مفاوضات فيينا: خطى متسارعة للعودة إلى مرحلة أوباما!

كلما اقتربت مفاوضات فيينا حول البرنامج النووي الإيراني التي تتواصل جولتها الثالثة حتى اليوم ( الجميع ) من تحقيق نتائج تقرب بين موقفي الولايات المتحدة وإيران، ارتفعت حدة التوتر في الإقليم، على خلفية اقتناع حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بأن إدارة الرئيس جو بايدن ما عادت تهتم إلا لمسألة العودة الى الاتفاق النووي الموقع عام ٢٠١٥. و يزداد يقين الحلفاء العرب و غير العرب بأن إدارة بايدن لا تعبأ اليوم بمصالح الحلفاء، و ان جل ما تريده في هذه المرحلة العودة الى الاتفاق الذي تم في عهد الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، و لا سيما ان إدارة أوباما سبق ان قدمت في تلك المرحلة أولوية التوصل الى الاتفاق على كل ما عداها من مخاوف ابداها حلفاء اميركا آنذاك، فجاء الاتفاق مليئاً بالثغرات. لا بل ان حلفاء الولايات المتحدة يتفقون على ان اتفاق العام ٢٠١٥ كان اتفاقاً سيئاً، و انه كان ناقصاً، والأهم انه لم يضع نهاية للبرنامج النووي الإيراني ببعده العسكري، إنما جرى تأجيله بضعة أعوام. و في الوقت عينه منح ايران القدرة على استغلال الموارد المالية التي حصلت عليها بسبب الاتفاق لكي تمول عملياتها العسكرية ، و مليشياتها في مختلف انحاء الإقليم.

واذا صدق مضمون التقرير الذي نشرته وكالة “الاسيوشيتد برس ” البارحة نقلاً عن عدد من المسؤولين الاميركيين الحاليين والسابقين، إضافة الى عدد من المصادر المطلعة، وجاء فيه أن إدارة الرئيس بايدن تدرس خيار رفع معظم العقوبات الصارمة التي فرضتها إدارة الرئيس ترامب على ايران من أجل إعادة الأخيرة الى الى الوفاء بالتزاماتها في الاتفاق النووي”، نكون امام تطور سيحمل تداعيات على الواقع الإقليمي، و خصوصاً على العلاقات الأميركية مع حلفائها هنا . وجاء حسب الوكالة عينها أن “مسوؤلين اميركيين شددوا على أن واشنطن مستعدة لرفع العقوبات غير النووية بما في ذلك العقوبات المفروضة على دعم ايران للارهاب، و برنامج الصواريخ الباليستية، وانتهاكات حقوق الانسان”. أكثر من ذلك يفيد التقرير نقلاً عن مسؤولين اميركيين أن “الولايات المتحدة مستعدة لرفع العقوبات التي تمنع ايران من تحقيق مصالحها وفق الاتفاق بما في ذلك الوصول الى النظام المالي الدولي والمعاملات بالدولار”. وهذه المعلومات لم تنفها الإدارة الأميركية، و هي ليست المرة الأولى التي يسمع بها المراقبون. فخلال الجولة الثانية الاسبوع الماضي، جرى تسريب أخبار عن ان وفد الولايات المتحدة في فيينا بعث الى الوفد الإيراني بلائحة عن العقوبات التي يتم درس رفعها عن ايران، وكانت لائحة كبيرة جداً، و متشعبة، نظراً لملامستها جميع القطاعات الاقتصادية الإيرانية الواقعة تحت نظام العقوبات. وبالرغم من أن الاميركيين يصرحون في العلن ان المفاوضات صعبة، و أنها يمكن أن تطول، غير ان وفود مجموعة “دول ٤+١ ” لم تتوقف عن ضح مناخات إيجابية بالنسبة الى المفاوضات، بما أوحى أن المفاوضات تقدمت كثيراً، وخصوصا أنه جرى الاتفاق هذا الأسبوع على التسريع في عملية التفاوض، وصولا الى تحقيق اتفاق في منتصف شهر أيار ( مايو) المقبل، لكي تسبق انتهاء الاتفاق المرحلي بين ايران و “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” والذي كانت مدته ثلاثة اشهر، تم خلالها تعليق ايران تسليم اشرطة المراقبة المتلفزة للمنشآت، و إيقاف عمليات التفتيش المباغت على المنشآت من قبل مفتشي الوكالة. و بالطبع يمكن ان يكون الهدف التوصل الى اتفاق قبل الانتخابات الرئاسية المقررة يوم ١٨ حزيران ( يونيو ) المقبل، وبالتالي يستفيد منها الفريق الإصلاحي الذي يقوده الرئيس حسن روحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف.

كل ما تقدم يفيد أن ثمة حركة مريبة بين الاميركيين و الإيرانيين في فيينا. و ربما يكون هدف الإدارة الأميركية من ارسال وفد رفيع الى الشرق الأوسط يجول الاسبوع المقبل إلى مصر، و السعودية و الامارات، برئاسة منسق شؤون الشرق الأوسط و شمال افريقيا في مجلس الامن القومي بريت ماكغيرك هو البحث في مسألة المفاوضات حول الاتفاق النووي الإيراني، و طمأنة الحلفاء العرب بالنسبة الى ما يمكن ان يحدث فيما لو توصلت مفاوضات فيينا الى نتائج إيجابية. وتتبع هذه الجولة المباحثات الافتراضية عبر الفيديو التي أجراها قبل يومين مستشار الرئيس الأميركي للشؤون الايرانية روبرت مالي مع مسوؤلين كبار في دول مجلس التعاون الخليجي ، و تتزامن مع المباحثات التي يجريها هذا الأسبوع وفد امني إسرائيلي رفيع في واشنطن يضم مستشار الامن القومي مثير بن شبات، ورئيس “الموساد” يوسي كوهين مع كبار المسوؤلين في البيت الأبيض والبنتاغون ووزراة الخارجية و مجلس الامن القومي برئاسة جيك سوليفان. كل ذلك في أجواء توحي ان الإدارة الأميركية تسير بخطى متسارعة نحو اتفاق مع الإيرانيين، يرفع عنهم العقوبات، في مقابل العودة الاتفاق النووي للعام ٢٠١٥، من دون اشتراط اتفاق جديد أقوى، وأطول مدة، أو اتفاق حول برنامج الصواريخ الباليستية أو السياسة الإيرانية المزعزعة للاستقرار .

كل المؤشرات تدل على ان إدارة بايدن لن توقفها اعتراضات إسرائيل، أو الحلفاء العرب . فهي ماضية حتى الان للعودة الى مرحلة أوباما ، أي الى اتفاق ٢٠١٥، من دون ضمانات جدية تخفف من اعتراضات دول المنطقة التي تعيش اليوم إعادة للمرحلة “الاوبامية “!

المصدر النهار.العربي


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا