماعات هذه الجولة عن سابقاتها من الجولات، وحول تمكنها من الدخول في مناقشة المضامين والمواضيع الدستورية، وذلك بعد أن أعلن المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون، عن التوصل إلى “اتفاق في شأن منهجية عمل اللجنة” مع رئيسي وفدي المعارضة والنظام، بالاستناد إلى ثلاث ركائز أساسية، تتمحور حول “احترام الاختصاصات والقواعد الإجرائية الأساسية، وتقديم نصوص المبادئ الدستورية الرئيسية قبل الاجتماعات، وعقد اجتماعات مع الرئيسين المشاركين قبل الجولة السادسة وبعدها”، فضلاً عن التزام رئيسي الوفدين “بتحديد مواعيد مؤقتة للاجتماعات المقبلة ومناقشة خطة العمل”. وبناء على ذلك أبدى تفاؤله بأن تبدأ اللجنة الدستورية عملها بجدية على عملية صياغة “إصلاح دستوري”، وليس على مجرد إعداد مواد دستورية، وبما ينتج “عملية دستورية مختلفة وذات صدقية”.

وبناء على تفاؤل بيدرسون، راحت شخصيات من المعارضة السورية، التي شاركت بصورة ثابتة في جميع جولات اللجنة الدستورية، تبني بدورها تفاؤلاً – غير حذر – حيال أعمال هذه الجولة، حيث ذهب بعضها إلى عقد مراهنة جديدة على اجتماعاتها، من خلال التعويل على أنها ستكون مخصصة لمناقشة المبادئ الأساسية الدستورية، مثل “السلطات وفصلها”، “وعشرات المواد الدستورية”، وتحديد النصوص التي تشكل صلب الدستور المرتقب، وأنها ستقطع مع متاهات الخوض في مسائل غير دستورية، وخاصة تلك التي سبق وأن طرحها وفد النظام في اجتماعات جولات اللجنة الخمسة السابقة. إضافة إلى أن هذه الجولة السادسة ستبحث أيضاً في خطة عمل اللجنة الدستورية مع تحديد موعد الجولات المقرر عقدها حتى نهاية العام 2021، حسبما يأمل المتفائلون في وفد المعارضة ومعهم المبعوث الأممي بيدرسون.

غير أن السؤال الذي يطرح في هذا السياق، هو: هل سيلتزم وفد نظام الأسد بكل ما ورد في المرتكزات والنقاط التي بُني عليها تفاؤل كل من بيدرسون والمعارضة المشاركة في اللجنة الدستورية؟

طبعاً لا أحد لديه أي ضمانات أو محددات حيال ممكنات نجاح هذه الجولة، وليس هناك من يستطيع إلزام وفد النظام بـ “المنهجية” التي تحدث بيدرسون عن التوصل إليها مع رئيسي وفدي المعارضة والنظام، ولا بجدول أعمال هذه الجولة، وبالتالي فإن ممكنات الفشل وحيثياته قائمة أيضاً في هذه الجولة، مثلما فشلت جولاتها السابقة دون أن يتم تحديد الجهة المسؤولة عن الفشل، وهي نظام الأسد، وعليه سيكتفي بيدرسون بالتعبير عن خيبة أمل جديدة وعن إضاعة الفرصة، بينما سيكون من السهل على المعارضة التنصل من مسؤوليتها، وإلقاء المسؤولية على النظام، مع تكرار مقولة أن الكرة باتت في ملعب الأمم المتحدة ومبعوثها الخاص بيدرسون، مثلما تعودت على قولها في الجولات السابقة، مع العلم أن القرارات الأممية، وخاصة القرار 2254 جاء على ذكر وضع دستور في سوريا بعد تشكيل هيئة الحكم الانتقالي، ولم يتحدث عن تشكيل لجنة دستورية، وبالتالي لم يمنح أي طرف دولي مهمة تشكيلها. وكما هو معروف فإن اللجنة الدستورية هي اجتراح روسي محض، تمخض عن مؤتمر سُمي “مؤتمر الحوار السوري” الذي عقد في منتجع سوتشي في 30 من يناير/ كانون الثاني 2018، لكن المعارضة قبلت به بوصفه المسار الوحيد المتاح والحصري للحل السياسي في سوريا، وانخرطت في جولات تفاوض عبثية، بوصفها خيارها الواقعي الوحيد، واتبعت استراتيجية تسجيل النقاط على نظام مجرم لا يقيم أي وزن أو اعتبار للمسارات السياسية والتفاوضية.

