يتامى الأسد في حلب

اليوم فقط، وبينما تلوح معالم عملية عسكرية تركية جديدة، قد تجعل فصائل المعارضة المسلحة، أقرب إلى مدينة حلب، يتذكر رأس النظام السوري، بشار الأسد، “عاصمة الصناعة”، التي تعمّد تجاهلها لأكثر من خمس سنوات، منذ استعادة “سيطرته” الكاملة عليها.

وتؤشر “الإنجازات” التي حققها النظام، وتطلبت حضور أعلى هرم “الدولة”، إلى مدى الإهمال الذي كان تعانيه المدينة. فالأسد شَهِد إطلاق عمل مجموعة واحدة فقط، من خمس مجموعات توليد في محطة حلب الحرارية، تولّد 200 ميغاوات، في محطة كانت تولّد سابقاً، 1025 ميغاوات. وتطلب ذلك سنة ونصف السنة من العمل، من جانب شركة إيرانية.

وتشكّل الكمية التي احتفى النظام بتوليدها، نحو 5% من احتياجات البلاد غير المتوفرة، من الكهرباء. وفيما تقول “دعاية النظام” إن هذه الكمية ستُخصص لـ حلب، وحدها، يقول مطلعون، منهم فارس الشهابي، الصناعي الموالي للنظام، ورئيس غرفة صناعة المدينة، إنهم وُعدوا بـ 50 ميغاواط فقط. وإن صَدَق الأسد، ومنح الـ 200 ميغاواط للمدينة، فهو سيضاعف الكمية التي تحصل عليها الآن، ويرفع مجمل ما تحصل عليه من التغذية الكهربائية إلى أقل من نصف حاجتها الفعلية. لكن، إن صَدَق الشهابي، فهذا يعني أن المدينة ستحصل على 250 ميغاواط من أصل 900 ميغاواط هي حاجتها من الكهرباء.

حلب، التي تعج بالمنشآت الصناعية المهجورة والمدمرة، أو التي تعمل بنصف طاقتها بسبب شح الوقود وغلاء ثمنه، نالها بالفعل، كما قال الأسد، “تخريب” أكبر من غيرها من المحافظات. وإن أرجعه الأسد ل”الإرهاب”، وأرجعته المعارضة، للقصف “الأسدي والروسي” الذي دمّر المدينة وشطراً واسعاً من ريفها، يبقى أن التفسيرين لم يمنحاها الأثر المطلوب كي تحظى بـ “عناية” الأسد الذي يزورها الآن، للمرة الأولى، رغم سيطرة “قواته” على شطرها الشرقي، منذ نهاية العام 2016.

في ذاك العام ذاته، أجرى البنك الدولي تقييماً مبدئياً للأضرار التي لحقت بست مدنٍ سورية جراء الحرب، جاء فيه أن حلب نالها ما نسبته 40% من الدمار. ومنذ ذلك التاريخ، لم يتغير الكثير في “عصب الاقتصاد السوري” السابق. فقد أشار تقرير لـ “مجموعة الأزمات الدولية”، صدر قبل شهرين، إلى أن نظام الأسد فشل في إدارة المدينة. التقرير حمل عنواناً لافتاً –إدارة دمار حلب-، موضحاً أن الأسد أوكل تلك “الإدارة” لميليشيات “الدفاع الوطني”، المعروفة محلياً بـ “الشبيحة”. فيما تشير تقارير محلية إلى أن من عاد من الصناعيين الحلبيين إلى مدينته، بعيد سيطرة النظام قبل خمس سنوات، وعَمِل على إعادة تأهيل منشآته، دفع الثمن باهظاً، إذ تعرّض للاستنزاف بكثافة من جانب الدوائر الضريبية التابعة لحكومة النظام، التي لم تقدم، بالمقابل، أية خدمات أو دعم للناهضين بالصناعة المُدمّرة، مما أدى إلى موجة هجرة واسعة للصناعيين من المدينة، نهاية صيف العام الفائت.

ومن بين أقوى الميليشيات التي أوكل لها الأسد، إدارة حلب، تلك التابعة للفرقة الرابعة بقيادة شقيقه ماهر الأسد، التي أوغلت في استيفاء الإتاوات من الصناعيين على الحواجز، بصورة دفعت فارس الشهابي للشكوى من ذلك، بصورة شبه مباشرة، عبر برنامجٍ على الإخبارية السورية، في تشرين الأول/أكتوبر الفائت.

وكي لا نظلم الرجل، لا نعرف إن كان –بشار الأسد- يملك القدرة بالفعل على تغيير واقع المدينة. فنفوذ شقيقه هناك يحظى بإسنادٍ إيراني. فكل شيء في حلب، بات إيرانياً، تقريباً، حتى تلك المحطة الكهربائية التي شَهِد الأسد إعادة تأهيل جانبٍ منها. لكن ذلك يستثني البضائع في الأسواق، التي يغلب عليها المصدر التُركي. وإن كانت إيران تعمل جاهدة على إحلال طبقة تجار جديدة في المدينة، قد تكون أكثر ولاءً لها، بصورة قد تتيح للبضائع الإيرانية هامشاً من المنافسة مع نظيرتها التركية. أما عن البضائع السورية في “عاصمة الصناعة” في البلاد، فكانت ضحية جانبية لطهران، والميليشيات الموالية والمقرّبة منها، والتي لعبت دوراً بارزاً في تعقيد ظروف عودة الحياة للصناعة في حلب. فتلك الميليشيات تدير معابر التهريب على خطوطة التماس مع المناطق الخاضعة للنفوذ التركي، ومن هناك تنسلل بضائع الخصم التركي. حتى أن طهران ذاتها لا تستطيع سدّ تلك المعابر، نظراً لما تتمتع به البضائع التركية من شعبية في السوق السورية، مقارنة بنظيرتها الإيرانية، التي تعاني من سوء سمعة مزمن. لكن نستطيع القول، أن إيران ساهمت في إحباط مساعي الصناعيين الحلبيين بالنهوض بصناعتهم مجدداً، بعد العام 2016، وقررت تحويل حلب إلى مدينة تجارية، خلافاً لتاريخها الاقتصادي المديد. ربما على أمل أن تصبح ظروف المنافسة مع البضاعة التركية أفضل، في المستقبل القريب، مع تزايد النفوذ الإيراني في مختلف قطاعات المدينة، التي خصّتها طهران بقنصليّةٍ قبل نحو عام.

وبالعودة إلى بشار الأسد، الذي أدى صلاة العيد في مسجدٍ بالمدينة، بالتزامن مع تأدية وزير الدفاع التركي صلاة العيد في ريف حلب القريب منه، فهو لا يعنيه من زيارة حلب، البعد الاقتصادي، بقدر ما تعنيه “السياسة”، وخطر تعزيز كانتون المعارضة المدعوم تركياً. أما عن الـ 200 ميغاواط من الكهرباء التي وعد الحلبيين بها، فتبقى وعوداً شبيهة بتلك التي أطلقها مسؤولو النظام في عيد الفطر السابق، حول انفراجة بأزمة المحروقات، لم يرها السوريون، حتى بعد قدوم العيد التالي، وحتى بعد وصول ملايين من براميل النفط الإيراني إلى سواحلهم.

المصدر المدن


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا