هل وقع بوتين في الفخ الأوكراني؟

هل وقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في فخ أوكرانيا كما وقع رئيس الاتحاد السوفيتي ليونيد بريجنيف في فخ أفغانستان قبل أكثر من 40 عاما، والذي كان أحد أهم أسباب انهيار حلف وارسو والاتحاد السوفيتي؟

لقد غزا الاتحاد السوفيتي أفغانستان عام 1979، على نية أنها حرب خاطفة يتم خلاله تثبيت الحكم الموالي لهم هناك، لكنه لم يخرج منها قبل 10 سنوات، خاض خلاله الجيش السوفيتي معارك طاحنة قتل فيها 15 ألف جندي، على يد مجموعات المجاهدين المدعومين من الغرب، واضطر الروس للانسحاب دون أي انتصار، بل أسهم ذلك في تفكك الاتحاد السوفيتي، وانهياره في العامين التاليين.

كما يشير التاريخ إلى أن كل الغزوات والحروب الكبيرة لم تحسم في أيام وشهور قليلة، بل تمتد غالبا لسنوات، كما الحروب الأميركية في فيتنام وأفغانستان والعراق، وحرب روسيا نفسها في الشيشان التي بدأت عام 1994 حين قال الكرملين إنه سينهي التمرد في 48 ساعة، لكنه استغرق أكثر من شهر للسيطرة على العاصمة غروزني، واستمر الصراع بعد ذلك عامين وأعقبه صراع آخر، استمر لفترة أطول ولم ينته حتى عام 1999، بعد تدمير غروزني وتدمير الشيشان بأكمله. وطبعا لا يمكن المقارنة بين الشيشان الدولة الوليدة الصغيرة ذات الغالبية المسلمة والبعيدة عن حدود أوروبا، وأوكرانيا الدولة المسيحية الكبيرة المحاذية لأوروبا.

كما أن التدخل الروسي في سوريا يتواصل منذ 7 سنوات، وهو تدخل ظل قليل التكلفة لروسيا لأنه حظي كما يبدو بمباركة ضمنية أميركية وغربية، حيث لم يقدم الغرب أي دعم حقيقي للمعارضة السورية، كما يفعل اليوم مع أوكرانيا، تحت ذرائع شتى، مثل عدم توحد هذه المعارضة، أو الخشية من وقوع الأسلحة المقدمة بيد تنظيمات متطرفة.

صحيح أنه من المبكر الحكم على المغامرة الروسية الخطرة في أوكرانيا، لكن ثمة معطيات عدة تشير إلى أن بوتين دخل في نفق سيكون صعبا أن يخرج منها سالما، هو شخصيا، وروسيا كلها. وبعد أقل من أسبوع على الغزو، يقول الجيش الأوكراني إنه قتل أكثر من 5000 جندي روسي وأسقط عشرات الطائرات الحربية والمروحية بفضل الأسلحة الحديثة التي وصلته من كثير من الدول الغربية، وفي مقدمتها صواريخ “ستنغر” المطورة التي كانت تشكل رعباً للطائرات الروسية في أفغانستان، إضافة إلى صواريخ جافلين المضادة للدبابات. ومع تعثر القوات الروسية في تحقيق تقدم هام على الصعيد العسكري، من المرجح أن تزيد موسكو من جرعة العنف والسلاح التدميري المرعب الذي بحوزتها مثل القنابل الفراغية أو الصواريخ الحرارية، واللجوء لسياسة “الأرض المحروقة” التي اتبعتها في الشيشان وسوريا، وهو ما سوف يؤلب عليها الرأي العام العالمي لأن سقوط آلاف القتلى بين المدنيين في أوكرانيا، من الصعب أن يمر مرور الكرام، كما حصل في سوريا، لا من جانب الغرب، ولا من جانب السكان الروس أنفسهم الذي يعتبرون الأوكرانيين أشقاءهم، بينما لا يعنيهم كثيرا مصير السوريين.

كما أن الغرب الذي لا يريد التدخل العسكري المباشر في الحرب عبر إرسال جنود الناتو إلى أوكرانيا، خشية وقوع تصادم نووي مع روسيا، شجع قرار الرئيس الأوكراني تشكيل “فيلق دولي” للدفاع عن كييف، أي فتح جبهة واسعة للمسلحين والمرتزقة للقدوم إلى أوكرانيا ومحاربة الروس بدعم غربي، تماما كما حصل في أفغانستان.

وعلى الصعيد السياسي والاستراتيجي، ستوجه هذه الحرب ضربة ربما قاضية للعلاقات الروسية الأوروبية، وستعيد إحياء استراتيجية الرعب والخوف الأوروبي من روسيا، ونسف استراتيجية دبلوماسية الغاز التي كانت تسعى موسكو خلالها إلى الهيمنة على أوروبا بما يضر المصالح الأميركية، إضافة إلى إشغال موسكو بمحيطها بما يحد من تمددها الخارجي والذي بات يقلق الاستراتيجية الأميركية التي تسعى إلى التفرغ لمواجهة النفوذ العالمي للصين.

وإضافة إلى ذلك، هناك التعاطف الدولي الواسع مع المدنيين الأوكرانيين والتغطية الإعلامية الغربية المكثفة لذلك وإظهار روسيا في صورة الدولة النازية التي تسعى لالتهام دولة ديمقراطية في أوروبا، وهو ما سوف يزيد من عزلة روسيا واستنزافها سياسيا وأخلاقيا.

وبالتوازي مع هذه المصاعب، فإن العقوبات الاقتصادية الضخمة التي فرضها الغرب، بما في ذلك تعليق خط أنابيب الغاز، سيكون لها آثار مدمرة على الاقتصاد الروسي، ومعيشة المواطنين الروس، وهو ما يراهن الغرب أنه سيثير المزيد من الاحتجاجات الداخلية المناهضة لحكم بوتين، والتي بدأت بالفعل في الظهور في أكثر من مدينة روسية، ما حدا بالسلطات إلى إصدار تعليمات مشددة تهدد من يخرج للتظاهر ضد العملية العسكرية في أوكرانيا بالسجن لمدة 20 عاماً، وبالتالي فإن طول المدى الزمني للحرب في أوكرانيا، وظهور تداعيات سلبية للعقوبات الاقتصادية، سوف يهدد ولا شك تماسك الجبهة الداخلية الروسية.

والخلاصة، إن الوقت لا يزال مبكراً للتأكد من فرضية أن بوتين استدرج إلى الفخ الأوكراني كما استدرج من قبل صدام حسين إلى فخ غزو الكويت، عبر كمين استراتيجي نصبه له الغرب بهدف استنزاف روسيا دون الدخول في حرب مباشرة معها، لكن من الثابت أنه منذ بداية الصراع بين روسيا وأوكرانيا عام 2004، ظلت سياسة موسكو تقود إلى نتائج عكسية. وبدل استعادة الهيمنة على أوكرانيا، دفعتها للارتماء أكثر في أحضان الغرب. والثابت أيضا، أن هذه الحرب سوف تغير إلى حد بعيد الهندسة السياسية والأمنية في أوروبا، وستكون نقطة تحول في السياسة الدولية المعاصرة.

المصدر syria.tv


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا