هل باتت مخيمات النازحين هدفاً ثابتاً للأسد؟

لقد أُنشئت مناطق ما يُسمى خفض التصعيد في سوريا خلال اللقاء السادس ممّا يُدعى مسار أستانا، في الرابع من شهر أيار عام 2017، وذلك تطبيقاً لما تضمنه القرار الأممي (2254)، وبرعاية مباشرة من الدول الثلاث الراعية لهذا المسار (تركيا وروسيا وإيران)، وفي شهر أيلول من العام 2017 تم الاتفاق بين رعاة أستانا على إنشاء منطقة رابعة وإلحاقها بمناطق خفض التصعيد، وتشمل المنطقة الرابعة (محافظة إدلب وأجزاء من أرياف حلب وحماة واللاذقية).

ومع مرور خمس سنوات من عمر تلك التفاهمات لم يتوقف نظام الأسد وحلفاؤه الروس والإيرانيون عن استهداف معظم مناطق ما يُدعى بـ ( خفض التصعيد) بطريقة توحي، بل تؤكّد أن جلَّ ما تم الاتفاق عليه إنما هو امتناع أي فصيل من فصائل المعارضة المسلحة امتناعاً تاماً عن أي عمل عسكري يستهدف قوات الأسد وحلفاءها، مهما كانت الأسباب والذرائع، والضامن لامتناعها هو الجانب التركي الذي يبسط نفوذه الكامل على تلك الفصائل، في حين أن الطرف الآخر (النظام وحلفاءه) في حلٍّ كامل من أي التزام ببنود الاتفاق المذكور، حين يرون ضرورة لاختراقه، والضرورة قائمة دائماً على أية حال، طالما أن ثمة مساحات من الجغرافية السورية ما تزال خارجة عن سيطرة نظام الأسد.

ربما لا تشير وثائق الاتفاق المكتوبة إلى ذلك صراحةً، ولكن مجمل تفاهمات أستانا تؤكّد أن ما يسعى إليه الروس أو ما يقومون بتنفيذه على الأرض هو أصل الاتفاق ولو لم يكن مكتوباً، بل وحتى لو كان مخالفاً لنصوص الاتفاق المكتوب ذاته، ولا أدلّ على ذلك من جميع التغيرات الجغرافية التي طالت تموضع القوات المتخاصمة من الطرفين على الجغرافية السورية، إذ حين شاءت روسيا والأسد اجتياح خان شيخون وسراقب والمعرة وكفرنبل وأجزاء كبيرة من بلدات وقرى في ريفي حماة وحلب في شباط من العام 2020، وتشريد أكثر من مئتي ألف مواطن، لم يعترض الضامنان الآخران (تركيا وإيران) على ذلك، ما يعني أن مفهوم (الضامن) في هذا الاتفاق الثلاثي يعفي – ضمناً – الجهة الضامنة من أي التزام مادّي ملموس أو من أية تبعية أخلاقية، الأمر الذي يجعل من اتفاق مناطق خفض التصعيد جسراً لعبور الدول الراعية الثلاث إلى فضاءات أخرى من تبادل المصالح لا يُشترط أن تنحصر داخل الجغرافية السورية أو تتمحور حول القضية السورية على وجه الخصوص.

وبناء عليه لا يوجد – بالفعل – ما يمنع قوات الأسد أو القوات الروسية أو ميليشيات إيران من القيام بأي استهداف عسكري لمناطق سيطرة الفصائل بما في ذلك الواقعة تحت الحماية التركية، وربما أجاز لنا ذلك بعدم البحث كثيراً وكدّ الذهن لاستنباط أسباب بعيدة وقريبة لكل مجزرة جديدة يرتكبها النظام وحلفاؤه بحق المدنيين السوريين، ليس استمراءً لعمليات القتل الأسدية بقدر ما هو الوقوف على الدوافع الحقيقية التي كانت وما تزال مستمرة في جعْل الأسد في شهوة دائمة إلى استباحة الدم السوري، إذ كثيراً ما يميل منطق التحليل السياسي إلى ضرورة إيجاد مبررات من نوع ما ليعزو إليها أي عمل عسكري، ولكن ما لا يقف عنده الكثيرون هو أن طبيعة الحرب الإجرامية التي يمارسها نظام دمشق على الشعب السوري باتت تتجاوز مسألة الاستئثار بالسلطة وإقصاء الخصم، بل تحوّلت إلى نوع من الحرب الوجودية التي لا تتيح لأحد المتخاصمين بقاء الآخر، وإلّا فما معنى استهداف قوات النظام لمخيمات النازحين الذين لا يملكون سوى خيامهم المهترئة وبؤسهم المعيشي وقهرهم الذي لا يفارقهم؟ وخاصة أن قصف المخيمات براجمات الصواريخ والمدفعية الثقيلة والطائرات لم يكن حالة عرضية أو عابرة، بل بات النازحون السوريون على امتداد مدن وبلدات الشمال السوري هدفاً متكرراً لقوات النظام.

ومن هنا يمكن إعادة السؤال: ما الذي يريده الأسد وحلفاؤه الروس من قتل عشرة مواطنين وإصابة تسعين آخرين في استهدافهم يوم السادس من تشرين الثاني الجاري في مخيم (مرام) وسلسلة مخيمات غربي مدينة إدلب؟ ولماذا لم يكتف الأسد بالأسلحة التقليدية كوسيلة للقتل بل استخدم القنابل العنقودية الأشدّ فتكاً وضراوةً؟ هل لاعتقاده بأن خيام النازحين الممزقة ستكون أكثر صلابة لصد أسلحته التقليدية فاحتاج إلى أسلحة أكثر نفاذاً وحرقاً؟ أم لأن شهوة القتل والتنكيل بالسوريين دفعته إلى رغبته الجامحة برؤية أشلاء الأطفال والنساء تتناثر في العراء، أم أراد أن يبلغ النازحين الذين طُردوا من مدنهم وبيوتهم بأنه سوف يلاحقهم بوسائل الموت والدمار أنّى حطّت رحالهم؟

قد لا يبدو غريباً ألّا يتفاجأ السوريون بأي ممارسة إجرامية من نظامٍ نعتهم منذ أكثر من أحد عشر عاماً بكل أوصاف التحقير، فهم الجراثيم تارةً والمندسون تارةً أخرى، وربما كان مصطلح (الإرهابيين) هو الأكثر تهذيباً وفقاً لمنطوق الأسد، وما تلك المجازر التي يرتكبها بحق أرواحهم سوى ترجمة فعلية لتشخيصات رأس النظام، كحاكم استمرأ القتل والإجرام كوسيلة أكثر يُسراً وفاعلية من التفكير، وخاصة أن نزوعه الجارف نحو استعذاب هدْر دماء السوريين لم يجد أيّ رادع له، سواء أكان هذا الرادع دولياً أو إقليمياً أو محلياً، ذلك أن أفظع ما يمكن أن يتوقعه نظام الأسد من العالم كردّ فعل على إجرامه هو المزيد من القلق الذي تبديه المرجعيات الأممية، وما إن يهدأ هذا القلق حتى يعيدهم إليه مرّة أخرى وبمجزرة جديدة، أضف إلى ذلك أن ثمة ما يكفل له بأن هكذا مجازر بحق ساكني المخيمات لن تظهر في إحاطات السيد غير بيدرسون أمام مجلس الأمن، طالما سعى بيدرسون في مجمل تقاريره وإحاطاته بأن ينسب ما يحدث من مشاهد الموت إلى فاعل مجهول، وكذلك لن تكون هذه المشاهد معطلة لمشروع السيد بيدرسون المسمى (خطوة مقابل خطوة).

يمكن للكثيرين أن يجدوا أسباباً كثيرة – سياسية وعسكرية – تكمن وراء مجزرة مخيم مرام أو عين جالس أو سواها، وربما تكون صحيحة أم لا، ولكن ما هو صحيح أيضاً هو أن (القتل من أجل إشباع شهوة القتل) أيضاً سبب لا يمكن التغافل عنه، ومن يستهجن ذلك عليه الإجابة عن استمراء نظام الأسد لقتل النازحين ورؤية أشلاء الأطفال أكثر من مواجهة الجيوش العسكرية.

المصدر تلفزيون.سوريا


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا