الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية وسياسة الدوران حول الذات

المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت
على مدى ثلاثة أيام متتالية ( 21/22/23)/11 من الاجتماعات الماراثونية المكثفة والائتلاف يحاول جاهداً معالجة أزماته المستفحلة منذ أن تم سحب الثقة من حكومة الدكتور أحمد طعمة قبل قرابة أربعة أشهر، ومن المؤسف القول: (تمخض الجبل فولد فاراً)، فلم تسفر هذه الاجتماعات عن حلحلة الأزمة، لا بل ازداد الشرخ عمقاً حتى داخل الكتلة الواحدة وحصلت اصطفافات جديدة لم تكن موجودة سابقاً، وبدلاً من توحيد الطاقات جميعها في هذه الظروف الحساسة التي يمر بها شعبنا كما كان يؤمل من الائتلاف منذ أن تم تأسيسه على أنقاض المجلس الوطني السوري 2011 الذي تقوقع على نفسه داخلياً وفقد ثقة الشارع به ووصل إلى نهاية مشواره غير المثمر دون تحقيق شيء يذكر ويبدو أن الائتلاف يحذو حذوه نحو تلاشي دوره إذا ما استمر هذا الصراع المدمر بين أطيافه.
لا شك بأن الحديث عن المعارضة في إطارها العام حديث شائك ومعقد وتتداخل معه الكثير من العوامل الداخلية والإقليمية والدولية وحتى الشخصية، مما جعلت مجمل هذه العوامل تتقاطع وتتفاعل معاً وتقدم لوحة سوداوية للشعب السوري وقواه الثورية الفاعلة على الأرض ودفعه إلى الإحباط جراء أداء قيادته السياسية والعسكرية سواءً الخارجية منها أوالداخلية العاملة على الأرض، وبالتأكيد فإن هناك عوامل دولية خارجية تقع خارج إرادة المعارضة السياسية ولا يمكن تحميل وزرها للمعارضة.
وتعاملت بعض تلك الدول وفق منظور مصالحها الخاصة بها مع المشهد السوري دون أي اكتراث لمعاناة الشعب السوري وطموحه في التخلص من النظام الاستبدادي ووقفت إلى جانب النظام بكل إمكاناتها السياسية والدبلوماسية واللوجستية وحتى المادية وتسببت في تعطيل العديد من القرارات الدولية في مجلس الأمن والتي كانت تصب لصالح الشعب السوري، ولم تتمكن دبلوماسية المعارضة رغم الجهود الكبيرة التي بذلت والزيارات المتكررة إلى تلك الدول وخاصة إلى روسيا والصين في محاولة منها لتليين موقفها أو تحييده على الأقل لكنها فشلت في ذلك، هذا من جانب لكن في الجانب الآخر كان هناك تعاطف دولي وإقليمي كبير يؤيد ويساند الشعب السوري ويقدم له الإمكانات الضرورية للوقوف على قدميه في مواجهة النظام وإسقاطه في النهاية وساهمت في عقد العديد من المؤتمرات الدولية الداعمة للشعب السوري سياسياً ومادياً وتوجت بالاعتراف بالائتلاف رسمياً في المحافل الدولية كممثل شرعي للمعارضة السورية وافتتحت بعضها ممثليات لها في دولها واقتربت تدريجياً من الاعتراف الدبلوماسي بها والتعامل معها كبديل حقيقي للنظام، إلا أن المعارضة لم تتمكن من استثمار هذا الزخم الدولي الإيجابي في حده الأدنى والعمل على تطويره وتوسيعه بما يخدم الشعب السوري، لا بل عملت على تبديده وبعثرته بقصد أو بدون قصد منها نتيجة صراعاتها الداخلية والذهنية الأنانية المسيطرة على بعض رموزه واستخدام المال السياسي لشراء الذمم ضمن إطار الائتلاف نفسه وكذلك تفكيرهم الشمولي اللاديمقراطي المستمد من فكر النظام وثقافته وعدم قدرتهم على تجاوز تلك المرحلة بروح المسؤولية وضخامة العبء الكبير الذي يحملونه والتعامل معاً بروح أخوية وفريق متكامل وتقديم الكفاءات السورية المؤهلة سياسياً وعلمياً لإدارة المرحلة بغض النظر عن توجهه المختلف أو المتفق مع هذا أو ذاك، بينما حدث وما يحدث على أرض الواقع عكس ذلك تماماً إذ أن بعد كل محفل أو اجتماع للمعارضة نسمع بصراع من نوع آخر يختلف عما سبق وتتغير الاصطفافات بين الأطراف وكأننا نعيش عصر الديمقراطيات البرلمانية السلطوية والبحث عن موقع في الحكم ومن يقدم عرضاً مغرياً أكثر من غيره هو الفائز ناسين أو متناسين بأنهم يعيشون في غمار ثورة عظيمة وممثلين لها، ومن ثم يخرج هذا الصراع المدمر من الغرف المظلمة لتتحول إلى الصحافة ونشر الغسيل الوسخ على العامة وتبدأ معها موجة الاتهامات المتبادلة وخاصة التخوينية منها واللصوصية بحق بعضهم بعضاً وعلى مبدأ قانون نفي النفي وبنتيجتها تسقط قامات كانت كبيرة يوماً بعد آخر في عيون الثوار ويحصل الإحباط الكبير لدى الشعب السوري والمجتمع الدولي معاً، وهذا ما نجده اليوم عملياً من فتور الاهتمام الدولي بقضية الشعب السوري وممثليهم لدرجة بات يحاول بعضهم إعادة النظر في سياستها السورية نتيجة اقتناعها بأن المعارضة السورية الديمقراطية فشلت وغير مؤهلة لاستلام زمام السلطة في سورية ما بعد الأسد وأن البديل المرتقب والجاهز هي القوى التكفيرية من داعش وأخواتها، وبالتالي ليس من المنطقي أن تدعم مثل هذه القوى الظلامية إذا كانت هي المسيطرة على الأرض والمعارضة منهمكة بصراعاتها الداخلية على الزعامة التي يبدو أنها لا تنتهي في المدى المنظور.
ولما كانت السعودية وقطر وتركيا من أكثر الدول الداعمة للثورة السورية، وكانت تلعب دوراً إيجابياً في تأطير المعارضة وحل خلافاتها وضبط إيقاعها لما فيها مصلحة الشعب السوري، إلا أن هذا التفاهم تأثر كثيراً نتيجة التباين الذي حصل بين السعودية من جهة وتركيا وقطر من جهة أخرى بسبب الأزمة المصرية، مما انعكس ذلك سلباً أيضاً على أداء المعارضة السورية وزاد في الشرخ بين أطيافها السياسية والعسكرية بين موال لهذا المحور أو ذاك وبنتيجتها حصل ارتداد كبير في الجانب العسكري لصالح النظام وخسرت المعارضة مواقع استراتيجية هامة بالإضافة إلى استغلال داعش ضعف إمكانات الجيش الحر وصراعات قادتها للتمدد على الأرض على حسابهم وبالتالي أصبحت المعارضة في وضع لا يحسد عليه من ضعف في الأداء وضعف في القدرات والسؤال الكبير هل يدرك الائتلاف المأزق الذي وصل إليه أو حل به ويتمكن من رأب الصدع وترتيب أوراقه من جديد وإحياء وتفعيل دوره لترتقي به إلى حجم التضحيات التي قدمها الشعب السوري في سبيل حريته وكرامته والعمل كفريق موحد وعلى مبدأ (الوحدة في التنوع)، (خاصة إذا علمنا أن أحد رؤسائه السابقين يغازل النظام الآن عبر موسكو والآخر لا يعرف أحداً حله ولا ترحاله)، أم أنه يحذو حذو المجلس الوطني السوري ويتلاشى تدريجياً عن المشهد السياسي السوري ويتم البحث عن إطار جديد ومن جديد؟؟.