مسار جنيف والفشل المحتم

استؤنفت اجتماعات اللجنة الدستورية المصغرة في جنيف، لم تلق بالطبع أي ترحيب من المعارضة السورية التي انهالت عليها بألقاب الفشل والتآمر وهي محقة بذلك في وقت مبكر، لكن يصر المشاركون فيها على استكمالها ببلادة غريبة وعجيبة حقاً، وكأن لا صلة لهم أو قاعدة اجتماعية لهم يفترض بأي فريق تفاوضي أن يمثله.

وعندما اسمتعت إلى تقرير موفد تلفزيون سوريا إلى جنيف وهو يشرح ورقة المعارضة التي قدمت في اليوم الأول بعنوان الجيش والأمن والاستخبارات، ذهلني حجم السذاجة في الورقة، فقد أخذت تعاريف عامة لهذه المفاهيم من الإنترنت ولصقت بالورقة، ولذلك بدت كأنها مفاهيم عامة جدا لا علاقة لها بالظرف السوري والأهم أنه ما من علاقة بين كل هذه المفاهيم والدستور، إنها مفاهيم يتم الاتفاق عليها داخل إطار السلطة التشريعية والتنفيذية بعد أن يتم الاتفاق على شكل النظام السياسي الذي يفترض أن يحدده الدستور.

وعندما أتى الموفد للحديث عن ورقة النظام التي عنونت بعنوان “السيادة والإرهاب” زاد حجم التعجب وتضاعفت البلاهة مع الغباء في الورقة التي تحدث عنها الموفد، فإذا كانت هذه هي المفاهيم التي يتفاوضون حولها على مدى سنوات وهي كلها مفاهيم ليست لها علاقة بالدستور لا من قريب ولا من بعيد فمن المحتم أن هذه الجولة الجديدة ستلحق بسابقاتها في الفشل مع مضاعفة حجم الهزيمة التي يمكن أن تمنى بها المعارضة عندما تشارك في هذه المهزلة.

انسحاب المعارضة من هذه الاجتماعات يشكل ضرورة وأهمية قصوى ومسؤولية المبعوث الأممي أن يفكر في مسار جديد يعطي معنى لهذه المفاوضات والبحث عن دعم دولي لهذه المفاوضات التي يفترض بها أن تقود إلى تطبيق القرار 2254 وبدء الحل السياسي في سوريا، لكن هذه المفاوضات العبثية لا تقود إلا فشل يعقبه فشل آخر.

في 21 من أكتوبر 2013 نشرت في جريدة الحياة مقالا بعنوان “لماذا على المعارضة السورية حضور مؤتمر جنيف؟” أثار المقال حينذاك كثيرا من ردود الفعل المرحبة وربما لعب دورا في إقناع المعارضة المترددة وقتها في حضور أول مفاوضات غير مباشرة عقدت في جنيف برعاية الأمم المتحدة، وكان المبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي وقتذاك من يشرف على المفاوضات ويضع أجندتها.

في ذلك المقال حاججت بأنه “يجب أن تظهر المعارضة السياسية والعسكرية سواء ممثلة في الجيش الحر أو الائتلاف حساً بالمسؤولية تجاه الشعب السوري المهجر والمشرد، إذ لا يعقل أننا لا نستطيع أن نقدم أجوبة لملايين السوريين حول انتهاء الأزمة وأمل عودتهم إلى بيوتهم، حول مصير أبنائهم وبناتهم المعتقلين في سجون نظام الأسد، والخوف يزداد يوما بعد يوم حول وفاتهم تحت التعذيب في ممارسة اعتادت سجون الاحتلال الأسدي على ممارستها بحق كل المعتقلين دون تمييز بين سنهم أو جنسهم”.

ولذا قلت إنه يجب أن تظهر المعارضة نوعاً من الإحساس بالمسؤولية تجاه كل ذلك، وأن النصر العسكري عبر الجيش الحر لا يمكن تحقيقه من دون تدخل عسكري خارجي بدا بعيداً وقتذاك بالرغم من استخدام الأسد للسلاح الكيماوي في الغوطة في ٢١ من آب 2013، حيث تجنب الأسد حينذاك الضربة العسكرية الأميركية عبر صفقة روسية تقضي بتسليم أسلحته الكيماوية مقابل تجنب الضربة.

