هل ينام السوريون أربع سنوات؟

كأنما هناك جبهة من الساسة والخبراء الأمريكيين تتطوع “على الأقل” بإسداء النصائح لبايدن في الشأن السوري، العنوان العريض هو فشل إدارتي أوباما وترامب في إدارته، وهذا يلاقي آراء كثر من المتابعين في العالم، لكنه يُفترض أن يلاقي أولاً توجهات سيد البيت الأبيض. أصحاب البضاعة الجديدة، من أمثال روبرت فورد وهراير باليان وجيفري فيلتمان، لا يقدّمون ضمانة لنجاح طروحاتهم، هم ينطلقون من حوالى عقد ضائع في سياسة أمريكية فاشلة، وبناء عليه لا خسارة في القول: لنجرّبْ ونرَ.

الشأن السوري كما نعلم غير موجود في أولويات إدارة بايدن، ولم تعين “وقد لا تعين في المدى المنظور” مبعوثاً خاصاً بسوريا، في دلالة على عدم إبداء اهتمام خاص وأيضاً على عدم وجود سياسة خاصة ناضجة. في المقابل، يظهر الملف الإيراني مستعجلاً مع تكثيف طهران خطواتها التي تقرّبها من امتلاك سلاح نووي، أما العلاقة مع موسكو فهي بطبيعة الحال ضمن مشاغل أية إدارة؛ سلباً أو إيجاباً أو الاثنين معاً.

ينطلق ناصحو بايدن في الشأن السوري من واقع عدم امتلاك واشنطن سلاحاً مؤثراً سوى العقوبات، وهي مستخدمة الآن بمثابة عصا، بينما يجب استخدامها على نحو إيجابي كجزرة. أي أن على الإدارة الأمريكية التوجه إلى بشار ومقايضته، وكل “تنازل” من قبله “كوقف إطلاق النار وإطلاق سراح معتقلين وبعض الإصلاحات السياسية” يُقابل بإزالة عقوبات. لا حديث عن محاسبة الأسد على جرائمه، إذ مرة أخرى باسم الواقعية السياسية لا تملك واشنطن أمر محاسبته بينما لا تملك نفوذاً عليه أسوة بموسكو وطهران.

كما نرى، تبني الواقعية السياسية المذكورة على الأخطاء السابقة لإدارتي أوباما وترامب، لسان حالها “ما حدث قد حدث” ولا تستطيع إدارة بايدن استدراك تلك الأخطاء. تالياً، أي نهج تجربه الإدارة الحالية، مع التشديد مع قبل الناصحين به “ومن قبلنا أيضاً” على أنه غير مضمون النتائج، بل من المستبعد تجاوب بشار معه، ستأتي إدارة مقبلة لتبني عليه أيضاً. إننا نتجاوز النظر إلى السوريين كفأر تجارب، لنصل إلى فهم غريب للواقعية السياسية بوصفها تراكماً لأخطاء التجريب الأمريكية، تحديداً في الجزء من السياسات الخارجية الذي لا يعتبر مؤثراً في الأمن القومي.

التنبؤ بفشل الطروحات الحالية لا يحتاج نباهة خاصة، ويُفترض بمن تولوا مناصب لصيقة بشؤون المنطقة مثل فورد وفيلتمان، أو مثل هراير باليان الذي يملك خبرة من عمله في برنامج تسوية النزاعات في مركز كارتر، أن يروا احتمالات الفشل قبل النجاح. لدينا أولاً نماذج عن عدم تأثير العقوبات الاقتصادية فيما خص تغيير سلوك الأنظمة، إيران وروسيا وكوريا الجنوبية وإلى وقت قريب كوبا والعراق، هذه كلها تدلل على سطحية التعويل على العقوبات كسلاح وحيد. بشار، الذي رفض تقديم أدنى تنازل عندما شارف على السقوط عسكرياً، لن يقدم التنازلات نفسها وقد نجا، إذا كان يملك حقاً اتخاذ قرار على هذا المستوى.

لن يكون بايدن استئنافاً لأوباما حتى إذا رغب في ذلك، ففي مفاوضات النووي لن تكون سوريا جائزة لطهران فوق الطاولة أو تحتها. لقد أعطاها أوباما الجائزة أثناء المفاوضات الأولى، وانتشرت الميليشيات الشيعية في عرض البلاد وطولها من دون نجاح نهائي، لتاتي موسكو بقواتها وتتقاسم معها النجاح في استعادة السيطرة على ثلثي البلاد. ليست واشنطن اليوم في موقع من يوزع حصص النفوذ بين موسكو وطهران في سوريا، وتراجعها عن مطلب ترامب بانسحاب إيران من سوريا لن يحدث فرقاً في الواقع.

الجائزة قد تُعطى لطهران في لبنان، بإنقاذه من الأزمات الحالية مع الاعتراف بهيمنة حزب الله وهيمنتها من خلفه، ومن خلالها يسترجع الأسد نافذته للالتفاف على العقوبات، ما يعزز عدم تجاوبه مع عروض أمريكية بتخفيف العقوبات عنه لقاء تنازلات غير أساسية. إلا أن التحايل على العقوبات لن يحل الأزمة الاقتصادية لبشار، لأنها أزمة بنيوية لاقتصاد منهار ومدمر، والأهم أنه محروم من جزء كبير من المصادر الطبيعية مثل النفط والمزروعات والمياه، إذا بقيت خريطة السيطرة الحالية التي يحظى فيها بثلثي الأراضي مقابل ثلث الثروات تقريباً.

لا يبدو مطروحاً للنقاش حتى الآن الوجود العسكري الأمريكي في سوريا، وما يستتبعه من بقاء القوات التركية، وهنا ورقة الضغط التي تمسك بها واشنطن في انتظار تسوية نهائية للقضية السورية. الانسحاب لم يكن مطروحاً على أجندة الجمهوريين، باستثناء ترامب، وكتلة كبيرة من الديموقراطيين لا تؤيده، بل هناك كتلة منهم ترغب في تقديم دعم أقوى لقسد. حتى السماح لقسد بالتجارة مع الأسد قد يخفف من الخناق على مناطق سيطرته، بتوفير النفط والحبوب مثلاً، إلا أن العائد المالي سيكون لمصلحة قسد وتعزيز سيطرتها على المنطقة، ما يرسخ القسمة القائمة.

كان وزير خارجية بايدن قد أثار بعض الآمال بحديثه عن خطأ أوباما عندما لم يعاقب الأسد على استخدامه السلاح الكيماوي، لكن تلك الإشارة العابرة لا تنطوي حتماً على توجه الوزير شخصياً تجاه الشأن السوري بقدر ما يراه إساءة إلى بلاده كقوة عظمى تضع خطاً أحمر ثم تتجاهل الدوس عليه. مع إضافة نواب وموظفين كبار إلى جانب الوزير، مثل ويندي شيرمان وروبرت مالي وبريت ماكغورك، تتبدد شبهة الأمل بالوزير نفسه، خاصة إذا كان الرئيس أقرب إلى تصورات أولئك الموظفين.

وجود هذا الطاقم هو ما يشجع فورد وفيلتمان وغيرهما على طرح مقاربات غير جذرية أصلاً، ومع رؤية حظوظها الهزيلة من النجاح تكون جدواها في مكان آخر تماماً؛ هي في تنحية مبدأ المحاسبة نهائياً وتمهيد الطريق للتطبيع مع الجريمة الأسدية. أفضل تحقق لما يريده هؤلاء لا يعني سوى السير في عملية بطيئة جداً، عملية لا تكفي ولاية بايدن للانتهاء من صعوبتها ومماطلة الطرف الآخر فيها. ربما، على السوريين النوم لأربع سنوات مقبلة، قبل التساؤل عن جديد أمريكي.

المصدر المدن


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا