السلطات الألمانية توضح حقيقة "ترحيل" أول لاجىء سوري إلى دمشق

أثارت تقارير تتحدث عن "ترحيل أول لاجئ سوري" إلى بلاده من ألمانيا جدلاً واسعاً، خصوصاً وأنها تزامنت مع "سابقة أخرى" بحصول طالب لجوء سوري على حق "منع ترحيل" عوضاً عن اللجوء أو الحماية، فكيف بررت السلطات الألمانية هاتين الحالتين؟.
و كشفت صحيفة "لاوزيتسر روندشاو" الألمانية الأسبوع الماضي أنه تم ترحيل لاجئ سوري (38 عاماً) مدان في عدة قضايا من مكان إقامته في أوبرشبيرفالد ـ لاوزيتس بشرق ألمانيا إلى دمشق، مشيرة إلى أن عدة محاولات سابقة لترحيله كانت قد أخفقت قبل ذلك، وذلك نقلاً عن مسؤول البلدية في المنطقة زيغورد هاينتسه.
"ترحيل أم عودة طوعية"
وكان اللاجئ الذي "تم ترحيله" قد مثل أمام المحاكم في 13 قضية، كما قال هاينتسه، بينها قضية حكم عليه فيها بالسجن لمدة سنة ونصف بعد أن هاجم ممرضة في مشفى بمقص.
كما ذكرت الصحيفة أن اللاجئ السوري قام بأعمال شغب في دائرة الأجانب في منطقته، حيث قام برمي كراسي غرفة الانتظار وحاول تكسير زجاج النوافذ، مشيرة إلى أن الشرطة تحدثت وقتها عن حالة نفسية طارئة وألقت القبض عليه.
وبعد أن أثار موضوع "ترحيل" اللاجئ السوري جدلاً واسعاً، ورغم تصريحات رئيس البلدية عن الترحيل، نفت وزارة الداخلية في ولاية براندنبوغ، التي تتبع لها منطقة أوبرشبيرفالد ـ لاوزيتس، أن تكون السلطات قد قامت بـ"ترحيل" اللاجئ السوري، وأضاف متحدث باسم الوزارة لوكالة الأنباء الألمانية أن اللاجئ "عاد طوعياً" بعد أن "تم تشجيعه" على العودة وتلقى مالاً مقابل ذلك، غير أن النتيجة واحدة.
انتقادات واسعة
وأثار هذا التبرير انتقادات من قبل حقوقيين وناشطين سوريين وألمان على حد سواء. تقول المحامية نهلة عثمان، المختصة بشؤون اللجوء على صفحتها في موقع "فيسبوك": "هناك العديد من المؤشرات على أن الأمر إشكاليّ على الأقل، لكن ربما يكون هناك فضيحة كبيرة أيضاً"، مضيفة، أن المعلومات تشير إلى أن ذلك الشخص كان مريضاً نفسياً، وتتابع: "السؤال هو إلى أي درجة كان الشخص يتمتع بالصحة العقلية وكيف غادر طواعية" كما تقول السلطات.
من جانبه عبّر الناشط الألماني ينس-مارتن روده عن خيبة أمله من "ترحيل" اللاجئ السوري، وأضاف على "فيسبوك": "هذا التطور خطير، يجب أن نفعل شيئاً (..) لأننا إن لم نوقف ذلك فستخف موانع الترحيل شيئاً فشيئاً"، وتابع: "الموظفون العاديون في أحد المكاتب قد يسمح لهم بترحيل السوريين دون أن يراعوا حقيقة الأمر في سوريا".
ورغم أن بعض اللاجئين قالوا إنهم مع ترحيل اللاجئ السوري لأنه ارتكب جرائم، مثل اللاجئة السورية هالة بيطار، إلا أن المحامية عثمان لا توافق على ذلك وتضيف: "يجب أن تتم معاقبته، لكن ليس ترحيله إلى سوريا، فهو إنسان ولاجئ ولديه حقوق، حتى ولو كان مجرماً". وكما يبدو فإن قضبة الترحيل إن كانت طوعية أو لا غير واضحة العيان حتى اللحظة.