المشكلة إذاً، هي في المراهنات وإعطاء الأمل الواهي والتفاؤل المزيف حيال اللجنة الدستورية، وحيال مجمل ما يسمى العملية السياسية في سوريا، إذ سبق وأن اعتبر بيدرسون في أول اجتماع عقدته اللجنة الدستورية أن مجرد تشكيلها يدشن لحظة تاريخية، وأنها “أهم قضايا المجتمع السوري، بشكل فعلي”، فيما اعتبر رئيس هيئة التفاوض السورية السابق، نصر الحريري، أنّ إعلان تشكيل اللجنة الدستورية هو “انتصار للشعب السوري”، وأنه “إنجاز حقيقي، وجزء من القرار 2254″، وكأنما كان تشكيلها إيذاناً باقتراب نهاية نظام الأسد، أو على الأقل أن تشكيلها جاء تحقيقاً لبعض تطلعات ومطالب الشعب السوري، بينما على العكس تماماً، كانت الغاية من اجتراح اللجنة الدستورية هي الالتفاف على جوهر القرار 2254 وسواه من القرارات الأممية بشأن الانتقال السياسي في سوريا، عبر الدخول في اللعبة الدستورية وإدارة الظهر لعملية الانتقال السياسي ولهيئة الحكم الانتقالي، التي من المفترض أن تتولى المرحلة الانتقالية وصولاً إلى الانتخابات البرلمانية والرئاسية، حسبما أوضح نص القرار 2254.

وبالرغم من مضي أكثر من عامين على تشكيل اللجنة الدستورية، وعقدها خمس جولات سابقة، دون أن تحقق أي نتائج تذكر في المهام المنوطة بها، وذلك على خلفية رفض وفد نظام الأسد الانخراط في مناقشة القضايا والمضامين الدستورية، ولجوئه إلى ممارسة التسويف والتعطيل المتعمد كي لا تقوم اللجنة بتأدية المهام المنوطة بها، فإن الأسئلة ذاتها تطرح مجدداً حول الغاية من استمرار مشاركة قوى المعارضة فيها وجدواها والخيارات الممكنة أمامها، خاصة وأن لا مؤشرات جديدة على إمكانية تغير سلوك وفد النظام وممارساته، بالرغم مما يشاع عربياً وإقليمياً عن مقايضات من أجل تغيير سلوك نظام الأسد الإجرامي عبر الدخول معه في صفقات التطبيع العربي، وفي وقت ما يزال الساسة الروس ينظرون إلى اللجنة الدستورية بوصفها لعبة تدار من طرفهم، الأمر الذي يعني تشجيع نظام الأسد على عدم إقامة أي اعتبار لها، واستمراره في التعامل معها بوصفها مجرد لعبة سياسية، ومضيعة للوقت.

وتظهر تطورات وتغيرات مواقف القوى الدولية الفاعلة أنها غير معنية بتقديم دعم حقيقي للجنة الدستورية من أجل تمكينها من إنجاز مهمتها، وأن ما تبديه كل من الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا والسعودية ومصر وقطر وسواها من توافق على أهمية استمرار أعمال اللجنة الدستورية، هو توافق لم يخرج عن نطاق التصريحات الديبلوماسية، أي أنه شكلاني ولفظي وغير مقترن بأي إطار عملي أو فعل سياسي، وليس “لأنهم يرون فيها مدخلاً ممكناً للولوج منه إلى مفاوضات فاعلة حول تنفيذ بقية عناصر القرار 2254 الصادر عام 2015″، حسبما يزعم هادي البحرة، لذلك فإن تعويله على أن “اللجنة الدستورية ستنجز مهمتها وفق تفويضها في فترة لا تتجاوز الأربعة أشهر من العمل المتواصل والجاد” يبدو واهياً، لأنه تعويل مبني على أمنياته، وليس على “توفر الإدارة الدولية والإقليمية الحازمة لإنجاز الحل السياسي لتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254”.

المصدر تلفزيون سوريا


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا