هل تتحرك الإمارات مكان قطر كأفضل شريك خليجي لتركيا؟

قبل أيام وصل ولي عهد الإمارات، محمد بن زايد إلى العاصمة التركية أنقرة، في زيارة هي الأولى من نوعها منذ عام 2012، والتقى فيها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان.

وبحضور بن زايد وأردوغان وقعت الدولتان على عشر اتفاقيات ومذكرات تفاهم، صبّت في معظمها في إطار الاستثمارات الاقتصادية، فيما أعلنت أبو ظبي تأسيس صندوق استثماري بـ10 مليارات دولار.

وفتحت هذه الزيارة التي وصفت بـ”التاريخية” باب تحليلات واسعة من قبل باحثين أتراك وعرب، واستعرضوا فيها العوامل الدافعة والسياق والتأثيرات المستقبلية.

الدكتور علي باكير أستاذ العلاقات الدولية في “مركز ابن خلدون” بجامعة قطر قدم ورقة تحليلية اليوم الجمعة لزيارة بن زايد إلى أنقرة، واستشرف فيها مآلات العلاقة المستقبلية، وتأثيراتها على شركاء تركيا، وبالأخص دولة قطر.

“خطوات تعزيز”

على مدى الأشهر الماضية مهدت عدة تطورات الطريق إلى الزيارة الإماراتية، التي حصلت الأسبوع الماضي.

في يناير 2021 أعرب وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية آنذاك، أنور قرقاش علانية عن رغبة أبو ظبي في تطبيع العلاقات مع أنقرة.

بعد ذلك وفي أبريل / نيسان أجرى وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان اتصالاً هاتفياً مع نظيره التركي، مولود جاويش أوغلو.

ومن ثم كانت هناك مكالمة هاتفية أخرى رفيعة المستوى بين محمد بن زايد وأردوغان، وسبقها تطور هام آخر في نهاية أغسطس/آب الماضي، حيث زار مستشار الأمن القومي الإماراتي، الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان أنقرة، والتقى بالرئيس أردوغان.

وناقش الاثنان الخطط الإماراتية لتعزيز العلاقات الاقتصادية والاستثمار في تركيا.

“سياق أوسع”

يتطلب تفريغ سياق رحلة محمد بن زايد إلى أنقرة تحليلاً متعدد الأبعاد، بحسب الدكتور علي باكير.

بعد المصالحة في قمة مجلس التعاون الخليجي في منطقة العلا بالمملكة العربية السعودية في يناير 2021 (الإمارات لم تكن راضية عنها في البداية) كان على دول المنطقة تهدئة التوترات والتكيف مع الحقائق الجديدة ومزامنة نهجها مع إدارة جو بايدن الجديدة.

وبذلك تراجع الانقسام الحاد بين الكتل الإقليمية، وبدأت عواصم المنطقة في إظهار سياسة خارجية أكثر مرونة في السعي لتحقيق مصالحها.

في الواقع قامت الرياض على الفور بتطبيع علاقاتها مع الدوحة، كما انفتحت على تركيا قبل أن يبدو أن ولي العهد محمد بن سلمان آل سعود قرر وقف ذوبان الجليد.

كما رسمت مصر، وهي حليف آخر للإمارات العربية المتحدة التي كانت تحت نفوذ إماراتي كبير منذ انقلاب 2013 مسارها الخاص بعد اتفاقية العلا، حيث طورت العلاقات بسرعة مع قطر.

بالإضافة إلى ذلك يسير التقارب بين القاهرة وأنقرة ببطء، ولكن بثبات.

وبالنظر إلى هذه الديناميكيات، يقول علي باكير: “شعرت أبو ظبي على ما يبدو بعدم الأمان، وخاصة بالنظر إلى الخلاف المتزايد مع المملكة العربية السعودية في أعقاب المصالحة الخليجية في يناير”.

وبهذا المعنى فإن “الهجوم الإماراتي الإقليمي الساحر” هو جزئياً استجابة للأولويات الجديدة لإدارة بايدن.

وتسعى أبو ظبي، بحسب باكير للإشارة إلى أنها يمكن أن تلعب دوراً بناء، وأن تفيد كل من الولايات المتحدة والمنطقة من خلال الاعتماد على لحظة خفض التصعيد الحالية.

والرسالة الإماراتية هي أيضاً أنها مستعدة لإقامة علاقات مع الجميع، بما في ذلك الأعداء السابقون لكل من أبو ظبي وواشنطن. ليس فقط تركيا، بل طهران أيضاً.

وهناك عناصر أخرى لشعور أبو ظبي بانعدام الأمن، وما يرتبط به من مخاوف من العزلة المحتملة.

ويتابع الدكتور علي باكير أن “أمريكا الأقل التزاماً بأمن دول مجلس التعاون الخليجي ستعرض الإمارات للخطر، خاصة إذا لم يتم إصلاح العلاقات الإماراتية مع السعودية وتركيا وإيران”.

على سبيل المثال لن يعني تطبيع الإمارات مع إسرائيل العام الماضي الكثير إذا قررت المملكة العربية السعودية زيادة الضغط على أبو ظبي وسط الخلاف المتزايد بينهما في حقبة ما بعد اتفاقية العلا.

وفي ظل ما سبق من المرجح أن تكون العلاقات الأفضل مع تركيا وإيران أكثر فاعلية فيما يتعلق بحماية الإمارات العربية المتحدة. والإماراتيون على الأرجح على علم بذلك.

ماذا بعد؟

هناك ثلاثة عوامل أساسية تحفز على المناورة الإماراتية، وفق أستاذ العلاقات الدولية في “مركز ابن خلدون” بجامعة قطر، الدكتور علي باكير.

أولى العوامل: هناك فرص استثمارية واضحة في تركيا الآن، إذ سيسمح انخفاض قيمة الليرة للإمارات بشراء أصول ضخمة وشركات ناجحة بأسعار منخفضة.

وبالنظر إلى حجم وسعة وإمكانيات الاقتصاد التركي، ستكون المكاسب الاقتصادية لأبو ظبي ضخمة بمجرد خروج تركيا من الانكماش الحالي.

ثانياً: يعد استخدام التجارة والاستثمار في التعامل مع تركيا أكثر فاعلية بكثير من مجرد اتباع الدبلوماسية السياسية.

ونظراً لعجز الثقة بين الجانبين، أراد الأتراك دليلاً قوياً من الإماراتيين على نواياهم، وردت الإمارات بالقول إنها ستضع أموالها في مكانها.

ولا تخدم هذه الوعود مصالح أردوغان فحسب، بل تتوافق أيضاً مع لحظة خفض التصعيد الأوسع في المنطقة.

ثالثاً والأهم: على الرغم من أنه قد يبدو أن أبو ظبي تقدم خدمة للرئيس التركي، إلا أن الإمارات العربية المتحدة ربما تستعد في الواقع لسيناريو ما بعد أردوغان من خلال زيادة نفوذها المالي في أنقرة وخلق نفوذ.

وفي نهاية المطاف، تركيا ليست مملكة والتغيير السياسي ممكن دائماً.

إذا حدث التغيير في الانتخابات العامة في تركيا في يونيو 2023 أو قبل ذلك، فستكون دولة الإمارات العربية المتحدة في وضع جيد للغاية للاستفادة من هذا التحول اقتصادياً وسياسياً في مواجهة خصومها في دول مجلس التعاون الخليجي.

ومع ذلك، إذا ظل أردوغان في السلطة فسيحافظ ذلك على سلاسة علاقات أبو ظبي مع أنقرة حتى تحدث تطورات إقليمية ودولية أخرى.

وهناك أيضا مسألة مستقبل العلاقات بين تركيا وقطر.

ويقول باكير إنه وعلى الرغم من أن قطر دولة غنية، إلا أن قوتها الاقتصادية لا تتفوق على دولة الإمارات العربية المتحدة.

ويشير إلى أن السوق القطري محدود، المشاريع العملاقة المرتبطة بكأس العالم لكرة القدم التي طال انتظارها في أواخر عام 2022 تنتهي، تجارتها الثنائية مع تركيا ضئيلة على الرغم من الزيادة الملحوظة في أعقاب أزمة الخليج عام 2017.

ويضيف باكير: “ما لم تكن الدوحة على استعداد لمواجهة المناورة الإماراتية بقوة من خلال تدابير موجهة لزيادة التجارة الثنائية والاستثمار الأجنبي المباشر بشكل كبير في تركيا، فليس هناك فرصة تذكر أن ما يمكن أن تقدمه قطر مالياً يمكن أن يضاهي ما يمكن أن تقدمه دولة الإمارات العربية المتحدة”.

“ميزات عسكرية”

ومع ذلك تتمتع قطر بميزة واحدة مهمة على الإمارات مقارنة بتركيا، وهي علاقاتها العسكرية.
وبحسب باكير فإن وجود قاعدة عسكرية تركية في قطر يوفر لتركيا موطئ قدم في الخليج، وهذا لا يقل أهمية بالنسبة لأنقرة عن العلاقات التجارية والاستثمارية مع الإمارات.

في هذا السياق، يمكن للدوحة أن تتفوق على أبو ظبي في المناورة، وهي إشراك الرياض في تحالفها مع تركيا، من خلال توحيد القوى في لعبة التأثير الأكبر هذه.

ولن تكون قطر والمملكة العربية السعودية قادرتين على موازنة النفوذ الإماراتي المتزايد في تركيا فحسب، بل ستضمن أيضاً عدم استخدام النفوذ الذي تبنيه الإمارات ضدهما.

ويواجه السيناريو المذكور تحدياً رئيسياً واحداً، ألا وهو موقف محمد بن سلمان.

وعقب المصالحة في قمة دول مجلس التعاون الخليجي في العلا أعربت الدوحة عن استعدادها للتوسط بين أنقرة والرياض إذا قررا الاقتراب منها بمثل هذا الطلب.

ومع ذلك، لم تفعل أي من تركيا ولا المملكة العربية السعودية ذلك – حتى الآن.

وفقًا لمسؤول عربي كبير تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، قد يزور ولي العهد السعودي الدوحة في الأيام المقبلة حيث تستضيف قطر يومي 30 نوفمبر وحتى 18 ديسمبر كأس العرب لكرة القدم.

وإذا تمت الزيارة، بحسب الباحث علي باكير فهناك فرصة كبيرة أن يبحث القطريون التقارب مع تركيا مع محمد بن سلمان.

وقد تكون نتيجة مثل هذه المحادثة مهمة للغاية بالنظر إلى أن الرئيس أردوغان من المقرر أن يشرع في زيارة غير معلنة حتى الآن إلى الدوحة في 7 ديسمبر، لبحث دور بلاده في المنطقة.

المصدر السورية.نت
قد يعجبك أيضا