مئات العائدين "طوعياً"
وإن كان اللاجئ السوري قد عاد بشكل "طوعي" بالفعل كما تقول السلطات، فهو ليس الوحيد الذي قام بذلك، فقد كشفت السلطات الألمانية أنها قدمت المساعدة لـ437 لاجئاً سورياً للعودة بشكل طوعي إلى بلادهم، حسبما جاء في رد للحكومة الألمانية على طلب إحاطة من حزب اليسار.
لكن الحكومة الألمانية أكدت في ردها أنها لا ترسل أي سوري إلى بلده رغماً عنه، وذلك بحسب قرار وزراء الداخلية في ألمانيا الصادر في نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي والقاضي بتمديد منع ترحيل اللاجئين السوريين حتى نهاية العام الجاري.
ورغم أن بعض السياسيين الألمان يدعون إلى ترحيل اللاجئين الذين يرتكبون الجرائم، إلا أن وزير الداخلية الاتحادي هورست زيهوفر أكد أن تمديد منع الترحيل الحالي يشمل "اللاجئين المجرمين" أيضاً.
"سابقة من نوعها"
وفي "سابقة أخرى" تتعلق باللاجئين السوريين في ألمانيا، كما تقول المحامية عثمان، ظهرت قضية طالب لجوء سوري لم يحصل على اللجوء ولا على الحماية الثانوية، بل حصل على "منع ترحيل للوطن" (Nationales Abschiebungsverbot).
وبحسب المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين، يتم منح "منع الترحيل إلى الوطن" في ألمانيا بشروط محددة عندما لا يحصل طالب اللجوء على حق اللجوء أو الحماية الثانوية، مشيراً إلى أن هذه الشروط هي:
- عندما تشكل العودة إلى بلده الأصلي انتهاكاً للاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان.
أو: إذا كان هناك خطر كبير ملموس على الحياة أو الجسد أو الحرية.
وبحسب المكتب الاتحادي فإن الحقوق التي يتمتع بها الحاصل على "منع الترحيل إلى الوطن" تختلف عن حقوق الحاصل على الحماية الثانوية، حيث أنه بحاجة لموافقة دائرة الأجانب قبل أن يبدأ بالعمل، على خلاف الحاصل على الحماية الثانوية الذي يستطيع العمل مباشرة، كما أن الحاصل على "منع الترحيل إلى الوطن" غير مشمول بحق لم الشمل.
وتضيف المحامية أن الحاصلين على هذا النوع من القرارات يسهل ترحيلهم في المستقبل بشكل أسهل من الحاصلين على الحماية الثانوية.
وبررت السلطات عدم منح اللجوء أو الحماية الثانوية للاجئ السوري بأنه لم تتوفر لديه الشروط للحصول على أي منهما، وجاء في قرار المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين، والذي نشرته المحامية على صفحتها: "مقدمو الطلب لم تكن لديهم نشاطات معارضة ولم يكونوا لأي سبب آخر تحت مراقبة الاجهزة الأمنية، كما أنهم لم يتعرضوا بشكل شخصي لأي أزمات مع المجموعات غير الحكومية".
لكن ما يثير "غضب" المحامية نهلة عثمان، كما تقول، هو ما جاء بعد ذلك في القرار. حيث كتبت السلطات الألمانية في قرارها: "بعد أن استعاد النظام السوري مع حلفائه أجزاء واسعة من البلاد العام الماضي، لا يمكن الآن افتراض وجود أزمة مسلحة داخلية في جميع المناطق في سوريا".
تقول نهلة عثمان: "من المخجل أن يعتبر البامف (المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين) بعض المناطق في سوريا آمنة وهي مازالت تحت سيطرة الأسد". وقد طعنت المحامية بالقرار ومازالت بانتظار الجواب.
لكن المحامية الألمانية - السورية تقول إنه من الضروري التواصل مع المجتمع السوري في ألمانيا وإخبارهم بأن إيقاف الترحيل إلى سوريا مستمر، بحسب القانون، لكي لا تتجدد مخاوفهم مثل كل مرة يتم فيها الحديث عن الترحيل إلى سوريا.
اقرأ أيضا: المبادرة الروسية لإعادة اللاجئين السوريين من لبنان "معطلة كلياً"
تعليقات