الحل السوري.. ضحك على اللحى

المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت
قد يبدو الحل السوري ممكن التطبيق نظرياً استناداً إلى الوعود والمشاريع التي تتعهد، بين الفترة والأخرى، الإدارتان الأميركية والروسية على البدء بتطبيقها من أجل إنهاء ما بات يوصف عالمياً بالأزمة المستعصية الحل، وآخرها اتفاق مازالت تفاصيله غير واضحة المعالم بعد، وإن كانت خطوطه العريضة تشير إلى اتفاق الجانبين على العمل سوياً لوقف إطلاق النار، وتمهيد الأرض لعملية سيـاسية طـال انتظار إنجازها.
لكن تلك النظريات تظل حبراً على ورق في كل مرة، لأن راعيي العملية السلمية متورطان، بشكل أو بآخر، في معادلة انفلات الأوضاع وتطورها بهذا النسق المأساوي سواء عبر التردد وعدم الحسم في الوقت المناسب كما هو الحال مع الإدارة الأميركية والتي فضلت لاحقاً التواطؤ على المنطقة بأسرها مع إيران بل وجازفت بخسارة شركائها الاقتصاديين الذين لم يخفوا خيبة أملهم من مواقفها المفاجئة، أم على الطريقة الروسية من خلال التدخل، بشكل مبكر، لدعم نظام دمشق في مواجهة الشعب السوري عبر إسناد سياسي تمثل بداية في حق النقض (الفيتو) الذي استخدمته موسكو ثلاث مرات في مجلس الأمن، وكان كفيلاً بتعطيل مشاريع قرارات كانت ترمي إلى حماية المدنيين والحدّ من انحدار الأوضاع قبل أن تصل إلى ما وصلت إليه، ولاحقاً من خلال التدخل العسكري المباشر الذي زاد الأمور تعقيداً، ورفع بشكل مهول معدلات القتل والتدمير.
وبهذا فإنه لا يمكن الرهان على أن تتمكن كلتا الإدارتين من اقتراح حلول مناسبة ما لم تعترفا أولاً بأخطائهما، وتقررا التوقف عن ارتكاب تلك الأخطاء القاتلة، وإلا فإنهما ستظلان كمن يملأ البحر ماء.
وإذا كانت الإدارة الأميركية تبدو منشغلة بحزم حقائبها والاستعداد لبداية جديدة مع وصول رئيس جديد إلى البيت الأبيض، فإن موسكو تظل أكثر استرخاء في معالجة جميع القضـايا ولا تـريد أن تتنازل عن النقاط التي كسبتها في مواجهة خصمها العنيد من أيام الحرب الباردة، وهي تريد في كل خطوة تخطوها أن تثبت للعالم بأنها متفوقة على “شريكها” و”غريمها” في صناعة الحرب والسلام في هذه المنطقة من العالم تحديداً.
يضاف إلى ما تقدم أن افتراض السيطرة على الفصائل النشطة على الأرض السورية يتطلب في الحد الأدنى وجود قوات قادرة على لجم العديد من الفصائل المتطرفة التي لا تعنيها كثيراً الحلول السلمية، وأيضاً الميليشيات الطائفية التي لن تتخلى بسهولة عن تحقيق مشروع المرشد الإيراني في سوريا.
هذه التركيبة الكبيرة من حملة الأسلحة غير خاضعة أصلاً لإدارات قد تلتزم باتفاق وقف إطلاق النار، بل هي قد تتسبب أكثر في اشتعال البعض من المناطق الهادئة نسبياً في الوقت الحالي لأنها تتخذ من المناطق السكنية مقرات ومعسكرات لها، وتتخذ من المدنيين دروعاً لحمايتها، كما يفعل تنظيم داعش في محافظتي الرقة ودير الزور، ومثله تفعل الميليشيات الطائفية في حزام يضيق ويتسع حسب الحاجة حول دمشق. علماً أن الخطة الأميركية الروسية لا تفترض أصلاً وجود قوات على الأرض مكلفة بالقيام بهذه المهام بالغة الصعوبة، فالفصائل المتقاتلة على الأرض بما فيها ما تبقى من قوات النظام السوري أو تلك الفصائل التي يمكن تسميتها بالمعتدلة جميعها منهكة وغير قادرة فعلياً على القيام بتلك الأدوار التي تتطلب جيشاً متماسكاً. كما أن أمر توحيد قواها أو قوى البعض منها على الأقل تحت قيادة عسكرية مشتركة تحركها أمر في غاية الصعوبة نظراً للخلافات الأيديولوجية العميقة بينها.
ولا نكشف سراً إن قلنا إن ثمة على الأرض من يقاتل من أجل استمرار حالة الفوضى التي تعيشها اللادولة المسماة سوريا، لأن هذه الحالة تحديداً هي ما يضمن له تحقيق مشاريعه، وأي عملية لفرض السلام ستحطم كل ما بناه خلال السنوات الخمس الماضية، بل إن نظام دمشق نفسه لا يبدو مستعداً للتوقف طالما أن الخسائر كلها تجري هناك في سوريا غير المفيدة بالنسبة إليه، وهو قد يبادر إلى إحداث تفجيرات في مناطق سيطرته كي يحافظ على حالة الحرب قائمة كما حدث مؤخراً في مدينة طرطوس وحدث مرات عديدة من قبل، لذلك فهو آخر المكترثين بموضوع الوصول إلى اتفاق سلام، وقد أثبت ذلك خلال الجولات السابقة حيث أغرقها بالتفاصيل، وسوف يستمر على هذا المنوال، ما لم يحدث تغير مؤثر على الأرض.
يبدو لزاماً، والحالة هذه، أن يفكر راعيا العملية السلمية (الولايات المتحدة وروسيا) في البدء بالتخلص من تلك المعوقات كلها، قبل أن يطلقا مشاريع وهمية تصنف فور إطلاقها في خانة المماطلة و”الضحك على اللحى”.
تعليقات