نظرية حل النزاعات والحرب السورية

يمكن القول إن الحرب السورية أصبحت حالة نموذجية لدراسة حالة الحروب الأهلية في منطقة الشرق الأوسط وكيف تتطور من أزمة سياسة تفشل القيادة في إدارتها إلى حرب أهلية ثم إلى نزاع إقليمي ودولي، وكما تمتلئ كتب النزاعات المسلحة بنماذج مختلفة لتطور دائرة العنف في المجتمع يبقى النموذج الذي قدمه مايكل لند من معهد الولايات المتحدة للسلام الأكثر دينامية في فهم الصراع السوري الذي مر بالمراحل الثلاث كلها التي تحدث عنها لند في كتابه “منع الصراعات العنيفة: استراتيجية الدبلوماسية الوقائية”.

مرحلة اشتداد الصراع

ومرحلة النزاع المسلح

مرحلة ما بعد الصراع / ما بعد الأزمة.

كل مرحلة من هذه المراحل مميزات. مرحلة اشتداد الصراع تتميز بانتهاكات حقوق الإنسان كأسباب جذرية للنزاع، والفشل في معالجة قضايا حقوق الإنسان يعيق جهود الوقاية من تجنب النزاع. أما خلال مرحلة النزاع المسلح، فإن الفصائل المتنافسة تحمل السلاح وتصبح انتهاكات حقوق الإنسان منتجا ثانويا شائعا للعنف وعنصرا من استراتيجية زمن الحرب، في حين أن معايير حقوق الإنسان واهتمامات الجهود المبذولة للتدخل الدولي.

خلال مرحلة ما بعد الصراع / مرحلة ما بعد الأزمة يتوقف الصراع العنيف وتبدأ جهود إعادة البناء. لكن المصالح الدولية هنا تلعب دوراً في اتفاقيات السلام، اللاجئين، جهود بناء المجتمع المدني، حقوق الإنسان، حملات التثقيف وتشكيل لجان الحقيقة وغيرها من الجهود لمحاكمة مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان.

ما زالت سوريا تقريبا في المرحلة الثانية من الصراع رغم مرور عشر سنوات على بدء هذا الصراع في عام 2011، ويعود تعقيد الوضع هنا إلى كثرة اللاعبين الإقليمين والدوليين الذين لعبوا أو يلعبون دورا في هذا الصراع، فهناك تاريخ طويل من الدراسات والبحوث حول الحروب الأهلية وتعقيداتها ونهاياتها، لاسيما أن الحروب الأهلية وسمت تاريخ القرن العشرين بشكل كبير خاصة في أفريقيا وأميركا اللاتينية والشرق الأوسط.

فبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وتأسيس ما أطلق عليه فيما بعد الأمم المتحدة بعد فشل تجربة عصبة الأمم، كان المبدأ الرئيسي في الميثاق التأسيسي للأمم المتحدة هو سيادة الدول، وتحول مبدأ السيادة إلى المبدأ الرئيسي الذي يحكم مبدأ العلاقات الدولية وفيما بعد القانون الدولي، ونص الميثاق أيضا على أن الحرب لا يجوز إعلانها أو التهديد بها إلا في حالة الدفاع عن النفس أو بقرار من مجلس الأمن، وعليه استقرت جغرافيا العالم لفترة الحرب الباردة التي كانت تعتمد بشكل رئيسي على توازنات القوى بين الولايات المتحدة من جهة والاتحاد السوفييتي من جهة أخرى.

وأصبحت الحروب بين الدول محدودة وتركزت حول نزاعات حدودية أو على أراض جغرافية وتاريخية، لكن بدأت منذ ثمانينيات القرن الماضي ظاهرة جديدة تركزت في الحروب داخل حدود الدولة نفسها، وهي في جزء رئيسي منها صراعات على السلطة أو على الموارد المادية والطبيعية وهو ما أصبح يطلق عليه الحروب الأهلية التي أصبحت سمة الحروب في أفريقيا بشكل رئيسي ثم أميركا اللاتينية في الثمانينيات والتسعينيات التي شهدت ما يسمى حروب الغوريلا أو الميليشيات المسلحة التي تقاتل من أجل السيطرة على السلطة أو تقاسمها أو حتى حلم الاستقلال.

لذلك يمكن القول إن قراءة الصراع السوري الآن من منظور تحليل النزاعات ربما يكون مفيدا بعد مرور عشر سنوات على الحرب لكن في الوقت نفسه قد يبسط الصورة إلى حد الخلل في فهم ديناميات الحرب السورية التي أصبحت اليوم بكل تأكيد حربا دولية وإقليمية على الأرض السورية بوجود خمسة جيوش أجنبية على أرضها من روسيا وأميركا وتركيا وإيران وبحد أدنى فرنسا وبريطانيا فضلا عن عشرات الميليشيات الأجنبية المدعومة دوليا وإقليميا من حزب الله المدعوم من قبل فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني إلى كتائب الحشد الشعبي الطائفية العراقية إلى ميليشيات زينبيون الباكستانية وفاطميون الأفغانية وكلتاهما مدعومتان من قبل الحرس الثوري الإيراني، فخريطة النزاع السوري كما يقال معقدة بشكل يصعب على الأطراف المحلية وحدهم الاتفاق على تصور للحل يقوم على أخذ مصالحهم بعين الاعتبار

المصدر تلفزيون سوريا


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا