يوميات سكان دمشق بين “التقنين” و رغيف الخبز

يغادر الحاج راتب، وهو ستينيُ ورب أسرة من خمسة افراد منزله عند الخامسة كل صباح، متوجهاً للمخبز القريب من بيته في دمشق، لينتظر كما يقول “حسب الازدحام بين ٢ و٤ ساعات”، قبل حصوله على “٣ ربطات خبز”، ليعود لاحقاً إلى بيته.

حاله كحال كثيرٍ من سكان دمشق، الذين يعيشون أزماتٍ متعددة ومتزامنة، تبدأ بالخبز، أبسط ضروريات الحياة، ولا تنتهي عند المحروقات الضرورية خاصة في الشتاء، وارتفاع الأسعار الكبير، الذي لا يتناسب مع الدخل المحدود لمعظم السكان.

وينسحب ذات المشهد في كامل مناطق سيطرة النظام، حيث تعددت مشاهد طوابير السكان، من الأفران لتأمين ربطة واحدة، ثم ينتقلون إلى طوابير محطات الوقود لتعبئة سياراتهم بالبنزين،  ليعودوا إلى منازلهم المظلمة المُفتقدة للكهرباء إلا لبضع ساعات، وأحياناً أقل من ذلك.

تلك المَشاهد أصبحت حالة عامة لدى السواد الأعظم في مناطق سيطرة النظام، حين أصبح تأمين ربطة الخبز والكهرباء والمحروقات للتدفئة الشغل الشاغل لمعظم المواطنين، في حين أصبح فيروس “كورونا” الذي يشغل العالم أجمع على هامش أزمات السوريين. فأيُّ مسافةٍ اجتماعيةٍ على طوابير الخبز وأيُّ كمامات في الأسواق والشوارع؟.

تشاؤم حول أزمة الخبز

في خضم تلك المعاناة، تتحدث ميساء وهي من سكان دمشق، عن وضعها “الاستثنائي” والذي زاد من سوأته تعرض ابنها الكبير (14 عاماً) لكسر في يده حين كان يقف على طابور الخبز في منطقته بحي ركن الدين في دمشق.

وحول الحادثة توضح الأم لموقع “السورية نت”: “منذ الساعة الخامسة صباحاً أيقظتُ ابني للذهاب إلى الفرن، إلا أنه عاد لي بيدٍ مكسورة بسبب الازدحام والتدافع على الفرن، حيث وقع على الأرض ودعس المتدافعون على يده وتم إنقاذه بأعجوبة وسط هذا الزحام”.

وأضافت ميساء، وهي أم لأربعة أطفال، أن الأطباء أخبروها أن ابنها بحاجة لإجراء عملية تركيب صفائح معدنية، بسبب تفاقم الكسر، إلا أنها لم تكن تملك ثمن العملية، خاصة أنها تسكن مع عائلتها ببيت يستأجرونه، في حين لا يكفي راتب زوجها حتى منتصف الشهر، على حد تعبيرها.

إلا أن من أسمتهم “فاعلو خير” تكفلوا بعملية ابنها الذي يرقد حالياً في البيت، ولا يمكنه الذهاب إلى المدرسة ولا إلى عمله في ورشة  الخياطة، كما تقول.

أما أم خالد، سيدة خمسينية من دمشق، تصف أزمة الخبز بأنها من أسوأ الأزمات التي مرّت على السوريين، مشيرة إلى أن أياً من أفراد أسرتها لا يملك الوقت الكافي للوقوف على طوابير الخبز لساعات.

وتقول لـ”السورية نت”: “كان زوجي يذهب إلى الفرن في الساعة السادسة صباحاً، ويحصل على ربطة خبز ثم يذهب للعمل، إلا أنه ومع اشتداد الأزمة أصبح يذهب في نفس الوقت ليجد طوابير من الناس تنتظر دورها على الفرن”، مشيرة إلى أن الكثيرين يذهبون إلى الفرن في الساعة الثانية بعد منتصف الليل ليحصلوا على الربطة في الساعة السابعة صباحاً.

وتضيف أم خالد أن وضعها لا يسمح لها بالوقوف هي أو بناتها على طوابير الخبز، ما اضطرهم لشراء الخبز السياحي بسعر 1500 ليرة سورية، واصفة السعر بالمرتفع جداً، إلا أنه “أرحم” من الوقوف لساعات على الفرن،  خاصة أنها لا ترى أي انفراجة قريبة لأزمة الخبز.

طوابير تنتظر أمام الفرن الآلي في حي الشيخ سعد بدمشق- أكتوبر/ تشرين الأول 2020
طوابير تنتظر أمام الفرن الآلي في حي الشيخ سعد بدمشق- أكتوبر/ تشرين الأول 2020

ويبلغ سعر ربطة الخبز المدعوم في مناطق سيطرة النظام 100 ليرة سورية، إلا أن البعض يشتريها بسعر 700 ليرة من باعة متجولين قرب الأفران، لتفادي الوقوف على الطوابير.

وتعيش مناطق سيطرة النظام أزمة غير مسبوقة على الأفران لعدم توفر الطحين، حيث تتذرع حكومة النظام بالعقوبات الأمريكية والأوروبية كمتسبب وحيد للأزمات المعيشية في سورية، إلا أن محللين اقتصاديين ربطوا أزمة الخبز بإقدام روسيا على إيقاف توريدات القمح إلى حكومة الأسد، منذ أشهر.

الكهرباء.. مشكلة الزمان والمكان

لا يزال تقنين الكهرباء الشغل الشاغل للسوريين في مناطق سيطرة النظام منذ سنوات، وهو أمر لا يمكن الاعتياد عليه كما تقول لجين في حديثها لموقع “السورية نت”، مشيرة إلى أن ضرر ذلك طال لقمة عيشها.

إذ تعمل لجين (32 عاماً) في مجال الحلاقة النسائية، وتأخذ أجراً يومياً لقاء الخدمات التي تقدمها لأحد الصالونات في ضواحي العاصمة دمشق، وتقول: “أصبح المركز الذي أعمل فيه يعتذر من الزبائن بسبب عدم توفر الكهرباء إلا ساعتين في النهار، وبشكل متقطع، وبالتالي لم تعد صاحبة العمل تطلبني إلا مرة كل ثلاثة أو أربعة أيام ما أدى إلى انخفاض دخلي الشهري”.

أحد شوارع دمشق خلال فترة التقنين- يناير/ كانون الثاني 2021

بدورها تشتكي أم خالد أيضاً من انقطاع الكهرباء لساعات طويلة، إذ يعمل التقنين في منزلها وسط دمشق بنظام 4 ساعات تقنين وساعتين عمل، مشيرة إلى أن الأزمة تفاقمت مع حلول فصل الشتاء وعدم توفر المحروقات اللازمة للتدفئة، خاصة المازوت.

وأضافت: “نعاني من البرد كثيراً، خاصة خلال المنخفض الذي مر الشهر الماضي، فلا مازوت لتشغيل صوبيات، ولا كهرباء لتشغيل المدافئ الكهربائية”.

ويعتمد معظم السوريون في مناطق سيطرة النظام على البطاريات لتشغيل إضاءة خافتة فقط، دون قدرتهم على تشغيل الأدوات الكهربائية التي تتطلب طاقة مرتفعة، وسط ارتفاع ملحوظ لأسعار البطاريات في الأسواق، وصل إلى 200 ألف للبطارية الواحدة المتواضعة الاستطاعة، وتصل أسعار الأنواع والاستطاعات الأكبر لنحو ٦٠٠ ألف ليرة سورية، اي حوالي ٢٠٠ دولار بسعر الصرف الحالي.

وترفض حكومة النظام  العمل بنظام “الأمبيرات”، في ظل ارتفاع ساعات التقنين التي يعاني منها المواطنون، وقال وزير الكهرباء غسان الزامل في مؤتمر صحفي، الأسبوع الماضي، “لن يتم تعميم عمل الأمبيرات وسيبقى قطاع الكهرباء قطاعاً حكومياً”، مشيراً إلى أن الأمبيرات “كارثة وعبء” على المواطن.

طابور من السيارات على محطات الوقود في سوريا (انترنت)

على صعيد ليس بعيد، لا تزال أزمة البنزين قائمة في مناطق سيطرة النظام رغم حديث الأخير عن “انفراجة” عقب وصول شحنات من النفط الخام إلى سورية (لم يحدد النظام مصدرها)، الشهر الماضي، إلا أن مصادر محلية من دمشق أكدت استمرار طوابير السيارات على محطات الوقود، إلى جانب تخفيض مخصصات السيارات من البنزين.

ولا تزال عقوبات “قانون قيصر”، التي فرضتها واشنطن على النظام منتصف العام الماضي، شمّاعة يعلق عليها النظام جميع الأزمات التي تعصف بمناطق سيطرته، ويضعها في واجهة الذرائع لرفع أسعار الخبز والوقود وغيرها من مستلزمات الحياة الأساسية.

المصدر السورية نت
قد يعجبك أيضا