هل ستكون قمة سوتشي منعطفاً جديداً؟

ما إنْ انتهت قمة طهران التي جمعت الدول الراعية لمسار أستانا في التاسع عشر من تموز الماضي، حتى بدأ الروس بحملة تصعيدية تكسر الروتين القائم على الغارات المباغتة والقصف المدفعي المتقطع على ريف إدلب وبلدات وقرى جبل الزاوية وريف حلب الغربي، بل لترتكب مجزرة في بلدة الجديدة بريف جسر الشغور، أودت بحياة سبعة مواطنين، أربعة منهم أطفال، ربما كان المراد من تلك المجزرة هو التأكيد الروسي لتركيا بأن ما يستعصي تحقيقه من خلال القنوات التفاوضية، يمكن أن يتحقق بطرق أخرى، بل ربما حملت مجزرة (أطفال الجديدة) رسالة رمزية روسية إلى تركيا تعيد إليها مشاهد مما جرى في شهر شباط 2020 حين اجتاح الروس ونظام الأسد كافة مدن وبلدات: سراقب وكفرنبل ومعرة النعمان والعديد من قرى جبل الزاوية وشرقي حماة، ما أدّى آنذاك إلى نزوح أكثر من مئتي ألف سوري تشرّدوا في العراء، ولم تردع موسكو آنذاك جميع اتفاقيات خفض التصعيد المُبرمة بين رعاة أستانا، وكذلك لم تردعها جحافل (الجيش الوطني) ولا (أرتال هيئة تحرير الشام) المترامية على امتداد مدن ومناطق الشمال السوري.

ما هو مؤكّد أن رسائل بوتين المُبطّنة بالمزيد من التهديد والوحشية باتت ملازمة لأية خطوة تفاوضية مع نظيره التركي الذي يرى أن تحالفه مع قوى المعارضة السورية لا يعني أبداً التفريط بمصالحه الأخرى، بل يمكن الذهاب إلى أن المبدأ الناظم لطبيعة العلاقة بين الأطراف الراعية لمسار أستانا بات يقتضي تحقيق الأهداف الذاتية ولو على حساب الحلفاء. ومن هنا يمكن النظر إلى أن العملية العسكرية التي تلوّح بها تركيا نحو منبج وتل رفعت، قد تحوّلت – بالنسبة إلى روسيا وتركيا معاً – من حدث يلبي حاجة محدّدة إلى مشروع يمكن البناء عليه لتأسيس فصل جديد من التعاون والتنسيق بين أنقرة وموسكو، بل يمكن الذهاب أيضاً إلى أن قمة سوتشي التي جمعت الرئيسين التركي والروسي في الخامس من شهر آب الجاري، يمكن أن تكون تدشيناً لمنعطف جديد في العلاقات الروسية التركية وذلك وفقاً لما أشار إليه السيد أردوغان في كلمته المختصرة أمام الصحفيين قبل الاجتماع الرسمي بالرئيس الروسي.

حديث الرئيس التركي السيد أردوغان للوفد الصحفي المرافق له في أثناء عودته من سوتشي، عن نصائح بوتين لا يحتمل المزيد من التأويل، بل لعله يجسّد الرؤية الروسية لإنهاء الصراع في سوريا، كما تترجم نصائح بوتين من جهة أخرى موقف موسكو الحقيقي من العملية العسكرية التي تلوّح بها تركيا، ذلك أن التفهّم الروسي لحاجات أنقرة الأمنية لا يعني الموافقة على طريقة التنفيذ، بل يمكن تلبية تلك الحاجات عبر مسار آخر يتلخّص بتجسير الهوّة بين دمشق وأنقرة، كما يمكن في هذه الحال – وفقاً لموسكو – أن يكون إبعاد قسد من تل رفعت ومنبج وعموم غربي الفرات يلبي هدفا مشتركاً لدمشق وأنقرة معاً، بالطبع هذا العرض الروسي سيكون مصحوباً بعروض أخرى ذات صلة بالمصالح المتبادلة بين الطرفين، ولعل في طليعتها الجانب الاقتصادي المتمثل بحاجة تركيا لموارد الطاقة الروسية وكذلك مجال التبادل التجاري بين البلدين.

ما يمكن تأكيده هو أن العرض الروسي الجديد ما يزال موضع اهتمام وتفكير الحكومة التركية التي تقف أمام استحقاقات داخلية هامة، لعل في طليعتها الانتخابات الرئاسية في حزيران 2023 التي توجب على حزب العدالة والتنمية انتزاع ورقة اللاجئين السوريين من يدي أحزاب المعارضة، ولكن حتى الآن لا يمكن الجزم بقبول أو رفض الرؤية الروسية من جانب تركيا طالما أن الحديث عن العملية العسكرية ما يزال قائماً، و كذلك طالما التصعيد العسكري الروسي ما يزال قائماً أيضاً.

في حين يبقى السؤال قائماً عن الموقف الأممي وكذلك الموقف الأميركي مما ينبثق عن قمة سوتشي، وهل ستتخلّى بقية الأطراف النافذة في الشأن السوري عن أي دور يمكن أن يعيق أو يحول دون أن تأخذ الرؤية الروسية طريقها إلى التنفيذ؟ لعل الإجابة على هذا السؤال تقتضي الإشارة إلى ثلاثة أمور، يتمثل أولها بانزياح القضية السورية عن أولويات المجتمع الدولي على العموم، بل يمكن التأكيد على أن ثمة ما يتصدّر اهتمام العالم كالحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها الأمنية والاقتصادية في أوروبا على وجه الخصوص، وكذلك التحديات الاقتصادية والاستراتيجية في مواجهة الصين، فضلاً عن المسعى الأميركي والأوروبي لاحتواء المشروع النووي الإيراني. وثانيها هو قدرة روسيا – حتى الآن على الأقل – على تحييد القرارات الأممية، بل تهميش الدور الأممي وتحويله إلى رافد لمسار أستانا الموازي، ويكفي القول إن حضور الأمم المتحدة في بداية مسار أستانا مطلع العام 2017 كان محصوراً بدور المراقب فحسب، أمّا الآن فإن فكرة ( اللجنة الدستورية) والتي هي من منتجات لقاء سوتشي أواخر العام 2019 فقد باتت هي محور المسار الأممي الذي يشتغل عليه السيد غير بيدرسون.

أما الأمر الثالث فيكمن في الدور الأميركي الذي لا يمكن تجاهله، إنْ من الناحية السياسية أو الميدانية، فواشنطن تضع يدها على الشطر الأهم من سوريا من الناحية الاقتصادية، من خلال تحالفها مع حزب الاتحاد الديمقراطيpyd ، فضلاً عن فرضها للعقوبات الاقتصادية المتمثلة بقانون قيصر على نظام دمشق، إلّا أن أوراق القوّة التي تمتلكها الولايات المتحدة الأميركية لم تؤهل القضية السورية لأنْ تكون ضمن الأولويات الاستراتيجية لدى حكومة الرئيس بايدن، بل ما يزال الملف السوري مُلحقاً بملف إيران، ويمكن تحديد جوهر الموقف الأميركي الراهن بأنه دور فاعل جداً، ولكن فاعليته لا تتمثل بامتلاكه مبادرة لحل سياسي قريب في سوريا، بقدر ما تكمن في قدرته على تعطيل أو إبطال أي حل لا يخدم التوجه الأميركي في مواجهة إيران، بل يمكن الذهاب إلى أن أولوية واشنطن الراهنة في سوريا هي استنزاف روسيا ومحاصرتها أكثر بكثير من اهتمامها بإيجاد حل سياسي في سوريا.

هل يفضي استمرار تصادم المصالح الدولية إلى مزيد من التعقيد في القضية السورية، وكذلك إلى مزيد من تعزيز مأساة السوريين؟ لا شك في ذلك إطلاقاً، ولكن الأهم من ذلك كله هو غياب أي دور فاعل للسوريين – كأصحاب قضية – عن مشهد الصراع سواء من الناحية الميدانية أو السياسية، فجميع سلطات الأمر الواقع، إضافة إلى التشكيلات السياسية الرسمية تكاد تكون متماهية – في سلوكها وتوجهاتها – مع الإرادات الدولية المتصارعة على الجغرافية السورية، وهي بهذا تجسّد امتداداً للأزمة وتعزيزاً لتداعياتها، فهي جزء عضوي من المشكلة وليست طرفاً ساعياً إلى الحل.

المصدر تلفزيون.سوريا


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا