من أحرق الشباب السوريين الثلاثة؟

هزت جريمة حرق ثلاثة عمال سوريين كانوا يعملون في معمل للحجارة في محافظة إزمير قبل نحو شهر؛ ضمائر المواطنين الأتراك المتعاطفين كافة مع الشعب السوري وثورته المباركة، كما أخجلهم كون مرتكب الجريمة البشعة مواطنا تركيا، بغض النظر عن دوافعه وانتماءاته السياسية والأيديولوجية والاجتماعية.

قوات الأمن التركية ألقت القبض على قاتل الشباب الثلاثة، رحمهم لله، إلا أن هناك نوعا من التكتم لأسباب أمنية واجتماعية وسياسية. ومن المؤكد أن القضاء التركي سوف يعاقب المجرم والمتورطين في الجريمة كافة، إلا أن أقصى ما يمكن أن يناله المجرمون من عقاب هو السجن المؤبد، للأسف الشديد، لعدم وجود عقوبة الإعدام في تركيا.

المسؤول الأول عن هذه الجريمة هو المجرم الذي سكب البنزين على أرضية المصنع وأحرق الشباب الثلاثة وهم نائمون، إلا أن هناك آخرين يتحملون مسؤولية الجرائم التي تستهدف اللاجئين السوريين لدوافع عنصرية. ومما لا شك فيه، أنهم شركاء المجرم في الجريمة الأخيرة، حتى وإن كان من قام بها شخص واحد.

هناك وسائل إعلام معارضة، كصحيفة “سوزجو”، تقوم بتحريض المواطنين الأتراك ضد اللاجئين السوريين بشكل ممنهج، كما أن هناك سياسيين معارضين يتنافسون في بث الكراهية وإثارة المشاعر العنصرية، كرئيس حزب “ظفر”، أميت أوزداغ، ورئيس بلدية بولو، تانجو أوزجان، المنتمي إلى حزب الشعب الجمهوري، وآخرين من أعضاء الحزب الجيد الذي تترأسه ميرال آكشنير. ويمهد هؤلاء الطريق لارتكاب جرائم عنصرية من خلال تحريض الشارع التركي ليل نهار ضد اللاجئين السوريين.

النائب أميت أوزداغ، نشر قبل أيام في حسابه بموقع تويتر مقطع فيديو؛ يُظهر زيارته لمحل ذهب في مدينة إزمير يملكه سوري لجأ إلى تركيا قبل سبع سنوات، وحصل على الجنسية التركية. ووفقا للمقطع، يطلب أوزداغ منه أن يظهر هويته ورخصة عمل محله، ويقول إنه (أي صاحب المحل) يحمل الجنسية التركية رغم أنه لا يتقن اللغة التركية، كما يحمل رخصة امتلاك مسدس. وفي تعليقه على المقطع، كتب في ذات التغريدة أن “هناك 900 ألف آخرين مثل هؤلاء.. تركيا، ألم تدرك الخطر بعد؟”.

صاحب محل الذهب حصل على الجنسية التركية، وفتح محله بطرق قانونية، وهو يملك الحقوق كافة التي تمنحها القوانين للمواطنين. وأما المسدس المرخص، فيملكه وفقا للقانون التركي الذي يعطي أصحاب محلات الذهب حق امتلاكه، نظرا لاحتمال تعرض محلاتهم لمحاولة السطو والسرقة. ولا يحق لأوزداغ قانونيا أن يطلب منه إظهار هويته ولا رخصة عمل محله، إلا أنه يتجرأ على مثل هذه الأعمال المثيرة غير القانونية متسترا وراء حصانته البرلمانية.

تركيا فتحت أبوابها للاجئين السوريين الهاربين من الموت، وقدمت لهم خدمات جليلة وظروف حياة لا يمكن قياسها بظروف اللاجئين السوريين في الدول الأخرى التي تستضيف عددا كبيرا من اللاجئين. ومع ذلك، لا يمكن القول بأنها نجحت في لجم العنصريين ومنع هجماتهم وتحريضهم ضد اللاجئين، بسبب خوفها من التعرض لانتقادات، والاتهام بالتضييق على المعارضين وحرية التعبير وحرية الصحافة. ويريد المرء في مثل هذه الحالات أن يلعن هذا النوع من الديمقرطية والحريات التي تمنح العنصريين حصانة وحرية لاستهداف الضعفاء والمساكين.

هناك جاليات كبيرة للأتراك في ألمانيا وفرنسا وغيرهما من الدول الأوروبية، ويتعرض هؤلاء في بعض الأحيان لهجمات عنصرية يقوم بها النازيُّون الجدد والمنتمون إلى اليمين المتطرف. ولا يجوز التساهل مع العنصريين الأتراك الذين لا تقل بشاعة فاشيتهم عن النازيين الجدد أو السياسي الهولندي المعادي للإسلام والمسلمين، خيرت فيلدرز، في الوقت الذي نستنكر العنصرية التي تتعرض لها الجاليات التركية، ونطالب بمكافحة الإسلاموفوبيا في أوروبا.

عنصرية معظم المحرضين ضد اللاجئين السوريين في تركيا لا تخلو من الطائفية ومعاداة الإسلام والمسلمين. وحين يعادون العرب والسوريين لا يعادون كلهم، بل المسلمين السنة منهم فقط. ولفضح هذه الازدواجية، يطالب الأتراك النائب أميت أوزداغ، المولود في العاصمة اليابانية طوكيو، بأن يدعو إلى طرد رئيس جمعية الصناعيين ورجال الأعمال الأتراك (توسياد)، سيمون كاسلوفسكي، اليهودي إيطالي الأصل، كما يطالب بطرد اللاجئين السوريين.

تركيا مقبلة على انتخابات رئاسية وبرلمانية في غاية الأهمية، ومن المتوقع أن تلجأ المعارضة إلى إثارة الكراهية والعنصرية والتحريض ضد اللاجئين السوريين، كما فعلت في الانتخابات المحلية الأخيرة، بعد أن فقدت ورقة ارتفاع سعر الدولار الأمريكي أمام الليرة التركية. كما أن هناك منزعجين من عدم تحول الجريمة الأخيرة إلى أعمال شغب بين الأتراك واللاجئين السوريين، ومن المؤكد أن استياء هؤلاء من تكتم السلطات على تفاصيل الجريمة النكراء وسعيها لمعالجة المشكلة بهدوء، لا ينبع من تعاطفهم مع اللاجئين السوريين، بدليل أنهم يدعمون الأحزاب التي تدعو باستمرار إلى طرد اللاجئين السوريين وتحرض ضدهم.

الحكومة التركية بدأت تشدد في شروط اقتناء كلاب “البيتبول”، وتتعامل بصرامة مع ظاهرة الكلاب الضالة، بعد أن كثرت أحداث تعرض المواطنين لمهاجمتها. ومن المؤكد أن خطر عنصرية الفاشيين على المجتمع والسلم الأهلي لا يقل عن خطر الكلاب المسعورية، ومن ثم، يجب على الحكومة أن تلجم هؤلاء حتى لا يحرقوا البلاد كما أحرقوا الشباب الثلاثة العزل.

المصدر عربي21


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا