هل علاقات روسيا والاتحاد الأوروبي محكومة بسياسات واشنطن؟

تشهد العلاقات الروسية الأوروبية فصلاً جديداً من التوتر، عنوانه هذه المرة قضية نافالني، وتتهم روسيا والغرب بعضهما البعض باستمرار بمحاولة التدخل وتقويض النظام السياسي.

تتعاون روسيا والاتحاد الأوروبي، وتربط بينهم علاقات اقتصادية وأخرى جيواستراتيجية، بالرغم من الأزمات السياسية، وهناك محاولات لفصل الخلافات السياسية عن العلاقات الاقتصادية، وكان الضرر الاقتصادي الكلي بسبب عقوبات الاتحاد الأوروبي بعد أزمة أوكرانيا، وشبه جزيرة القرم، منخفضًا للغاية لعدة سنوات متتالية، كما تنأى روسيا بنفسها عن الانتقام القاسي.

تتسم العلاقات بين موسكو وبروكسل بأنها ذات طابع استراتيجي، إلا أن هذه العلاقة بالغة الصعوبة، إذ ليس لدى الاتحاد الأوروبي سياسته الخاصة في الملفات الأمنية، والمعادلة معقدة بسبب الاستراتيجيات الأميركية، ونقطة ضعف الاتحاد الأوروبي تنبع من افتقاره للقيادة الفعلية التي عجزت الدول الأوروبية عن توفيرها لاتحادها، وبرغم مرور العلاقة بين الاتحاد الأوروبي وروسيا بعدة منعطفات حادة خلال السنوات الأخيرة، إلا أن ذلك لم يزعزع استقرار العلاقة بين الطرفين.

ومع اقتراب موعد عقد القمة الأوروبية في آذار القادم، تزداد حدة الخلافات بين روسيا والاتحاد الأوروبي، ليس كما جرت العادة بخصوص واردات الغاز ذات الأهمية المحورية فحسب، بل بخصوص مواضيع سياسية واقتصادية أخرى، آخرها قضية نافالني، لتضاف إلى الأزمة الأوكرانية، وقضية سكريبال، والهجمات السيبرانية، إلى جانب الخلافات حول الديمقراطية وحقوق الإنسان.

يدعو البرلمان الأوروبي بشكل دوري إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة تجاه موسكو، ومن بين الإجراءات المقترحة عقوبات ضد “الدائرة الضيقة” للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ووقف نورد ستريم 2، وتنسيق سياسات الاحتواء مع الولايات المتحدة، وتعزيز الديمقراطية.

أشعل اعتقال المعارض الروسي أليكسي نافالني الشهر الماضي، أزمة تبادل طرد الدبلوماسيين بين روسيا وعدد من الدول الأوروبية، وكانت موسكو قد أعلنت قبل أيام، أن دبلوماسيين من ألمانيا وبولندا والسويد غير مرغوب فيهم على أراضيها، لاتهامهم بدعم نافالني، وردت الدول الأوروبية على خطوة روسيا بطرد دبلوماسيين روس، في إطار سياسة “الرد بالمثل”.

وشدد كبير الدبلوماسيين الأوروبيين جوزيب بوريل أمام البرلمان الأوروبي عقب زيارته إلى موسكو الأسبوع الماضي، على أن دول التكتل ستبحث إمكانية فرض عقوبات جديدة على روسيا خلال اجتماع على مستوى وزراء الخارجية يوم 22 من فبراير ومن ثم خلال قمة ستنعقد في مارس.

تحمل بعض الدوائر الغربية السلطات الروسية المسؤولية عن حادثة تسمم نافالني، وتطالب برلين باتخاذ الخطوات اللازمة، كرد فعل على ذلك، بينما ترى روسيا القضية نتاجاً لحملة تشويه تُشن ضدها.

المؤكد أن حادثة تسمم نافالني قد سممت أيضا العلاقات الألمانية الروسية، والأوروبية الروسية كذلك، وأعلن مجلس الوزراء الألماني عن اتصالات بين السلطات الألمانية والإدارة الأميركية على خلفية عقوبات محتملة ضد خط أنابيب الغاز التيار الشمالي 2، وحذر وزير الخارجية الألماني من تداعيات جيواستراتيجية على العلاقات الأوروبية الروسية حال التراجع عن التيار الشمالي 2، كما حذر من هدم الجسور بين أوروبا وروسيا وأكد أن عزل روسيا والصين سيخلق أكبر تحالف عسكري.

ونشرت مجلة “دير شبيغل” الألمانية مقالا تحدثت فيه عن التداعيات المحتملة لإيقاف مشروع الغاز الروسي “السيل الشمالي2″، والذي يلقى ضغوطات من قبل الولايات المتحدة، وبأن ألمانيا ستلحق الضرر بنفسها في حال رفضت إكمال تنفيذ المشروع الهادف لمد أنبوبي غاز من روسيا إلى ألمانيا عبر قاع بحر البلطيق، وأشارت إلى أن العقوبات التي يفرضها الجانب الأميركي على الشركات المشاركة في المشروع يتم فرضها بسبب عزم واشنطن بيع الغاز الأميركي في أوروبا، وأضافت أن سكان أوروبا سيضطرون إلى دفع أموال إضافية لقاء الغاز الأميركي، الذي يعتبر سعره أعلى من الغاز الروسي.

وتتمتع روسيا حالياً بموقف قوي مقابل الاتحاد الأوروبي، خصوصا أنها قادرة على التحكم في إمدادات النفط والغاز إلى الدول الأوروبية، فالاتحاد الأوروبي ثالث أكبر تكتل في العالم مستهلك للطاقة، وروسيا من أهم موردي الطاقة في العالم، وأهم مصدر للغاز والنفط للاتحاد الأوروبي، ومن خلال السيل الشمالي1، الذي تم إنجازه عام 2011، والسيل الشمالي 2، من المفترض أن ينتهي هذا العام، ستعزز موسكو موقفها كدولة مصدرة أساسية للطاقة، حيث أكثر من 40 بالمئة من الغاز و29 بالمئة من النفط الذي تستورده أوروبا يأتي من روسيا، ولا يوجد لدى الاتحاد الأوروبي حتى اليوم، بديل حقيقي للطاقة الروسية، وتجيد موسكو جيداً استخدام الطاقة كورقة ضغط سياسي، ورأينا ذلك خلال أحد فصول الأزمة الأوكرانية.

كما أن طريقة تعامل كل من موسكو وبروكسل مع الملفات الدولية تعكس ميل ميزان القوى لصالح روسيا، وأنها أكثر فعالية، فروسيا لا تتردد في إرسال قواتها العسكرية إلى أي بقعة عندما تشعر أن مصالحها مهددة، كما حدث في سوريا، وفي ليبيا عندما أرسلت مجموعات فاغنر، بينما لا يزال الأوروبيون يبحثون في تشكيل قوات مشتركة، وسياسة دفاعية موحدة.

وتحتاج روسيا الاتحاد الأوروبي لتطوير الاقتصاد وتنويع مصادره، والابتعاد عن الاعتماد على الطاقة فقط، فهي بحاجة لتكنولوجيا الغرب لتطوير شركاتها، وإنجاح مشاريعها الاقتصادية الضخمة مثل السيل الشمالي، وهي تحتاج أوروبا في ظل ضغوط أميركية مع وصول إدارة جديدة إلى البيت الأبيض أعلنت أنها لن تتسامح مع موسكو.

وللاتحاد الأوروبي مصلحة ولو بالحد الأدنى في علاقات جيدة مع روسيا، فهي بلد مجاور للتكتل الأوروبي، وأي خلافات في مواقف دول حدودية مع روسيا يمكن أن تؤثر على الاستقرار في كامل الاتحاد كما حصل في أزمة أوكرانيا عام 2014، ولتطويق النفوذ الصيني لابد من دور روسي.

يبقى القول، إن إصلاح العلاقات بين موسكو وبروكسل رغبة متبادلة ولكن هناك حالة من عدم الثقة في الكرملين، فهو لا يتردد في استخدام القوة العسكرية عندما تتطلب مصالحه، حتى لو تجاوز الأعراف السائدة، وبالمقابل موسكو غير مستعدة للتنازل عن استقلاليتها وقرارات تعتبرها سيادية.

المصدر تلفزيون سوريا


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا