مخاوف “كورونا” شمال سورية: الحجر الصحي “صعب” والتباعد الاجتماعي “أصعب”

دخل الحديث عن فيروس “كورونا”، حالة من الروتين، بعد تفشيه بشكل كبير، في كبرى دول العالم، واعتياد الناس نسبياً على إجراءات الحجر والحظر المُتّبعة من معظم الحكومات، إلا أن خصوصية الفيروس في الشمال السوري، فرضت التنويه والتنبيه باستمرار، لإمكانية وقوع “كارثة إنسانية”؛ في منطقة مكتظة بالسكان، وغير مؤهلة لوجستياً، للتعامل مع الأوبئة والأمراض.

ورغم أن المؤسسات والمنظمات المختصة، في شمال وشمال غربي سورية، اعتمدت إجراءات احترازية لمنع وصول “الكارثة”، إلا أن العوامل والظروف التي تخضع لها المنطقة، تجعل من الصعب إحكام السيطرة الصحية والإنسانية، فيما لو وصل “كورونا”، خاصة أن تلك المناطق، تفتقد مقومات منظومة طبية، وهي خاضعة لحصار شبه تام منذ سنوات؛ هذا الحصار الذي يرى البعض أنه أبرز أسباب عدم وصول “كورونا” للمنطقة، شبه المعزولة عن محيطها.

لمَ كل هذا القلق؟

أبدت منظمات دولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة، قلقاً متعاظماً من وصول جائحة “كورونا” إلى إدلب، وعموم الشمال السوري، الخارج عن سيطرة نظام الأسد، لاعتبارات متعلقة بوجود عدد كبير من النازحين هناك، وافتقارهم لأدنى متطلبات الغذاء والمياه والنظافة والرعاية الصحية، خاصة في المخيمات.

تعليقاً على ذلك، يرى الطبيب السوري جواد أبو حطب، الذي كان يشغل سابقاً منصب رئيس “الحكومة السورية المؤقتة”، أن المخاوف مُبررة ومفهومة، على اعتبار أن الشمال السوري يسكنه أكثر من 4.2 مليون نسمة، 48% منهم نازحون، فيما يعيش 26% من النازحين داخل 1200 مخيم، موزعين في عموم الشمال السوري.

تلك الإحصائيات المهمة تُشير، بحسب أبو حطب، إلى أن إجراءات الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي “صعبة” التطبيق، في حال وصل الفيروس إلى تلك المناطق، خاصة في المخميات المكتظة، التي يتشارك فيها السكان معظم الخدمات، ويتصلون بشكل مباشر مع بعضهم.

وأضاف أبو حطب المتواجد في شمال غربي سورية، في حديث لـ”السورية نت”، أن القطاع الطبي في إدلب يعاني من تدهور كبير، بسبب الدمار الذي تعرضت له المستشفيات والمراكز الطبية على يد نظام الأسد، وتُقدّر نسبتها بـ 70%، مشيراً إلى أن تلك المراكز “غير قادرة على استقبال الحالات المرضية العادية، فكيف إذا وصلت الجائحة؟”.

ومع ذلك، فرّق الطبيب جواد أبو حطب بين الوضع الصحي في إدلب، والوضع في مناطق ريف حلب الشمالي والشرقي، التي أنشأت فيها تركيا 5 مستشفيات قادرة على تقديم الرعاية الصحية “الجيدة”، واستدرك: “لكن حتى في الدول المتقدمة حول العالم عانت القطاعات الطبية من تدهور بسبب فيروس كورونا، لأن عدد الحالات أكبر من الطاقة الاستيعابية للمستشفيات في تلك الدول، ما دفعها للجوء إلى نظام التباعد الاجتماعي من أجل كسر ذروة الوباء”.

الإجراءات مستمرة.. والوعي الشعبي على المحك

رغم عدم الإعلان عن أي إصابة بفيروس “كورونا” في الشمال السوري، الخارج عن سيطرة نظام الأسد، شهدت مخيمات النزوح إجراءات وتدابير وقائية “خجولة”، لمنع وصول الفيروس وانتشاره بين الأهالي، وسط تحذيرات دولية من عواقب “كارثية” في حال وصل الفيروس إلى المنطقة.

مدير منظمة “إحسان للإغاثة والتنيمة”، براء صمودي، تحدث سابقاً لموقع “السورية نت” عن بعض التدابير الوقائية المُتّبعة في مخيمات الشمال، ملخصاً إياها بتعقيم المرافق العامة وتنظيم حملات التوعية، إضافة إلى تخصيص أنشطة إغاثية تساهم في التصدي للفيروس.

كما أن العملية التعليمية في الشمال السوري توقفت بالكامل، ضمن إجراءات منع وصول “كورونا”، إلى جانب إغلاق المعابر التجارية والمدنية المحيطة بالمنطقة.

أما “الدفاع المدني السوري”، فقد اعتمد آليتين في نشاطاته في الشمال السوري، الأولى حملات لرش المواد المطهرة في المرافق العامة والمدارس والمساجد والمنشآت العامة، شملت مخيمات النزوح أيضاً، حسبما قال فراس خليفة، عضو المكتب الإعلامي في المنظمة، في حديث سابق لـ “السورية نت”.

والآلية الثانية تضمنت حملات توعية للأهالي، من أجل منع التجمع والتجول لغير الضرورة، وحث الناس على التزام منازلهم وخيامهم، وتوخي النظافة الشخصية وإجراءات الوقاية من الجائحة التي تجتاح العالم.

لكن يجري الحديث مؤخراً عن مدى الوعي السكاني بخطورة الأمر، بعد انتشار صور ومقاطع مصورة، تُظهر الحياة طبيعية في مدن وبلدات عدة في الشمال السوري، بالتحديد في شهر رمضان، حيث يرى كثيرون من سكان تلك المناطق، أن ما مر عليهم من ويلات الحرب والقصف والتشرد أسوأ بكثير من “مجرد فيروس”.

وتعليقاً على ذلك، قال الرئيس السابق لـ “الحكومة السورية المؤقتة”، الطبيب جواد أبو حطب، إن ربع سكان الشمال السوري فقط واعين لخطورة فيروس “كورونا”، في حين أن ربع آخر على اطلاع بالفيروس، لكن غير مهتم باتباع إجراءات وقائية، أما النصف الآخر غير مطلعين على حقيقة الفيروس وفكرتهم قليلة عنه، على اعتبار أن الويلات التي عاشوها قللت من حجم الجائحة عندهم، على حد وصفه.

وتحدث أبو حطب عن دراسة أعداها مع أطباء في الشمال السوري حول الفيروس المستجد، مشيراً إلى أنه أجرى جولة على طلاب كلية الطب والصيدلة في إدلب وحلب، حيث طبق الدراسة حوالي 300 طالب وطالبة، على أن يتم نشرها قريباً، حسبما قال.

في حال وصل الفيروس.. ما العواقب وما المطلوب؟

في ضوء الدراسات والأبحاث التي أجراها عدة أطباء في الشمال السوري، قال جواد أبو حطب لـ”السورية نت” أنه في حال وصلت جائحة “كورونا” إلى الشمال السوري دون أخذ الإجراءات الوقائية المشددة، فإنه يُتوقع أن تصيب حوالي 2.8 مليون شخص، 135 ألف منهم قد يحتاجون لعناية مشددة، وذلك بالاستناد إلى قدرة المرض على الانتشار.

وأوضح أبو حطب أن مقياس انتشار كورونا حسب التجارب يدل على أنه “في حال تم تسجيل إصابة واحدة في منطقة ما، فإن العدد سيزداد إلى 400 بعد شهر، إذا لم يتم اتباع إجراءات الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي، أما في حال تم تطبيقها سيصبح العدد 16”.

وأضاف “قدرة التباعد الاجتماعي في الشمال السوري ضعيفة جداً، بسبب الاكتظاظ السكاني وكثرة عدد المخيمات”، وبالتالي في حال أصابت الجائحة الشمال السوري، فإن 80% من الإصابات ستخضع لحجر منزلي، بسبب عدم القدرة على استقبال كافة الإصابات في المستشفيات والمراكز الطبية هناك.

وتشير الإحصائيات التي اطلع عليها أبو حطب، إلى وجود 4 آلاف سرير في مستشفيات ومراكز الشمال السوري(إدلب وأرياف حلب)، و400 منفسة وسرير عناية مشددة فقط.

لذلك يتوجب بحسب الطبيب جواد أبو حطب، افتتاح مراكز جديدة خاصة في أماكن التجمعات، وتزويد المنطقة بالأدوية التجريبية، وتدريب الطواقم الطبية، التي أصبح عددها قليلاً، خاصة في مجال الإنعاش والعناية والمركزة، وتابع: “من هنا جاءت ضرورة إنشاء كلية طب ومعاهد تقنية في الشمال السوري، من أجل ردم الفجوة”.

بموازاة ذلك، تحدث أبو حطب عن ضرورة إغلاق المعابر في الشمال، أو تطبيق إجراءات الحجر الصحي مدة 14 يوماً للداخلين عبرها، مع لفت الانتباه إلى مخاطر الحصار الاقتصادي الذي قد تعاني منه المنطقة، وانعكاساته السلبية على سكانها.

يُشار إلى أن مديرية الصحة التابعة لـ “الحكومة السورية المؤقتة” أجرت اختبار “كورونا” على 332 حالة مشتبه بإصابتها في الشمال السوري، وجميع نتائجها سلبية، ما يعني خلو المنطقة من أي إصابة بالفيروس، حسب آخر تصريحٍ لوزير الصحة الدكتور مرام الشيخ، أول أمس الثلاثاء.

المصدر السورية نت
قد يعجبك أيضا