ولذلك أضفت بأنه يجب أن تكون أولويات المعارضة السورية في التحضير لمؤتمر جنيف كالتالي:

-تجنب أي معارك جانبية تزيد من خسارة المعارضة لقيمتها وسمعتها في الشارع السوري حول من سيحضر اللقاء؟ ومن هو الوفد الذي سيمثل السوريين؟، وتركيز النقاش والحوار حول لماذا سنحضر إلى جنيف؟ وماذا يمكن أن نحققه من حضور المؤتمر؟

-ينص اتفاق جنيف الأول على ما يسمى “جسم انتقالي كامل الصلاحيات”، وبالتالي لا بد للمعارضة من الإصرار على تشكيل مجلس انتقالي لا دور للأسد فيه، يمتلك الصلاحيات الكاملة بما فيها الجيش والاستخبارات ويشرف على المرحلة الانتقالية، إلى حين إجراء انتخابات حرة ونزيهة بإشراف الأمم المتحدة، تسبقها إجراءات شاملة تشمل عودة المهجرين والنازحين.

-يجب أن تصر المعارضة على تشكيل إجراءات ثقة ومسارات متابعة تشرف عليها الأمم المتحدة، وهي: مسار المعتقلين السياسيين بحيث يجري تسليم كل اللوائح إلى الأمم المتحدة لإجبار نظام الأسد على إطلاقهم من دون أي شروط، ومتابعة شؤونهم بحيث تستطيع المعارضة أن تكسب ثقة الآلاف المؤلفة من العائلات السورية التي لديها معتقلون في سجون الأسد، والمسار الثاني يتعلق بفك الحصار عن المناطق المحاصرة وعلى رأسها الغوطة الشرقية وحمص ومخيم اليرموك، وتكون من مسؤولية الأمم المتحدة مراقبة وصول المساعدات الإنسانية بشكل كامل إلى هذه المناطق، أما المسار الثالث فهو التزام دولي ومن كل الدول الداعمة لمؤتمر جنيف بإعادة إعمار المناطق المتضررة والمنكوبة وإعطائها وأهلها تعويضات خاصة وسخية، فكل مناطق المعارضة أصابها الأسد بالدمار، وعلى المعارضة السياسية أن تعي ضرورة فتح كل الفرص لإعادة ملايين اللاجئين إلى بيوتهم بأمان وكرامة، فلم يذل السوري في عمره كما يخضع للإذلال اليوم في مخيمات اللجوء.

للأسف لم يتحقق شيء من ذلك خلال السنوات التسع الماضية وعقدت عدة جولات تفاوضية في جنيف أيضا بلا معنى أو حتى مبرر لعقدها دون تحضير من القائمين عليها في الأمم المتحدة.

وبالتالي وكما يقال “المكتوب مبين من عنوانه”، لن تقود المفاوضات المستأنفة مجدداً إلى أي حل، بل بالعكس تماماً ازداد الوضع على الأرض في سوريا سوءاً وتدهوراً، فارتفع عدد الشهداء إلى ما يقارب النصف مليون، وزاد عدد اللاجئين إلى ما يعادل الستة ملايين أما النازحون في وطنهم ففاق 9 ملايين، وبالتالي أكثر من نصف السكان تعرض للقتل والتهجير والتشريد مع سياسات الأسد التي ازدادت شراسة وهمجية.

وبالتالي ما هي نقاط القوة التي يمكن للمعارضة أن ترتكز عليها في مفاوضاتها السياسية في جنيف؟ عصفت في ذهني كثيرا وكثيرا فلم أجد ما يستحق عناء الذهاب إلى جنيف.

والأسوأ من ذلك كله أن المعارضة السياسة تشظت إلى معنى ضياع الهوية السورية تماما، فتحالفاتها باتت من يفرض عليها قرارها ولم يعد القرار الوطني موجها لها أو بوصلة لتركاتها.

يجب على المعارضة السياسية العمل على تشكيل قطب موازٍ مؤثر وفعال عبر تكثيف الاجتماعات الدورية والاتفاق على عدد من الخطوات السياسية ذات الأثر الجماهيري من مثل الدعوة إلى عدد من الاعتصامات السلمية والعلنية بشكل مشترك داخل سوريا وخارجها.

علينا أن نعتمد على الشباب كشريحة محورية في بناء التراكمات السياسية على أرض الواقع، ففعاليتهم في المشاركة يؤشر على الديمومة والاستمرارية والقدرة على الوصول إلى أكبر الشرائح تأثيراً في المجتمع السوري بحكم كونه مجتمعا شابا كما يدل على ذلك متوسط العمر لدى المجتمع السوري.

والجزء الأخير من عملية التحشيد تتعلق ببناء استراتيجية واضحة ومحددة الخطوات والأهداف لعملية الانتهاء من الألم وإشاعة الأمل بأن التغيير في سوريا ليس ممكنا فحسب بل قادم بكل تأكيد.

المصدر تلفزيون سوريا


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا