هل بدأ الاستنزاف الروسي في سورية؟

منذ أكثر من ثلاثة شهور أعلنت روسيا خوضها حرباً ضد تنظيم “داعش” في البادية السورية، ورغم مرور هذا الوقت، لم تحقّق القوات الروسية والقوى التي تعمل تحت إمرتها أي نجاح يذكر، بل على العكس من ذلك، زادت عمليات “داعش” التي أصبحت نوعية ومؤلمة.

من غير المتوقع أن تعلن روسيا عن خسائر لها في المعركة ضد “داعش”، لكن الآمر لا يحتاج لإعلان، فهناك خسائر لا يمكن إخفاؤها يوقعها التنظيم بشكل يومي بخصومه في البادية وعلى أطرافها، ومن الطبيعي أن يكون بين هذه الخسائر العديد من العناصر الروس، وهذا ليس افتراضا بل واقعا تؤكده المعطيات العديدة:

أولاً: استطاعت روسيا في المرحلة السابقة تجنب وقوع خسائر كبيرة في صفوف عناصرها، لاعتمادها على المليشيات الإيرانية، التي ثبت أن خسائرها كانت هائلة، وذلك باعتراف القيادي في الحرس الثوري الإيراني، محمد رضا نقدي، قبل أيام، بإخفاء عدد قتلى الحرس في سوريا.

اليوم باتت هذه المليشيات منهكة، وهمّها الحفاظ على ما يقع تحت أيديها من مواقع، كما أن هذه المليشيات تتعرض بدورها لهجمات قاتلة من “داعش”. ثم إن المسألة باتت مكشوفة بالنسبة لها، فروسيا تريد السيطرة على مصادر الثروة في سوريا، وخاصة في البادية، على حساب دماء عناصر هذه المليشيات.

ثانياً: استطاع “داعش” تغيير تكتيكاته العسكرية، فلم يعد راغباً في السيطرة على المدن والقرى، كما لم يعد يمتلك أصولا عسكرية واضحة (معسكرات ومواقع) يستطيع الطيران الروسي استهدافها، بل تحوّل إلى أشباح تنتشر بين الصخور والكهوف في بادية شاسعة، ويقوم بعمليات خاطفة على امتداد طرق شاسعة بين حماة وحمص وحلب والرقة ودير الزور.

وبهذا، تثبت روسيا أنها ليست قوّة جبارة إلا في مجال القصف العشوائي للمدن والأرياف، وتسجيل موت عشرات ومئات المدنيين من الأطفال والنساء على أنهم إرهابيون قتلتهم القوات الروسية.

لكن ما يعزّز فرضية سير روسيا في طريق الاستنزاف، عجزها عن تحويل التفوق الذي حقّقته في السنوات الماضية (بفضل عوامل كثيرة يأتي في مقدمها السكوت عن مجازرها) إلى حل سياسي، تقبله جميع الأطراف ويساهم في استقرار الأوضاع والخروج من حالة الحرب.

قيل في هذا الصدد الكثير عن براغماتية روسيا، واختلافها عن إيران، وأنها ستكون مستعدة للتخلي عن بشار الأسد إذا شعرت بأنه يشكل عبئاً على مشروعها الجيوسياسي، وقيل أيضاً إن بوتين ماكر وماهر ويتقن جيداً دروس إدارة الأزمات، غير أن كل ذلك ظل كلاماً نظرياً لا ملامح له على أرض الواقع، وأن هذا الماهر الماكر عاجز عن صنع مخارج من ورطته السورية التي تضيق عليه يوما بعد آخر.

ليس ذلك وحسب، وإنما يصرّ الكرملين على الوقوع في فخ الاستنزاف السوري من خلال العناد في التجديد لبشار الأسد لولاية جديدة في الحكم، دون أي اعتبار لقرار مجلس الأمن 2254 ولا لمفاوضات اللجنة الدستورية، من دون فهم الفائدة التي سيجنيها من وراء هذا الإجراء، ما دامت الشركات الروسية قد وضعت يدها على كل الثروات المعلومة في سوريا.

لا معنى لذلك سوى أنه مساهمة في حفر روافد جديدة لاستنزاف روسيا، فلن يطول الأمر حتى تتعمم تجربة “داعش”، القائمة على الابتعاد عن المدن والقرى وشن عمليات على أهداف محدّدة. فهناك عشرات ألاف المقاتلين في سوريا، وأضعاف مثلهم حملوا السلاح في فترات معينة، وهؤلاء يعيشون أوضاعاً مزرية، ويعتقدون أن روسيا تقف وراء هذه الأوضاع، حتى ضمن البيئة المؤيدة للنظام نفسه بات كثر يحمّلون روسيا مسؤولية التردي الذي وصلت له أحوال سوريا.

لا تدرك روسيا، ولا تريد أن تدرك أن الأمور تغيرت بشكل كبير عما كانت عليه في السنوات السابقة، وأنها ستبدأ قريباً مرحلة التراجع ما لم تجد مخارج سريعة لأزمتها السورية، كما أن خياراتها باتت ضعيفة جداً. على سبيل المثال، بات الجمود على جبهات إدلب يشكل مصلحة عسكرية كبرى لها، وأن أي محاولة منها لتغير الأوضاع سيفتح عليها عش دبابير، ليس بسبب قوّة الفصائل الموجودة في إدلب، ولكن بسبب ما قد تذهب إليه تلك الفصائل إذا ما جربت روسيا الزحف صوب آخر معاقل تلك الفصائل.

لا تملك روسيا سوى الخديعة، وهذه قد تنطلي مرّة ولكنها لا تنطلي دائماً، ومواسم الخداع انتهت، وعلى روسيا أن تستعد للقادم، الذي سيأتي حتماً طالما لم تستطع الخروج بحل يرضي ويحقق مصالح الجزء الأكبر من السوريين.

المصدر عربي.21


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا