التصادم الاستراتيجي يطيل من الوداع الأخير للأسد
مقالات الكاتب

المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت
(ترجمة السورية نت)
اعترف الرئيس السوري بشار الأسد في خطاب له الشهر الفائت بنقص قواته للقتال في الحرب التي بلغت أربعة أعوام. لقد مثل الفرار العسكري مشكلة، واضطر الجيش السوري للانسحاب من المناطق النائية من البلاد والتركيز على المناطق الهامة.
صراحة الخطاب، الذي جاء بعد تصريحات من واشنطن بأن مسار الصراع كان ضد النظام، روجت لموجة من التنبؤات بأنه قد تتم التضحية بالرئيس من قبل داعميه الروس في سبيل اتفاق للسلام.
لا شك بأن هنالك قلق في موسكو من أخذ إيران للدور الرئيسي في دعم نظام الأسد، بينما يحمل وجود المنطقة الخاضعة لسيطرة داعش على الحدود العراقية السورية آثاراً جدية على الأمن الروسي. فإن هذه المنطقة بإمكانها، حسب وجهة النظر الروسية، أن تصاعد فقط من التوترات في الشيشان وداغستان على الحدود الجنوبية الروسية.
الترويج الروسي لجهد سلام جديد، بعد فشل المحاولتين السابقتين، شجع التقارير التي تفيد بأن أيام الأسد كحاكم باتت معدودة.
هذا الأسبوع، ارتأى القائد السوري استرجاع المبادرة، في مقابلة مع محطة المنار التلفزيونية، التي تسيطر عليها ميليشيا حزب الله اللبنانية التي يزداد استخدامها كقوة هجوم في سورية ضد معارضي النظام.
قال الأسد أن موسكو لن تتخلى عنه لأن الروس حلفاء أصحاب مبدأ يمكن الاعتماد عليهم، على عكس الأمريكيين الذين اعتادوا "التخلي عن الحلفاء، والتخلي عن الأصدقاء والخيانة". وهاجم "وسائل الإعلام الحقودة" التي اتهمته بتسليم البلاد إلى إيران وحزب الله. سورية حسبما قال كانت تواجه عدواً "يملك موارد غير محدودة، خاصة فيما يتعلق بالقوى البشرية".
لدى القائد السوري الكثير للقلق بشأنه. وتيرة الاتصال الدبلوماسي بين القادة العرب الذين يدعمون فصائل مختلفة من المعارضة السورية وموسكو تزداد سرعة. وبشكل أكثر جدية، تتحرك الولايات المتحدة وتركيا ببطء لتجاوز خلافاتهما. سياسة تركيا الخارجية المستقلة – العثرة الكبيرة من وجهة النظرة الأمريكية للسعي وراء سياسة ناجحة في سورية – قد تم التخلص منها، في حين تجد تركيا نفسها مهددة من قبل داعش وعودة الإرهاب الكردي.
ولكن ما يقف ضد هذه العوامل هو العديد غيرها مما يشير إلى أن الوقت ليس معداً لإتمام اتفاق كبير لإنهاء الحرب. بالنسبة لكل المداولات الدبلوماسية، من الصعب رؤية أي اتفاق شامل. أولاً، يعتقد الأمريكيون أن داعش أخطر من نظام الأسد، على الرغم من أنها قد كانت خطة النظام – خطة ناجحة للغاية – لقلب ما بدأ كمظاهرات مدنية إلى حرب ضد الإرهاب. من وجهة النظر الأمريكية، وجود المناطق الخاضعة لسيطرة داعش يمثل خطراً على حلفائها، بما فيهم الأردن ومن المحتمل المملكة العربية السعودية. أسوأ سيناريو ممكن سيكون سيطرة داعش على دمشق.
ولكن للحلفاء الآخرين وجهات نظر مختلفة. ففي حين تقوم "خلافة" داعش بزعزعة الاستقرار بالفعل، إلا أن الدول الإقليمية لا تنسى أن نظام الأسد هو من بدأ الحرب، وقد تم إبقاؤه من قبل إيران. أما من جهة إيران فإنها غير مستعدة لخسارة حليفها في سورية، الذي يوسع مدى نفوذ الحرس الثوري ومدى بلوغه حتى حدود إسرائيل والبحر المتوسط، كما في زمن الإمبراطورية الفارسية القديمة.
قد يتم التوصل لإنهاء هذه الخلاف الاستراتيجي في حال أصبحت إيران – كما يأمل الأمريكيون – عضواً متيناً من مجتمع الدول بدلاً من أن تكون مصدرة للثورة. أو قد تذهب في الاتجاه الآخر، في حال استخدمت إيران الثروة التي أطلقها الاتفاق النووي الأخير لتمديد نفوذها. ولكن هذه ليست مسألة بالإمكان تحديدها الآن.
مصدر القلق الأقرب هو الاختلاف المستمر بين السياسات الأمريكية والتركية، على الرغم من إعلان البرنامج المشترك لإبعاد داعش عن المنطقة التركية الحدودية. إلا أن هذا الاتفاق ينبع من فشل مزدوج: فشل برنامج "التدريب والتسليح" الأمريكي لتشكيل قوة معتدلة على ساحة المعركة السورية، وفشل تركيا بالإطاحة بالأسد، وهو ما كان الهدف طويل الأمد للرئيس رجب طيب أردوغان.
قد كان السيد أردوغان يضغط لتشكل "منطقة آمنة" داخل سورية تكون خالية من داعش وقد تكون ملجأً لحوالي مليوني لاجئ سوري داخل تركيا. قد رفض الأمريكيون الالتزام بهذا، بما أنه سيتطلب من القوات الجوية الأمريكية فرض منطقة حظر جوي، مما يضعها في صراع مع أنظمة الدفاع روسية الصنع الخاصة بسورية. فإن هذا قد يصبح بسهولة حرب وكيلة روسية أمريكية، وهو آخر ما تريده واشنطن.
ما تسعى له روسيا هو عرض درامي لانهيار النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط، ولكن واشنطن ليست مستعدة على الإطلاق للقبول بذلك.
لذا فإن اللاجئين لن يعودوا إلى أي "منطقة آمنة"، فلن يكون هنالك أي تغطية جوية. قد قبل أردوغان بهذه التسوية حيث أن خطة العمليات المشتركة تسمح للقوة الجوية التركية بمهاجمة القوات الكردية في سورية المتحالفة مع حزب العمال الكردستاني، وهو منظمة ميليشيا الأكراد الأتراك، تحت غطاء القتال المعادي للدولة الإسلامية.
نتيجة لذلك، ستستخدم المنطقة الحدودية من قبل تركيا لمنع الميليشيا الكردية السورية، وحدات حماية الشعب، من السيطرة على مناطق حدودية أكثر مما تفعل بالفعل. "المنطقة الآمنة" المقترحة ستكون منطقة خالية من وحدات حماية الشعب. وهذا في الوقت الذي يعتبر فيه الأمريكيون هذه الوحدات حلفاءهم الأكثر قيمة في القتال ضد داعش.
أثناء ذلك، تتزايد فقط إراقة الدماء، مع استمرار داعش بأسلوبها الذي يعتمد على إثارة الصدمة لإخافة أعدائها وتجنيد الشباب المضللين، بينما يقتل نظام الأسد المزيد من المدنيين ببراميله المتفجرة، مثل الهجمة على دوما، في ضواحي دمشق، التي قتلت أكثر من 100 في السادس عشر من آب.
بالنسبة للاجئين، فإنهم يتجهون شمالاً نحو أوروبا بأعداد متزايدة. لا يعتقدون أن السلام قريب. نهاية حكم الأسد آتية ولكن من الصعب رؤية حدوث ذلك قريباً.
تعليقات