ما غايات الروس من مؤتمر اللاجئين؟

أصرت روسيا على عقد مؤتمر عودة اللاجئين في دمشق بالرغم من المقاطعة الدولية الواسعة له، وعلمها المسبق أنه لن ينال رعاية الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الإنسانية، وأن المشاركة الدولية فيه ستكون ضعيفة، ولن يحظى بأي اهتمام أو اعتبار لمجرياته ونتائجه، الأمر الذي يطرح تساؤلات عديدة حول غايات وأهداف روسيا من وراء تنظيمه ورعايته والترويج له.

ولا شك في أن غايات الساسة الروس من عقد المؤتمر ليست إعادة اللاجئين السوريين إلى ديارهم، فهم لا يملكون أي حسّ إنساني بمعاناتهم التي ساهموا في تعميقها، بل هي إعادة نظام الأسد المجرم إلى المجتمع الدولي واسترجاع شرعيته المفقودة، ورفع العقوبات الدولية المفروضة عليه، وتحميلها سبب التهجير إلى جانب الإرهاب. ولا تنحصر غاياتهم في ذلك، بل تمتد إلى طموحهم في جني مكاسب واستثمارات اقتصادية وسياسية وإعلامية، مع إصرارهم على عقده في دمشق، بدلاً من جنيف أو أستانا، للإيحاء بأنها أضحت العاصمة السورية المستقرة مع اكتمال الحرب وانتهائها ويتوجب على العالم أن يصدق ذلك.

والواقع هو أن الروس كانوا يريدون مجرد عقد المؤتمر بصرف النظر عن مقدمات وحيثيات وأسباب فشله، كي يضيفوا إلى آلتهم الإعلامية والدبلوماسية ورقة أخرى لتعزف عليها، وتنسج مزيدا من الأكاذيب والألاعيب عبر إلقاء اللوم على الدول الغربية، واتهامها بعدم الانخراط في المساعي الروسية الرامية إلى إيجاد حلول سياسية للوضع الكارثي في سوريا، وذلك في سياق لعبة تسجيل النقاط التي يمارسها الساسة الروس لابتزاز المواقف الدولية.

إن فكرة إعادة اللاجئين السوريين إلى ديارهم ليست جديدة بالنسبة إلى الساسة الروس، وتعود إلى العام 2018، وحاولوا تسويقها دولياً وعربياً في أكثر من مناسبة، بغية استثمار هذه القضية الإنسانية وتوظيفها خدمة لمصالحهم، إلا أنهم فشلوا في نيل مرادهم، نظراً لإخفاقهم في تحقيق التجاوب الدولي المطلوب. ومع ذلك لم يكفوا عن محاولاتهم في تزييف الوقائع على الأرض، من خلال الزعم كذباً وافتراء بأن سوريا باتت واحة للسلام والأمن والحريات والاستقرار، وبما يوحي بأن نظام الإجرام الأسدي قد تغّير عما كان عليه من قبل، وبات قوياً ويمسك بمفاصل دولة متماسكة وقوية، ويوفر الخدمات والحاجات الأساسية لأبناء المجتمع، لذلك يتلهف إلى عودة أبناء المهجرين إلى حضنه، بينما يكشف واقع الحال أن نظام الأسد لم يتغير البتة، حيث ما يزال يقصف المدنيين في مناطق إدلب وما حولها، ويتغول في قتل السوريين وتهجيرهم، وملاحقة كل من يتجرأ على مخالفة نهجه وممارساته، ويرتكب جرائم ومجازر جديدة تضاف إلى جرائمه الموثقة أممياً ودولياً، إضافة إلى أنه حوّل سوريا إلى دولة فاشلة، وبات عاجزاً عن تأمين أبسط الخدمات الأساسية للسوريين الذي اضطروا للبقاء في مناطق النظام، وبنى أقفاصا حديدية أمام الأفران من أجل أن يحصل السوري على ربطة خبز، فضلاً عن استفحال أزمات الماء والكهرباء والغاز وغيرها.

وتريد روسيا القفز على الحقائق، وإثارة مخاوف الدول الأوروبية من قضايا الهجرة وتبعاتها، للترويج إلى إعادة اللاجئين، بغية استدرار الأموال الأوروبية والعربية من أجل إعادة إعمار ما دمرته الحرب التي تخوضها إلى جانب النظام وحلفائه في نظام الملالي الإيراني، وتسويق فكرة أن الجيش الروسي يقوم بدعم المجتمعات المحلية السورية، في حين أنه لا يقوى على حماية من انخرطوا معه في المصالحات التي رعاها في العديد من المناطق السورية. إضافة إلى الترويج إلى أن سوريا باتت ملاذاً آمناً للاجئين ومتنفساً للمعارضين، وذلك كي يعوّم الروس معادلة تعطي إعادة الإعمار الأولوية على الحل السياسي، وتمكّن النظام من الإفلات من العقاب على الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها بحق السوريين، وإعفائه من مسؤولية تهجير ما يقل عن 5.6 مليون منهم، وبالإضافة إلى نزوح حوالي 6.6 مليون داخل سوريا.

وقد ردّ ناشطون من اللاجئين السوريين في بلاد المهجر على المؤتمر، عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، من خلال التأكيد على أن عودتهم تبدأ برحيل نظام الأسد، فيما اعتبر سوريون كثر في الداخل السوري أن لا أحد سيعود إلى جحيم الأسد، وأن روسيا فاقدة المصداقية، وإن كانت جادة في ما تعلنه، فعليها أن تتوقف عن دعم نظام الأسد، والضغط عليه كي يعيد عشرات آلاف المعتقلين في زنازين سجونه ومعتقلاته إلى بيوتهم وأهاليهم قبل أن تدعو اللاجئين إلى العودة.

ويبدو أن الساسة الروس، وبعد أكثر من خمس سنوات من تدخل بلادهم العسكري إلى جانب نظام الأسد وميليشيات نظام الملالي الإيراني في الحرب على غالبية السوريين، يحاولون استثمار ما قاموا به عسكرياً على المستويين، الاقتصادي والسياسي، ويأملون في تحقيق أرباح وعائدات مالية كبيرة تحت يافطة عودة اللاجئين وإعادة الإعمار، والأمر نفسه ينطبق على نظام الملالي الإيراني وبعض دول الجوار السوري، لكن قادة الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي أعلنوا في أكثر من مناسبة رفضهم الانخراط في المشاركة في إعادة الإعمار، وربطوا العودة الطوعية للاجئين بوجود بيئة آمنة، واستقرار حقيقي لا يتحقق إلا بانتقال سياسي في سوريا وفق قرارات الأمم المتحدة، وخاصة القرار 2254، الذي ينص على ضرورة إجراء الانتقال السياسي.

ولم يجد الساسة الروس مبرراً لفشلهم سوى تحميل الدول التي تستضيف اللاجئين مسؤولية معاناتهم، لأنها ترفض التعاون مع مساعيهم وألاعيبهم، وذلك للتغطية على محاولاتهم تلميع نظام الأسد وتسويقه دولياً، من أجل إعادة شرعيته المفقودة منذ أن بدأ في حربه على السوريين، وأرادوا استغلال قضية اللاجئين، كي يستثمروا فيها ويوظفوها للترويج لزعمهم الزائف عن استقرار سوريا، وانتهاء الحرب والمعارك العسكرية، تحضيراً لانتخابات النظام الرئاسية في العام 2021.

ويشير إخفاق الساسة الروس في تفعيل قضية اللاجئين السوريين إلى إخفاقهم في تحقيق أي مكاسب سياسية واقتصادية من تدخلهم العسكري في سوريا دفاعاً عن نظام الأسد، بالرغم من جهود التحشيد الدبلوماسي والإعلامي، التي قادها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، للترويج لمؤتمر إعادة اللاجئين وإعادة الإعمار، وهو فشل يضاف إلى فشلهم في تحقيق أي إنجاز يسوّق مقولات وإدعاءات التعافي وعودة البيئة الآمنة والمناسبة للاستثمار وسوى ذلك من الأكاذيب الروسية.

المصدر تلفزيون سوريا


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا