مسار الدوحة: روسيا تقدم تنازلات غير كافية

في مقال سابق أشرت إلى أن الاجتماع الأخير للدول الراعية لمسار أستانا الذي انتهى في السادس عشر من الشهر الماضي كان بمثابة الإعلان عن وفاة هذا المسار، وأن البحث جار عن مسار جديد للحل السياسي في سوريا.

لم تكن تلك الإشارة مبنية فقط على أن مسار أستانا قد استنفد الأغراض التي وجد من أجلها على الصعيد الميداني، مقابل الفشل الذريع الذي مني به سياسياً، وبالتالي لا بد من العمل على مسار بديل كانت كل من روسيا وتركيا، بالإضافة إلى إيران أيضاً، قد بدأت السعي لإنتاجه منذ لحظة الإعلان عن فوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية الأميركية مطلع هذا العام.

نحو ستين يوماً من الاتصالات والنقاشات بين أنقرة وموسكو أفضت إلى التوافق على إنتاج مسار جديد، سيحمل ابتداء من الخميس 11 آذار 2021 اسم مسار الدوحة، على اعتبار أن الإعلان عنه كان من العاصمة القطرية، عقب الاجتماع الذي ضم وزراء خارجية الدول الثلاث، بينما غابت إيران في الشكل على أن تبقى حاضرة على صعيد المضمون والتفاصيل مؤكداً.

من الواضح أن روسيا وتركيا أرادتا إبعاد إيران عن المسار الجديد على أن يكون ذلك مقابل قصر الحضور الخليجي فيه على قطر، ورغم الزيارتين اللتين أجراهما سيرغي لافروف إلى كل من السعودية والإمارات، إلا أن التحاق هاتين الدولتين بشكل رسمي به لم يكن مطروحاً، لكن من الواضح أيضاً أن الأفكار التي كانت بجعبة وزير الخارجية الروسي كانت مقبولة من الرياض وأبو ظبي، حيث عبر المسؤولون في الدولتين عن تأييد مبدئي لعودة سوريا إلى الجامعة العربية مقابل الابتعاد عن إيران.

الجامعة العربية مقابل إيران إذاً.. هذا هو الثمن الذي تطلبه هذه الدول من النظام، لكن هل الأخير مستعد لمقايضة من هذا النوع، أو هل يرغب بها حقاً؟

بالتأكيد لا تعني جامعة الدول العربية بالنسبة للنظام شيئاً، بل لا يختلف اثنان على أنه يعتبرها من أعدائه الذين وقفوا ضده، مقابل الدعم غير المشروط أو المحدود الذي حظي به من إيران، لكن هذه العودة تعتبر في غاية الأهمية بالنسبة لروسيا التي تدرك أن إعادة إنتاج النظام سياسياً ودولياً إنما يبدأ من بوابة الجامعة العربية.

فجهود روسيا على هذا الصعيد، والتي تصطدم حتى الآن بموقف أميركي وأوروبي صلب يرفض أي تطبيع مع النظام قبل التوصل إلى حل سياسي على أساس القرارات الدولية، سيشكل قبول الدول العربية بإعادة العلاقات مع النظام فرصة استثنائية لكسر هذا التصلب، والتوجه إلى الغرب بأنهم لا يمكن أن يكونوا ملكيين أكثر من الملك، وسيرفع الإحراج عن كاهل الدول الأخرى الراغبة بتجديد الصلات مع دمشق.

لكن موسكو التي تدرك صعوبة تحقيق اختراقة في هذ الجدار، على الرغم من عدم مبالاة السعودية، وحماس أبو ظبي، وفي ظل موقف تركي قطري رافض لمناقشة هذه العودة في الظروف الحالية، عبر عنه بوضوح وزير خارجية قطر في المؤتمر الصحفي الذي عقده مع نظيره الروسي، ومع الإصرار الأميركي الأوروبي على التمسك بهذا الموقف، تدرك أيضاً أن عليها تقديم تنازلات أكثر أهمية من أجل تحقيق تقدم في العملية السياسية تسمح بخلق أفق لتدفق أموال المساعدات وإعادة الإعمار إلى سوريا.

المعلومات المتوفرة حتى الآن تفيد بعرض روسيا الموافقة على دخول المساعدات الإنسانية إلى مناطق سيطرة المعارضة مع التنازل عن شرط مرورها من خلال المعابر التي تخضع للنظام، مقابل تعهد دول الخليج بالمساهمة بشكل أكبر في برامج الأمم المتحدة للمساعدات المخصصة للمناطق التي يسيطر عليها النظام، وهو أمر لا يمكن أن يشكل نقطة خلاف بطبيعة الحال.

كما عرضت روسيا وللمرة الأولى، حسب المصادر، أن يتم البحث في قضية المعتقلين كبادرة لبناء الثقة بين المعارضة والنظام، ووعدت بأنها ستضغط على الأسد بشكل حقيقي من أجل فتح هذا الملف الذي يصر النظام وبقوة على إبقائه مغلقاً.

أما العرض السياسي والتنازل الجوهري الذي تقول هذه المصادر إن موسكو طرحته، فهو إمكانية تأجيل الانتخابات الرئاسية القادمة التي ينوي النظام إجراءها، مقابل الحفاظ على مسار اللجنة الدستورية حياً، وكذلك البدء بمناقشة تشكيل هيئة حكم انتقالي دون اشتراط عدم مشاركة بشار الأسد فيها، وقد طلبت روسيا من قطر وتركيا طرحه على المعارضة الرسمية والشخصيات البارزة فيها من خارج الائتلاف وهيئة التفاوض لجس النبض حوله، وهذا ما يفسر غالباً سبب لقاء وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو مع رياض حجاب.

على أية حال، نحن أمام حراك ديبلوماسي غير مسبوق فيما يتعلق بالملف السوري، وهو حراك أول خطواته تبدأ من ملفات إنسانية لا خلاف حولها، على أمل أن تشكل أرضية قبل الانتقال لمناقشة ملفات حساسة تعتبر العقبات الحقيقية أمام فتح الطريق إلى الحل الشامل، وأهم هذه العقبات مصير بشار الأسد والوجود الإيراني في سوريا، وبالطبع لم تكن روسيا لتقبل بالحديث حول هذه النقاط لولا الضغط الاقتصادي الكبير الذي تعاني منه ويجعلها عاجزة هي وإيران عن تقديم مساعدات تسعف النظام الذي يعيش أوضاعاً متدهورة على هذا الصعيد.

المصدر تلفزيون سوريا


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا