من خطط لعملية غويران قد تابع “La casa de papel” حتماً

مازالت “عملية غويران” تسيطر على مشهد محافظة الحسكة، لا بل إنها سرقت أنظار جميع المهتمين والمحللين للصراع السوري وتنظيم “الدولة الإسلامية” على وجه الخصوص. نحن نتحدث عن عملية معقدة للغاية، ويبدو أن التخطيط والإعداد لها قد استغرق أشهراً وأكثر.

نجح تنظيم “الدولة” في كسر سجن غويران، وبينما كان قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ومن خلفها التحالف الدولي يحاولون استيعاب وفهم ما حصل، كان التنظيم قد أحكم السيطرة على السجن، مطلقاً سراح المئات من عناصره، الذين انتشروا سريعاً في الأحياء المحيطة بالسجن.

وقبل أن يستفيق قادة “قسد” من هول الصدمة كانت رايات التنظيم ترفرف فوق عدة مباني داخل المدينة والأهالي ينزحون بعشرات الآلاف. لم يستغرق الأمر أكثر من ساعتين، هو ليس هجوماً عبثياً على الإطلاق. هو هجوم منظم بأدق أدق التفاصيل. هو هجوم درس مختلف السيناريوهات، ومن يقف خلفه خطط لكافة التفاصيل والاحتمالات.

من تابع خلال السنوات الماضية، السلسلة الدرامية الإسبانية الشهيرة ” La casa de papel ” يعلم أن البروفيسور كان يبني خططه على عدة مراحل، الهجوم ثم السيطرة والتحصن، تأمين الموارد، شراء الوقت، وأخيرا تنفيذ خطة الإخلاء. وكأن من خطط لعملية غويران قد تابع المسلسل بحذافيره.

هاجم تنظيم “الدولة” وضرب بقوة كما ضربت عصابة البروفيسور بنك إسبانيا، ثم سيطر التنظيم على السجن من الداخل كما سيطرت العصابة الإسبانية على البنك، وأثناء العملية كان لا بد من الإلهاء والتشتيت، أطلق البروفيسور بوالين الأموال في سماء مدريد، بينما كان التنظيم يفجر محطة المحروقات ويطلق الدخان الأسود في سماء الحسكة لتشتيت الطيران وإحداث غطاء جوي.

المرحلة التالية من الخطة كانت بالاستعداد للمواجهة. حصّن البروفيسور البنك وأمن الأسلحة والذخائر، وكذلك فعل التنظيم الذي استهدف مستودعات أسلحة “قسد” داخل السجن، واستغل الضربة الأولى في إدخال شحنات من الذخائر إلى داخل السجن. لقد كان التنظيم يخطط للتحصن في الداخل كما خطط البروفيسور للتحصن داخل بنك اسبانيا تماماً، بل إن الخطة تضمنت السيطرة على مطبخ السجن لتأمين الإمدادات بالطعام، ولا يجب أن يتفاجأ أحد إن علمنا مستقبلاً أن التنظيم قد جهز مشفى ميداني داخل السجن أيضاً.

بعد سيطرة عصابة البروفيسور على بنك إسبانيا، بدأت خطة المواجهة وشراء الوقت، وكذلك فعل التنظيم الذي أطلق بداية سراح المئات من معتقليه، وأظهر جلياً حيازته لكميات ليست قليلة أبداً من الأسلحة والذخائر، وتحركت خلاياه في كل مكان وافتعلت اشتباكات في مناطق مختلفة من الحسكة ودير الزور، وخاض مواجهة عسكرية عنيفة للغاية استدعت من التحالف التدخل بالغارات الجوية لتدارك الموقف.

وكما بثت العصابة الاسبانية بيانات للإعلام وتحدثت مع الشعب، فعل التنظيم بالحرف، فالتنظيم بث مقاطع بالجودة العالية للهجوم والسيطرة، وثم للأسرى من حرس السجن والعاملين فيه، فكما أن العصابة كان لديها وسيلة اتصال إلى خارج البنك رغم قطع الحكومة للاتصالات عنهم، فقد امتلك التنظيم وسيلة اتصالاته أيضاً من داخل السجن، ولا يمكننا أن نقرأ من الجودة المرتفعة إلا أن ما في جعبة التنظيم من فيديوهات وصور أكبر بكثير.

تنتهي خطة البروفيسور بخروج العصابة أو من تبقى منهم على قيد الحياة من البنك واستعادة الحكومة لبنكها، وكذلك التنظيم وإن كان بشكل مختلف، فخطة التنظيم ستنتهي حتماً بإعادة سيطرة “قسد” على السجن ومحيطه ولعلنا لن نعلم أبداً عدد الفارين الحقيقيين ومن تبقى منهم على قيد الحياة. وهنا تكمن النجاعة في خطة التنظيم الذي لم يبحث عن إخراج مقاتليه على قيد الحياة، بل كان عناصره جميعهم، المهاجمون منهم ومن تم إطلاق سراحهم، يبحثون عن الموت وغير آبيهن كما يبدو بالانسحاب.

إنها خطة البروفيسور بحذافيرها، وما سجن غويران إلا بنك اسبانيا، أما الهدف البروفيسور فكان ذهب إسبانيا، وأما هدف التنظيم فكان إحداث ضربة معنوية وإعلامية قوية للغاية، تعلن عودة التنظيم بقوة وتستعرض قدراته الأمنية والعسكرية، وكما أن عصابة البروفيسور قد هربت بالذهب الحقيقي بينما توهم الشعب أن الحكومة قضت على العصابة، فإن مكاسب التنظيم غير معلنة، والاتفاقات التي مررها تحت أزيز الرصاص، قد تكون أكبر بكثير مما نعلم وسنعلم.

لن تنتهي عملية غويران باستعادة السيطرة على السجن وإحصاء عدد القتلى من الطرفين وإعلان كل طرف لنتائج المواجهة، ستسيل هذه العملية الكثير من الحبر، وستطرح مئات الأسئلة عن حالة التنظيم وجهوزيته الأمنية والعسكرية وعن هشاشة “قسد” واختراقها أمنياً وعسكرياً أيضاً، وعن دور التحالف أمنياً واستخباراتياً من كل هذا. ليبقى السؤال الأكبر، إن كانت “قسد” قد أعلنت مؤخراً عن إلقاء القبض على المخطط لعملية سجن غويران وقدمته للإعلام ليتحدث لنا عن تفاصيل الهجوم وكيف سيبدأ، ورغم ذلك نفذ التنظيم هجومه وأحدث ما أحدث خلفه، ماذا كان سيحدث لو لم تكن “قسد” على علم بالخطة؟ أم ربما التنظيم من أعطاهم إياها متعمداً قبل ذلك؟ من نصب الفخ للآخر؟ عشرات ومئات الأسئلة والتفاصيل الغامضة التي ستُضاف إلى أرشيف العمليات الكبيرة الغامضة في سورية، لتبقى الإجابة عنها رهن التاريخ فقط.

من قال لكم أن إنتاج “نتفلكس” لمسلسل “La casa de papel” كان غير منطقي ويحمل الكثير من الحبكات والصدف غير الواقعية فقد أخطأ، لقد أنتج لكم تنظيم “الدولة” في سورية مسلسلاً عن سجن غويران بالمشاهد الحقيقية وبالنار والدم، وفيه من الحبكات الحقيقية ما لا تحتمله الدراما نفسها.

المصدر السورية.نت


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا