وهن نفسية الليرة السورية

يُحكى في أوساط السوريين، من قبيل النكتة، أن شكايات الناس تعالت جراء سقوط وتأذي الأولاد والمارين ليلاً، بحفرة كبيرة خلفها مشروع بدمشق، فلبت الحكومة استغاثات الشعب، وبنت لهم مشفى قرب الحفرة.

كهذه المعالجة، أو ربما أخطر، تعاطى رئيس النظام السوري بشار الأسد، مع أزمة الليرة وتهاوي سعرها إلى نحو 1200 ليرة للدولار الواحد، لتخسر 1400% من قيمتها خلال الثورة التي انطلقت عام 2011، وقت لم يزد سعر الدولار عن 50 ليرة.

فبدل أن يبحث بشار الأسد بأسباب تهاوي سعر الصرف وعقابيله، من تفقير وتسول على السوريين، ويبحث بطرائق تبعد السوريين، حتى الأكل من حاويات القمامة، كما تنشر وسائل الإعلام، بعد أن التهبت الأسعار وزادت تكاليف المعيشة عشرة أضعاف عن الراتب المثبت عند 50 ألف ليرة. منع التعبير عن ألم الساقطين بالحفرة.. وليته بنى مشفى.

إذ أصدر سيادته يوم السبت مرسوماً تشريعياً “المرسوم 3 لعام 2020” بتشديد عقوبة كل من يتعامل بغير الليرة السورية، كوسيلة للمدفوعات أو لأي نوع من أنواع التداول التجاري أو التسديدات النقدية وسواء أكان ذلك بالقطع الأجنبي أم المعادن الثمينة.

وليردع الأسد حائزي الدولار والمتعاملين به، رفع العقوبة لتصل إلى الحبس مع الأعمال الشاقة لسبع سنوات وغرامة مالية بما يعادل مثلي قيمة المدفوعات أو المبلغ المتعامل به أو المسدد أو الخدمات أو السلع المعروضة.

ربما يقول قائل، إن هذا الإجراء على تعسفه وخطورته ببلد يدعي الانفتاح وتحرير الاقتصاد ويدعو الاستثمارات، هو من حق دولة تعيش حرباً وتعاني من الإفلاس، وليس أمام سياستها الحكيمة، إلا أن تقتدي بكوريا الشمالية بالتعاطي الاقتصادي، لطالما تسير على نهجها السياسي وتأليه القائد الملهم.

لكن كيف يرد ذاك القائل، إن علم أن “كيم جونغ أون سورية” ألحق مرسومه السابق بلاحق “المرسوم 4 لعام 2020” يقضي بالسجن حتى ثلاث سنوات وغرامة حتى 5 ملايين ليرة، لكل من أذاع أو نشر أو أعاد نشر وقائع ملفقة أو مزاعم كاذبة أو وهمية في إحدى الوسائل الإعلانية، من كلام وكتابة ورسوم وصور وأفلام وشارات وتصاوير، أو حتى نشر عن طريق شبكة الإنترنت أخبار تدني سعر الليرة أو عدم الاستقرار في أوراق النقد الوطنية أو أسعار صرفها المحددة بالنشرات الرسمية.

ولأن كل ما يقوله أو يفعله بشار الأسد، هو حكمة وعطاء وخارطة طريق، سارعت حكومة عماد خميس فوراً لعقد اجتماع، معلنة “أن الحكومة جادة بكل ما تعني الكلمة للضرب بيد قوية لكل من تسول له نفسه التلاعب بالليرة السورية، ولن نتساهل مع أحد”.

نهاية القول: بعيداً عن البحث عن أجوبة لأسئلة عبثية، ستطرح اليوم بسورية، من قبيل ما هو سعر صرف الدولار اليوم، هل 435 ليرة وفق السعر الرسمي المثبت منذ سنوات، أم 1200 ليرة وفق ما كان بالسوق قبل أن يصدر سيادته المراسيم.

ووفق أي سعر يمكن أن يتم تسعير المنتجات، أو حتى الإجابة على سؤال من سيبقى بسورية الأسد من التجار والمستثمرين الذين يبرمون عقودهم وصفقاتهم بالدولار، والمصرف المركزي توقف عن تمويلهم، ويمنع عليهم شراءه بالسعر الرائج من السوق، أو ربما يحرّم عليهم الكلام بالدولار؟!

بعيداً عن هاتيك المساخر التي ستتجلى غداً، جاء بالمرسوم الرئاسي حرفياً، يسجن ثلاث سنوات ويغرّم بخمسة ملايين، كل من يسعى “لزعزعة الثقة بمتانة نقد الدولة وسنداتها وجميع الأسناد ذات العلاقة بالثقة المالية العامة” مع الأسف، من دون أن يوضح معاني الثقة والمتانة بعملة فقدت جميع مقومات بقائها على قيد التداول، بعد تبديد الاحتياطي النقدي كاملاً وبلوغ الصادرات والسياحة الحدود الصفرية وعرج الميزان التجاري لدرجة “الكرسحة”.

بيد أنه لا غرابة بالمرسومين، لمن يعرف كيف تدار سورية، لأنهما ببساطة، امتداد لسياسة الأسد الأب الذي ورّث ابنه الحكم منذ عشرين عاماً، فحافظ الأسد ومن بعده بشار، يسجنان السوريين من دون محاكمة، ولمدة غير معلومة، بتهمة اسمها “وهن نفسية الأمة”.

فإن كتب سوري على “فيسبوك” أن الدولار وصل إلى أكثر من ألف ليرة، فالسجن والغرامة مصيره، أما إن قارب عبر أثر الانتفاضة بلبنان على سعر الصرف، ففي ذلك جريمة مزدوجة، شطرها الأول نشر أنباء كاذبة من شأنها وهن نفسية الليرة، والثاني تعكير صلات الدولة بدولة أجنبية، فاحترسوا يا أيها السوريون.

المصدر العربي الجديد


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا