الجبهة الجنوبية وانهيار الأسد

المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

25/2/2015
السورية نت

تنبع أهمية التطورات في الجنوب السوري (درعا، الغوطة الغربية) من أهميتها السياسية والعسكرية على حدٍّ سواء، فالجبهة الجنوبية تشكل البوابة الرئيسية لحماية دمشق، إذ غالباً ما كانت السيطرة على دمشق تُسبق بالسيطرة على الجنوب السوري، وهذا ما يفسر استماتة نظام الأسد بالدفاع عن مواقعه في الجنوب، أمام انهيار الجيش السوري، وفقدان الأسد الثقة به ما دفعه لإعدام العشرات من ضباطه وعناصره بتهمة الخيانة والتعامل مع (الإرهابيين) عبر تزويدهم بتحركات الجيش السوري وإعطاء الإحداثيات.

اللافت أنّ الإيرانيين وميليشيات حزب الله هي من أصدرت ونفذت أحكام الإعدام بحق الجنود والضباط السوريين عقب استلامها قيادة وإدارة معارك الجنوب، فتواردت الأنباء عن زج إيران لخمسة آلاف مقاتل مهمتهم الأساسية تحصين دمشق، والسيطرة على المناطق الواقعة في ريف درعا الغربي، لأنّ إحكام الثوار السيطرة على هذه المناطق سيمهد الطريق ويجعله مفتوحاً نحو دمشق.

تدل المعارك الجارية في الجنوب بل والشمال أيضاً على أنّ الجيش السوري لم يعد له إلا اسمه، فالحرس الثوري بقيادة قاسم سليماني هو من يقود المعارك، وبدأ النظام وإيران على السواء يعترفون بهذه الحقيقة إذ لم يعد ممكناً إخفاء القتلى (علي سلطان مرادي، وعباس عبدالله، بنيران الثوار في منطقة كفر نساج في ريف درعا الشمالي الغربي، وغيرهم) وتكذيب صور الأسرى، فسورية الآن تخضع لاحتلال عسكري مباشر عقب خطف القرار السياسي.

يراهن الثوار على انهيار الميليشيات الطائفية الإيرانية انهياراً يتجاوز انهيار الجيش السوري، فالميليشيات الإيرانية لن تستطيع دفع الفاتورة البشرية الباهظة ناهيك عن الفاتورتين المالية والعسكرية (السلاح) التي قد تشكل انهياراً للاقتصاد الإيراني المهترئ أصلاً، وتدل خسارة الميليشيات للمئات في الجنوب والشمال خلال أيام الحجم الذي يمكن أن تدفعه.

لا شك أنَّ موازين القوة العسكرية المادية (الطيران، التسليح) تصب في صالح الميليشيات الإيرانية، لكن تلك القوة لم تستطع حسم المعارك لصالح النظام سابقاً، وسيلجأ الثوار لطرق أخرى تحيّد هذه الفوارق، منها حرب الكمائن، والالتفاف، والاستنزاف التي يتقنونها، وستخدمهم الأرض التي ينتمون إليها بتلك التكتيكات، وفي حال تقديم دعم نوعي للثوار فإنّ الميليشيات ستتعرض لمحرقة.

تهدف إيران من هذا الزخم العسكري الكبير والقوي مسابقة الزمن، وتحقيق مكاسب عسكرية قبل انتهاء مفاوضات الملف النووي، فالحكومة الإيرانية تبتز الولايات المتحدة الأمريكية، فالتوازنات والحسابات ستكون مختلفة بعد انتهاء الملف النووي، فالقوى الإقليمية (السعودية، تركيا) لن تقف مكتوفة الأيدي إلى ما لانهاية أمام احتلال إيران المباشر لسورية، فذلك سيهدد أمنها الاستراتيجي، ويأتي الاتفاق الأمريكي التركي حول تدريب الدفعة الأولى كمؤشر على طبيعة المرحلة المقبلة.

تراقب إسرائيل (اللاعب الخفي) ما يجري على حدودها الشمالية بحذر شديد، وتمثل عملية قتل إسرائيل لضابط إيراني رفيع مع قادة حزب الله في القنيطرة بالون اختبار للنوايا الإيرانية. قدمت إيران حسن نيتها تجاه إسرائيل إذ ردت إيران في مكان آخر (شبعا) وبشكل محدود، مما أعطى رسالة واضحة لإسرائيل أنَّ هدف إيران الوحيد حماية الأسد دون المساس بأمن إسرائيل.

تشير المعطيات على الأرض أنّ إيران لن تتمكن من تقديم جديد للأسد في مفاوضات الحل السياسي، فالمعارضة السياسية استوعبت الدروس السابقة، وبدأت العمل على حشد ما تستطيع من دعم للثوار، كما أنَّ خبرة الثوار العسكرية المتراكمة، وسيرهم نحو وحدة الصف، ومعركة "توحيد الراية" دليل واضح أنّ الثورة السورية تسلك الطريق الصحيح.

انقلاب السحر على الساحر

تسلل المئات (بين 500 و600) من جنود النظام والميليشيات الشيعية من قرية سيفات عبر الأراضي الزراعية وكروم الزيتون نحو الريف الشمالي (رتيان، حردتنين) مزودين بأسلحة نوعية (أجهزة رؤية ليلية، قناصات حديثة، أجهزة اتصال) مستغلين العوامل الجويّة (الضباب الكثيف) بهدف فك الحصار عن نبل والزهراء، وضرب طوق على الثوار، وحصار مدينة حلب، وقطع الطريق الواصلة نحو تركيا (باب السلامة).

أهداف استراتيجية كان يحلم النظام بتحقيقها حصّلها في غضون ساعات قليلة، فهلل إعلام النظام، والإعلام المؤيد له لهذا النصر الاستراتيجي، وعدّه نهاية الإرهاب (الثورة) في الشمال السوري، لكن سرعان ما أعاد الثوار ترتيب صفوفهم فحشدوا قواتهم لتتحول الهزيمة إلى نصرِ مدوِ، فوقع المئات بين قتيل (حوال 300) وأسير (حوال 100) ومحاصر (مجموعات اتخذت النساء والأطفال دروعاً) وفار (البقية).

أعدَّ النظام طويلاً لهذه الخطوة بشرياً، ومادياً، وتكتيكياً وأسند مهمة التنفيذ للطائفيين المشحونين عقائدياً حتى أنه عُثر في ستر بعضهم على مفاتيح يُعتقد أنها مفاتيح الجنة التي وعدهم الولي الفقيه بها. لكنّ نشوة الانتصار، والحلم بحصار حلب تبدد، فالعوامل الجوية التي ساعدتهم في تسللهم كانت في الوقت ذاته منحة ربانيّة للثوار، إذ تمّ تحييد سلاح الطيران فانقلب السحر على الساحر، وكشفت هذه المعركة جملة من الحقائق:

- انهيار الجيش السوري (جيش النظام)، فالنظام بات يعتمد في قيادة العمليات العسكرية، وفي المعارك على الميليشيات الشيعية الطائفية، مما يدل على أنّ جيش الأسد انتهى، وأنّ سورية غدت محتلة عسكرياً من قوى أجنبية (إيران)، فالنظام فقد القوة البشرية، ولم يعد قادراً على الحشد، والجنود السوريون هم من الاحتياط الذين أسرهم على الحواجز وجلبهم عنوة إلى ساحات القتال.

- القيادة والتخطيط للميليشيات، فالضباط السوريون محيدون وليسوا موضع ثقة من قبل الأسد والميليشيات، وتزج هذه القيادة بالجنود السوريين (السنة) بالمقدمة كفئران تجارب، ولكنهم في معركة حلب سقطوا مع فئرانهم بعد أن توغلوا وظنوا أنّ التسلل نجح.

- قوة الثوار الذاتية، وقدرتهم على قلب الموازين، وتغيير النتائج ولاسيما إذا تكاتفوا وتعاونوا، فالنظام يقتات على تفرق الصف ودعم الميليشيات.

- سقوط حلم النظام بحصار حلب، وحرمانه من نصر عسكري حاول استثماره مع مبادرة دي ميستورا لإعادة إنتاجه.

- خسّة النظام وميليشياته التي قتلت مدنيين أبرياء أثناء تسللهم إلى القرى، واتخاذهم المدنيين من النساء والأطفال دروعاً بشرية أثناء إحكام الثوار الحصار عليهم.

لم تتوقف الانتصارات عند حجم الخسائر البشرية التي تكبدها النظام وميليشياته بل تمتد لتحرير الثوار مناطق جديدة كانت خارج سيطرتهم، فقد منحت الانتصارات الثوار دفعاً معنوياً، وسببت انهياراً في الجانب الآخر، ويبقى التحرير جارياً.