إيران: حرب نفسية أم إعلان حرب!

المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت
يفك الإيرانيون لغزهم بأفواههم، وبإصرار عجيب وربما مريب أيضا، فلم يعد يمر يوم إلا وتصدر عن المسؤولين والقادة الإيرانيين تصريحات تدفع المتردد إلى التصديق الكامل على وصف الدور الإيراني في المنطقة العربية، بالاحتلال الإيراني أو الصفوي أو الفارسي، وإذ لا يزال العرب في وضع الدهشة مما قاله نائب الرئيس الإيراني السابق محمد علي أبطحي بأنه لولا مساعدة إيران ما تمكنت أمريكا من احتلال العراق وأفغانستان – بما مثل اعترافا يسحب المشروعية عن شعارات العداء لها وقد وصل حد معايرة أمريكا - فيأبى القادة الإيرانيون إلا أن يكشفوا أوراقا بين فترة وأخرى وفي ذات الاتجاه أيضا، وعلى نحو يسود الصفحة أكثر فأكثر.
لقد زاد الأمر عن حده، في الأيام الأخيرة، إذ خرج علي شامخاني أمين مجلس الأمن القومي الإيراني، ليقول: إن إيران هي من أوقفت سقوط دمشق وبغداد وأن وجودها الآن صار هناك عند شاطئ البحر المتوسط وفي مضيق باب المندب، كما خرج مستشار الأمن القومي للرئيس الإيراني، ليقول إن إيران أصبحت اليوم إمبراطورية، كما كانت عبر التاريخ، وأن عاصمتها حاليا هي بغداد، التي وصفها بأنها "مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم، كما في الماضي".
وهكذا أخرج المسؤول الإيراني الأول لسانه للعرب وأمنهم القومي، وتحدث بلغة المحتل المهيمن على دول الجناح الشرقي للمنطقة العربية، وبلغة صاحب القوة والقدرة العسكرية التي تتخطى حدود سيادة الدول الأخرى وتصل حد الغطرسة والتهديد بالحرب أيضا، هو تحدث بلغة التدخل العسكري المباشر في أربع من الدول العربية، وعن دور إيران الحاسم في قلب أحداثها، وبتحقيق انتصارات على الشعوب وثوراتها، وبمساندة المستبدين ولو قتلوا مئات الآلاف، وهو أرسل رسالة احتلال للدول والسيطرة على عواصمها، والمواجهة مع شعوبها.
أما المسؤول الثاني، فقد أرسل رسائل أشد خطرا، في ذات الأسبوع أيضا، فهو تحدث بلغة الصراع الحضاري والتاريخي بإشارته إلى عودة الإمبراطورية الفارسية الساسانية التي انتهت حقبتها خلال صراعها مع المسلمين في فجر الإسلام وكانت نقطة الصدام هي العراق.. وهو تحدث بلغة الفرس الاستعلائية في صراعهم مع العرب، وأرسل رسالة مثل تلك التي أرسلها القائد الغربي، حين احتلت سوريا، حيث قال: ها قد عدنا يا صلاح الدين، هو تحدث عن الاستيلاء والاحتلال الحضاري حين تحدث عن أن عاصمة الخلافة باتت تحت السيطرة وحين جعل منها عاصمة وهوية للفرس، وحين تحدث عن أن "جغرافية إيران والعراق غير قابلة للتجزئة وثقافتنا غير قابلة للتفكيك"، وقد وصل الرجل حدا من الشعور بالقدرة والهيمنة لم يأت به أحد من قبله حيث قال: إن منطقة الشرق الأوسط إيرانية، وأن إيران في معركة مواجهة مع ما سماه التطرف الإسلامي والتكفير والإلحاد والعثمانيين الجدد وأضاف إليها الأكليشيه القديم "الوهابيون والغرب والصهيونية"!
فما الذي يدفع إيران لتلك النقلة في العداء والصراع، وما الذي يجعلها تباهي بكونها قوة احتلال حضاري وعسكري؟ هل هو إعلان حرب شاملة من قوة تطورت قدراتها فباتت لا تخشى أحدا، أم أنها تسعى الآن عبر المعارك والتصريحات – كما سعت إسرائيل - لإظهار نفسها بمظهر القوة التي لا تقهر، لتحقيق الردع وإيقاع الهزيمة النفسية بالأغيار العرب؟
يبدو الأمر بين هذا وذاك، فإيران قد قويت مرتين، مرة بنمو قدراتها الذاتية ومرة بضعف العرب، ولذا تشعر بأن الطريق بات مفتوحا لتشكيل إمبراطورية قوية – أتت التصريحات لتحدد هويتها الحضارية ومعالم سيطرتها، وهى تدفع الآخرين – في ذات الوقت - وعبر الحرب النفسية للانكسار أمامها والتسليم لها بالقيادة والدور، للتأثير على مصير المعارك الجارية الآن في مواجهتها في سوريا والعراق واليمن.
وما يبدو في الأفق أن المنطقة لن تشهد أي نمط من الاستقرار في الفترة القادمة، وأن العرب من تركيا حتى اليمن – ويمكن القول السنة - باتوا محاصرين بين القوة الإمبراطورية الفارسية – الشيعية من الطرف الشرقي مدعومة من الولايات المتحدة، والقوة الإسرائيلية المدعومة من الولايات المتحدة – أيضا - في الغرب، تبدو تلك الكتلة في مواجهة حربين كلتيهما تجري على أسس حضارية ضمن صراع الحضارات.
وفي ذلك يبدو جليا أننا أمام حرب شاملة تعود بالتاريخ والحضارة الإنسانية إلى ما قبل الفتح الإسلامي، وأمام إعلان إيراني بحرب السيطرة على كل الدول العربية من اليمن إلى تركيا، مع إشارات للهيمنة على بقية دول الشرق الأوسط.