أمريكا والغارات الإيرانية علي داعش

المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

11/12/2014
شؤون خليجية

أكد مسؤولون في البنتاغون على إغارة مقاتلة إيرانية على مواقع لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق، وقد صدرت تصريحات أخرى تقول بأنها غير متأكدة، بينما جاء الموقف الرسمي الأمريكي على لسان وزير الخارجية الأمريكية جون كيري بقوله: "إن أمريكا ترى في الغارات الإيرانية على تنظيم الدولة الاسلامية عملاً إيجابياً فيما لو وقعت".

وهكذا يصبح واضحاً أن هناك أدواراً إيرانية وسورية في مقاتلة داعش بعد أن كانت أدوات مساعدة في نشأة داعش في العراق ثم في سوريا، فداعش ومنذ تأسيسها في شهر نيسان/ إبريل 2006 بقيادة أبو مصعب الزرقاوي ومن بعده أبو بكر البغدادي، تشكلت من المقاتلين العائدين من أفغانستان وباكستان إلى العراق بعد احتلاله من أمريكا عام 2003، وهؤلاء عبروا الأراضي الإيرانية وقدمت لهم إيران  تسهيلات للوصول إلى العراق ومحاربة الاحتلال الامريكي هناك، أملاً من إيران أن تصبح العراق تحت هيمنتها وحدها، فتأسيس داعش كان في البداية رغبة إيرانية وعربية سنية ترغب بإيجاد قوى معارضة عراقية لمقاومة الاحتلال الأمريكي في العراق، ولكنها وبعد سنوات أصبحت قوة يحسب لها حسابها، ترفض الاقصاء الطائفي وتقاتل ضد المليشيات الطائفية التابعة للسيستاني والمالكي وأشباههما.

إيران تريد أن تظهر بأنها تقاتل القوى التي تصفها بالتكفيريين، بينما هي تقاتل مواطنين دولة يبلغ عددهم اثني عشر مليونا هم سكان دولة الدولة الاسلامية داعش، من مميزات هؤلاء السكان أنهم من العرب العراقيين السنة، وبالتالي فإن محاربة إيران لتنظيم الدولة الإسلامية داعش يختلف كلياً عن محاربة التحالف الدولي الذي تشارك فيه دول غربية وعربية مهمتها مقاتلة نفس التنظيم وقواه العسكرية وموارده التمويلية.

وبعد أكثر من عشر سنوات منذ الاحتلال الأمريكي للعراق، فشلوا في إيصاله إلى حالة من الاستقرار والديمقراطية، ويتبين أن الأهداف المشتركة لإيران وأمريكا في العراق هو ليس في استقرارها ونجاحها، وإنما في إبقائها تحت الهيمنة الإيرانية وحكومات طائفية محكومة من قبل قاسم سليمان قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، فالولايات المتحدة الأمريكية إما أنها كانت مخدوعة بالحكومات الطائفية في العراق، أو أنها كانت شريكة لها ولا تعمل لأي حالة استقرار في المنطقة، وما يرجح الاحتمال الأخير موافقتها أي أمريكا على دخول إيران على خط محاربة تنظيم داعش، فهذا يعني أن لدى أمريكا رغبة جامحة لدخول الجيش الإيراني هذه الحرب المدمرة، وتسعى لمزيد من الاضطراب والاقتتال وعدم الاستقرار في العراق والمنطقة.

وفي مقولات الجنرال حسين سلامي نائب قائد الحرس الثوري الإيراني يوم 5/12/2014 دلائل مباشرة على هذه المخططات العسكرية المشتركة بين إيران وامريكا، فهو يقول بأن حدود إيران في الشرق الأوسط قد تغيرت، وانها تمتد داخل العراق وسوريا ولبنان ومنطقة الحجاز وغيرها، وان التحالف الدولي الذي شكلته امريكا لمحاربة داعش ثبت فشله، وان البديل هو التحالف العسكري الذي تقيمه إيران في المنطقة، فهذه التصريحات الإيرانية على شدتها ضد أمريكا لا ترد عليها أمريكا بما يناسبه من رد، وكانت إيران من قبل قد هددت الوجود العسكري الأمريكي في الخليج، وأنذرته بخروج أسطوله من الخليج وإلا سوف يواجه التدمير دون رد امريكي، وكأنهما متفقان على هذه التصريحات النارية الإيرانية ضد أمريكا، وكأنها تصريحات إعلامية فقط.    

والدلالة الصحيحة من سماح أمريكا للقوات الجوية الإيرانية بضرب قواعد لتنظيم داعش في العراق هو أن الحكومة العراقية برئاسة حيدر العبادي عاجزة عن مواجهة الدولة الإسلامية فيها، وفي نفس الوقت عجزت أمريكا عن إقناع تركيا ودول عربية من إرسال قوات برية إلى مقاتلة تنظيم داعش، وبالتالي فإن الغارات الجوية الإيرانية هي مقدمة لإرسال إيران قوات برية وبأسلحة ثقيلة إلى العراق لمقاتلة الدولة الإسلامية، التي ترى فيها إيران عدوا لدوداً لها، إذا ما أصبحت مشروعاً عربياً إسلامياً سنياً، فإيران تقرأ بأي مشروع سياسي إسلامي سني في العراق وسوريا ولبنان بأنه عدو لها، وسوف يعمل في حال تمكنه عسكريا من طردها من البلاد العربية المذكورة ومن غيرها أيضاً.

ينبغي قراءة الغارات الجوية الإيرانية على داعش في العراق على أنها جس نبض للدولة التركية والدول العربية، لمعرفة ردود افعالها من هذه الغارات الجوية، فإذا ما وافقت هذه الدول أو استطاعت أمريكا من منع معارضتها لهذا التدخل الإيراني العسكري في العراق، فإنها سوف ترسل جيشها الإيراني بصفة رسمية، وقد أعلنت إيران بعد فضح البنتاغون للغارة الإيرانية بقولها: "بأن إرسال معدات عسكرية إلى العراق من إيران يعتبر ضمن الاتفاقيات الدفاعية الموافق عليها دولياً، وأنها لا تخالف القانون الدولي".

إن الحديث عن الحاضنة السنية لتنظيم داعش يقلق إيران، ولا شك بأنه يقلق بدرجة أقل بعض الدول العربية الخليجية، والأخيرة حريصة على ان تكون العراق في حالة توازن قوى بين الطوائف العراقية، لأن أي تفريط في هذا التوازن يؤثر مباشرة على أمن واستقرار دول الخليج، وبالأخص المملكة العربية السعودية، فالوجود الإيراني الآن يكاد يكون محصورا من الناحية العلنية أمام الشعب الإيراني على الأقل، بأنه استشارات عسكرية ودعم عسكري يحمي الدولة الإيرانية وليس العراق فقط، ولكن تحرك جيش بري إيراني على العراق ومقاتلته بصورة علنية على الأرض العراقية ضد داعش في الظاهر، فإنه سوف يحمل معه تهديدات حقيقية للمكونات العراقية الأخرى، لن تستطيع العملية السياسية من تحقيق التوازن من خلاله طالما فقد التوازن العسكري في المناطق السنية وثقلها العسكري في مناطقها الخاصة.

ومن ضرورات تدخل ايران بغارات جوية على داعش في العراق ان ايران تمانع وتمنع حيدر العبادي أن يسلح القبائل العربية العراقية السنية، أي انها لا تزال تضغط على الحكومة العراقية بنفس الطريقة السابقة التي ضغطت فيها على نوري المالكي بان لا يسلح العشائر السنية، لأنها كانت تخطط لهذا التدخل ولكنها تنتظر فشل امريكا في إحداث شيء بغاراتها الجوية، فبعدما أعلنت امريكا مرارا من خلال تصريحات قادة البنتاغون بان العمليات العسكري الجوية لن تحل المشكلة، فإن الخطوة التالية التي تنتظرها إيران ان تدخل بجيشها في العراق من خلال توكيل دولي تدعمه الولايات المتحدة الأمريكية، ولذلك جاءت ردود أمريكا وعلى لسان جون كيري بان أمريكا ترى بهذه الغارة الإيرانية على تنظيم داعش بانها عملاً إيجابياً، وكأن امريكا ترسل لحلفائها في التحالف الدولي إشارة مهمة بأن لا يستنكروا هذه الغارة الجوية الإيرانية على داعش، والمقصود سكوت الأتراك والعرب، لأنهم كانوا ضد تدخل إيران في التحالف الدولي منذ شهر سبتمبر الماضي وقبله، وهذا الموقف التركي والعربي من رفض مشاركة ايران في التحالف الدولي ضد داعش أيده وزير الدفاع السابق تشاك هايغل، وكان المخطط الأمريكي الإيراني في الأشهر الثلاثة الماضية تبرير التدخل الإيراني الجوي ثم البري، طالما ان الدول المذكورة رفضت المشاركة في حرب برية ضد داعش.

ومن مؤشرات التحالف الإيراني الامريكي في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية داعش تصريح خطير لوزير الخارجية الأمريكي يقول فيه: "إن هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية يقتضي القضاء على الأيديولوجيا التي يقوم عليها التنظيم"، والأيديولوجيا التي يقوم عليها هذا التنظيم هي الفكر الإسلامي السني، بغض النظر عن الأوصاف التي تطلق عليه إن كان وهابياً أو تكفيرياً أو سلفياً جهادياً او فكراً إسلامياً سنياً متطرفاً، فهذه في النهاية نعوت يمكن ان تطلقها إيران ومحورها الطائفي على كل الدول والأحزاب والمسلمين السنة، فكل من لا يوافقهم في السياسة يمكن وصفه بتهمة الفكر الأيديولوجي الداعشي، بينما يبقى المسلم المعتدل هو المسلم الشيعي الطائفي الموالي للدولة الإيرانية الطائفية، وهو ما يفسر عدم مهاجمة أمريكا للفصائل والمليشيات الطائفية الشيعية في العراق وسوريا ولبنان واليمن وغيرها.

التقديرات الأمريكية تقول بان تحرير الموصل يحتاج إلى 80 ألف جندي يخوضون حرباً برية ضد داعش في الموصل، فهل لدى امريكا أي ضمانة بأن إرسال 80 ألف جندي إيراني لتحرير الموصل سوف يبقي شيئاً من مدينة الموصل، من سكان او مدنيين او مصانع أو آبار نفط أو مدارس او مستشفيات أو منازل مدنية او غيرها، وإذا سمحت امريكا لإيران القيام بهذه الحرب بحجة محاربة داعش، فأين سوف يهرب أهلها إلا إلى تركيا والأردن، وهو ما سوف يخلق مشاكل لاجئين إضافية لا تقوى هذه الدول على مواجهتها بحجمها الحالي.

إن المحور الذي تسعى أمريكا لتشكيله لمحاربة داعش من إيران والعراق الطائفية وبشار الأسد وحزب الله في لبنان هو محور خطير وطائفي، وأمريكا تدرك خطورة هذا المحور الذي تؤيده وتدعمه، لأنها سوف تفرض على الأطراف الأخرى صناعة محور مقابل من "أهل السنة" ضد الجنون الطائفي الإيراني، وبالتالي فإنها ستكون قد نجحت بطريقة مغايرة لما لم تنجح به منذ أشهر، أي صناعة تحالف سني لمقاتلة التحالف الشيعي، فأمريكا التي لم تنجح عن طريق التحالف السني لمقاتلة التحالف الشيعي فإنها قد تنجح من خلال توريط إيران بالمشاركة العملية بحرب جوية وبرية مع داعش في العراق، بصناعة تحالف شيعي يقاتل السنة، فهل تنجح امريكا في ذلك؟