2022.. العبور من وإلى الفوضى في الشرق الأوسط

ينتهي العام ٢٠٢١ والشرق الأوسط يغلي بين دول تتفكك في لبنان وسوريا واليمن وليبيا، يقابله فراغ حكومي في العراق، انقلاب في السودان وانكماش اقتصادي من تركيا إلى الخليج فيما إيران تهدد وتتوعد بصواريخها الباليستية.

الصورة الإقليمية نهاية العام ترسم لوحة فوضوية مخيفة يزيد من سوداويتها دخول الاقتصاد العالمي في مرحلة ركود وضبابية في محاولة التأقلم والتعاطي مع سلالة جديدة من وباء كورونا ومضاعفاتها على السفر، أسعار النفط وعجلة الاقتصاد العالمي.

ما يفاقم الصورة الإقليمية في ٢٠٢٢ هو فشل ٢٠٢١ في إحداث اختراقات دبلوماسية في النزاعات وإخماد الساحات المشتعلة من مأرب إلى طرابلس الغرب إلى إدلب وغزة. فالتسويات ما زالت تنتظر قرارات أكبر من تعيين مبعوث أميركي إلى اليمن أو تقارب بين موسكو وواشنطن في سوريا أو فتح قنوات مع السلطة الفلسطينية.

الأزمات الإقليمية لا تتجه نحو حلول قريبة كون اللاعبون الأبرز فيها وأبرزهم إيران رفعوا سعر التسوية. فلا نجيب ميقاتي في لبنان قادر حصد تنازل من إيران ينهي القطيعة الخليجية، ولا هو قادر على بسط سلطة الدولة أو كحد أدنى كهربائها في الطيونة وغيرها. من هنا ينتظر لبنان عاما آخرا من الفوضى محطته الأبرز ستكون الانتخابات النيابية والتي في أحسن الأحوال قد توصل إلى مجلس أكثر مدنية وتوازنا من التشكيلة الحالية التي أوصلت بيروت إلى القعر اقتصاديا وأمنيا وسياسيا.

يصعب توقع اختراقات كبيرة في المنطقة العام المقبل والتشرذم يأكل أبرز ساحاتها من دون وجود لاعب أو قوة عظمى قادرة على فض الخلافات. فانقلاب السودان والفوضى المستمرة بعده تعكس واقع الحال الإقليمي: تفتت بين اللاعبين الخارجيين وغياب استراتيجية للعبور من الفوضى، واستمرار لعبة شد الحبال بين الأطراف الداخليين والخارجيين على حساب أي رؤية مدنية تعزز المصلحة الوطنية.

اليمن وسوريا يقفان أمام حالة استمرار النزاع ولو بوتيرة أقل في دمشق، بعد تمتين بشار الأسد قبضته على معظم البلاد والانفتاح العربي الجزئي على نظامه في ٢٠٢١. هذا لا يضمن عودة سوريا إلى الجامعة العربية العام المقبل إنما يرجحها، فالضغط الغربي وعصا العقوبات حقيقية والخليج ومصر بغنى عن ذلك إلى حين قيام الأسد بتسوية مع الغرب والتي ستتطلب قرارا إيرانيا وتقدما في المفاوضات النووية بين طهران والغرب في فيينا.

تركيا والتي تشهد اقتصاديا تراجعا ملحوظا هي بحاجة أكثر من أي وقت مضى لإعادة مد جسورها مع دول الجوار. فسلالات كورونا تعني استمرار الغيمة السوداء فوق الاقتصاد العالمي، والطائرات من دون طيار والرهان على الحركات الاسلامية غير كاف لإنقاذ رجب طيب إردوغان في انتخاباته المقبلة.

الخليج يواجه تحديا مماثلا. فقيود كورونا ستعني انخفاض في أسعار النفط وصعوبات اقتصادية في بداية العام، ومونديال قطر في ٢٠٢٢ يفترض تعاونا إقليميا غير مسبوق لإنجاحه.

أما أمنيا فالتحدي الإيراني مستمر أمام الخليج والشرق الأدنى والغرب في العام المقبل رغم تضعضع نفوذ طهران كقوة قادرة على الحسم إقليميا. فانتخابات العراق أثبتت حدود نفوذها وفشل الحوثيين بعد عام من الاستيلاء على مأرب وعدم رفع اميركا العقوبات يعكس تراجع إيران الاقتصادي والدفاعي والديبلوماسي. في ٢٠٢٢ ما زالت طهران بحاجة أكبر للعودة للاتفاق النووي أو السعي نحو اتفاق تمهيدي أكثر من تطوير سلاح نووي، إنما في نفس الوقت هي بحاجة أكبر لتطوير استراتيجية إقليمية أذكى غير مرهونة بمغامرات قيس الخزعلي وغيره.

العام ٢٠٢٢ لا يعد بتسويات إقليمية، بل بمحطات تشوبها الفوضى أو في أحسن الحالات تمهد إلى الخروج منها. استراتيجيات الحذر والتعاون بين دول المنطقة ستفرض نفسها لتفادي السيناريوهات الاسوأ واحتواء التهديدات الأمنية.

المصدر الحرة


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا