نهاية مصادرة روسيا للقرار الدولي..ضرورة حتمية

في ظل الإخفاق الجديد لمجلس الأمن الدولي بعد جلسته الأخيرة حول تمديد الآلية الدولية لإدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود السورية التركية، آن الأوان أن نقول للدول الأعضاء كفى تساهلاً مع الابتزاز الروسي لكم وللملف السوري الذي أصبح عبئاً ثقيلاً في البحث عن حلول تساهم في عودة الحياة وبناء مستقبل جديد لسوريا. إنّ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2165، والذي سمح بإدخال المساعدات الإنسانية للمدنيين ضمن آلية دولية لا تحتاج إلى إذن مُسبق من نظام الأسد، خضع لعدة تجديدات آخرها لمدة 6 أشهر فقط ومن خلال معبر باب الهوى الحدودي حصراً ضمن معايير وشروط روسية تجسّدت من خلال الفيتو الروسي للمرة السابعة عشر على التوالي. وعليه فقد أصبح العمل ضمن خيارات بديلة ضمن أوساط المجتمع الدولي ضرورة استراتيجية لإنقاذ ملايين السوريين المقيمين في الشمال السوري، والخروج نهائياً من منظومة التحكم الروسي في القرار الدولي السوري لأكثر من أحد عشر عاماً.
إنّ مصادرة روسيا للقرار الدولي فيما يتعلق بالملف السوري يرسّخ تدميرا منهجيا لآليات إدخال المساعدات الإنسانية للشمال السوري ويشكّل تهديداً أساسياً لملايين السوريين للبقاء على قيد الحياة.
علاوةً على ذلك، فالابتزاز الروسي بالتزامن مع انتهاء تفويض دخول المساعدات الإنسانية يزيد من احتمالية إعادة تعويم نظام الأسد سياسياً، فبعد أن قلّصت روسيا دورها عسكرياً واقتصادياً في سوريا تزامناً مع الحرب الأوكرانية، أبقت على حضورها سياسياً في الملف السوري بشكل قوي كورقة ضغط كي تُظهر نفسها كلاعب إقليمي بغض النظر عن مواقف الدول الأوروبية والولايات المتحدة من ذلك، روسيا التي لطالما حاولت أن توفّر لنظام الأسد غطاء سياسي أمام الدول المانحة في ملف إعادة الإعمار ومجالات العمل الإنساني والخدمي والذي يُعتبر تحايلاً واضحاً على جميع القرارات والعقوبات الدولية، بالإضافة إلى سعيها لعودته لجامعة الدول العربية بعد تجميد المقعد لأكثر من عشر سنوات، وبالرغم من ارتكاب هذا النظام آلاف الانتهاكات التي وثّقتها التقارير الدولية.

بالإضافة إلى ذلك، كما حاول المجتمع الدولي والدول الغربية على وجه التحديد مواجهة روسيا بشكل حازم وشديد في الحرب الأوكرانية، لا بد أيضاً من مواجهة مماثلة في سوريا تسعى لضمان السلام العالمي في مواجهة الدولة التي لطالما دعمت كل الأنظمة الديكتاتورية التي تقتل شعوبها تحت ذريعة حفظ السيادة للدول والحفاظ على مصالحها.
وفي ظل هذا الوضع بات من المُلِح للغاية وضع الآليات البديلة للعمل الإنساني ضمن إطار قانوني واضح واستراتيجية بعيدة الأمد خارج إطار مجلس الأمن الدولي الذي باتت آلياته مُعطّلة تماماً أمام السَلب الروسي للقرارت المتعلقة بسوريا. وتقع المسؤولية بذلك على الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي على وجه التحديد، فهناك تحليلات أولية مبنية على أسس قانونية تُشرعِن إدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود خارج إطار مجلس الأمن، وهذه التحليلات مبنية على تحليلات تتعامل مع موضوع الضرورة الإنسانية بالإضافة إلى سابقة قضائية لمحكمة العدل الدولية التي أقرت أنّ إدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود غير خارق لموضوع السيادة الذي تتحجج به روسيا باستمرار وتضغط على الدول الأوروبية في سبيل إعادة فتح علاقاتها مع نظام الأسد بحجة الوضع الإنساني، لذلك يجب منع إساءة استخدام مفهوم سيادة الدولة لأغراض سياسية أثناء معالجة الكوارث الإنسانية التي تستهدف حياة المدنيين.
وهنا لابد من التأكيد على ضرورة تعزيز دور المجتمع المحلي ومنظمات المجتمع المدني التي بإمكانها وبشكل فعّال المشاركة في الآلية الدولية الجديدة عبر تقديم الدعم الإنساني لجميع المستفيدين بشكل مباشر مع وضع خطة شاملة تهدف إلى حماية العاملين في المجال الإنساني وإعطاء هذه المنظمات الدور المَنوط بها بتقديم المساعدات ضمن آلية ومنهجية دولية جديدة.
فإن لم تستطع الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي اتخاذ القرار الذي يحمي ملايين السوريين من خطر المجاعة والاستفزاز الروسي واستخدام المدنيين كورقة سياسية على طاولة المفاوضات ضمن مبدأ (الخبز مقابل المزيد من التنازلات).
فعلى المجتمع الدولي الإنساني أن يدعم المجتمع المحلي بعيداً عن تسييس القضايا الإنسانية، ويتبنى الدور الذي تقوم به المنظمات البديلة التي أثبتت جدارتها وقدرتها على تحمل المسؤولية والعبء الأكبر في جميع مناطق الشمال السوري.

المصدر القدس العربي


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا