الغارديان: السوريون بلبنان يختارون ظروف الحياة البائسة على العودة لمناطق سيطرة الأسد

في الثلج السميك والبرد القارس، كاد صالح قرقور البالغ العاشرة من العمر أن ينتهي من جرف الثلج لإفساح طريق إلى الخيمة التي تسكن فيها عائلته منذ أكثر من ستة أعوام. تجمع كبار السن والأطفال حول المدفأة في الداخل. وانساب دخان المدافئ من بلدة عرسال في الوادي.
ما بعد قمة الجبل وراءهم توجد الحدود السورية، التي فرت منها عائلة القرقور وتقريباً كل من يوجد في هذه البلدة الحدودية اللبنانية. منازلهم منذ ذلك الحين كانت الخيام المؤقتة، حياتهم المتقشفة حافظت عليها التبرعات والمساعدات التي تنفد بسرعة على الحافة المتجمدة فوق لبنان.
ومع ضرب عاصفتين ثلجيتين شديدتين لعرسال ولمخيمات غير رسمية أخرى في وادي البقاع خلال الأسبوعين الماضيين، واجه اللاجئون المتجمعون الخيار: إما البقاء في هذه الظروف البائسة المهددة للحياة، أو العودة لوطنهم سوريا. تقريباً اختار الجميع البقاء مكانهم. المخاطر، كما يقولون، ما تزال شديدة للغاية.
هذا ما أوردته صحيفة "الغارديان" البريطانية في تقرير نشرته، أمس الثلاثاء، وترجمته "السورية نت"، وسلطت فيه الضوء على جانب من معاناة اللاجئين السوريين في لبنان، حيث ما يزال حوالي مليون لاجئ مسجل من قبل الأمم المتحدة في لبنان، عاد منهم نحو 16 ألف فقط إلى ديارهم خلال العام الماضي، حسبما ما نقلته الصحيفة عن مسؤولي الإغاثة.
وأضافت في هذا الإطار، أن الذين غادروا سمح لهم نظام الأسد بذلك، وتم تشجيع رحيلهم من قبل المسؤولين في لبنان، الذين يصرون على أن سوريا "آمنة" الآن، وأن لبنان قد تحمل عبء وجودهم لفترة طويلة للغاية.
شروط العودة لم تتحقق
وتشير "الغارديان"، إلى وجود محاولات من نظام الأسد لعرض صور يزعم فيها "الاستقرار والمصالحة"، وقد رددت الكتل السياسية المتحالفة مع الأسد في لبنان ذات الرسالة، على الرغم من التصريحات المتكررة من مسؤولي الأمم المتحدة بأن شروط العودة لم تتحقق بعد.
قال عارف الحمصي، المقيم في أحد مخيمات عرسال: "لا أحد في دمشق، بيروت، ولا أي مكان آخر في العالم بإمكانه ضمان سلامتنا من الأسد، واللبنانيون الذين يريدون أن يقولوا إن الوضع هناك كالجنة لديهم سبب لذلك، وهو إرضاء رؤسائهم".
وتابع: "هذا مخطط إقليمي، وليس لبنانياً. من يعود يواجه السجن أو التجنيد. النظام لن يتصرف بتواضع بل سينتقم".
الشك بما سيحدث ما أن يعودوا إلى سوريا وعدم الوثوق بدوافع من يروجون لعودتهم إلى الوطن، يعني أن اللاجئين في البقاع في لبنان لا يفكرون جدياً بالعودة إلى ديارهم. بحسب "الغارديان".
اللاجئون ومعاناتهم
فر العديد من السوريين من المناطق الحدودية القريبة، مثل بلدة القصير، التي استولت عليها ميليشيا "حزب الله" في بداية عام 2013، وما تزال معقلاً لها.
أتى آخرون من فليطة، والتي تبعد مسيرة قصيرة صعوداً عبر جبال القلمون، وقرى حدودية أخرى التي كانت نقاطاً للتهريب عبر الحدود.
قالت فاطمة صفدي، للصحيفة البريطانية وهي تقف في الثلج خارج خيمتها الجبلية: "حزب الله يملك القصير. انهار هذا السقف بسبب الثلج الأسبوع الفائت، منزلنا في القصير انهار بسبب قنبلة".
عبد الحكيم شقحبي، من القصير أيضاً، يقول: "لم يعد بإمكاني إيجاد وظيفة. أدين للبقال بحوالي 100 دولار. يهددني بالتوقف عن إعطائي الخبز في حال لم أبدأ بالدفع له. كيف لي العودة لبلدتي دون مال؟ لا أظن حتى أنهم سيسمحون لنا بالعودة. حاولت عائلة سنية العودة فقاموا بإحراق منزلهم وطردهم".
لا رغبة للاجئين بالعودة
ونقلت الصحيفة في تقريرها عن مي السعدني المديرة القانونية لمعهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط، قولها، إن "دعوة الحكومة اللبنانية للسوريين للعودة إلى ديارهم تتم وسط حركة عالمية أوسع يزداد خلالها إنهاء الدول لبرامجها وحماياتها للاجئين، والضغط بقوة عليهم للعودة".
وأضافت: "كما تأتي أيضاً وسط محاولة دبلوماسية أوسع لإعادة تأهيل نظام الأسد بعرضه كحكومة مستعدة للترحيب بأهلها. ولكن هذه السياسات وهذه الحركات بعيدة كل البعد عن الواقع السياسي والاجتماعي والقانوني على الأرض".
ونوهت السعدني، إلى أن نظام الأسد برهن أنه "ليس جاهزاً ولا راغباً بالترحيب بالسوريين للعودة إلى منازلهم، كما يتضح في اتفاقيات المصالحة التي يتابع انتهاكها، واستمرار السلطات بتطبيق مكافحة الإرهاب، والمشاريع القانونية المتعلقة بالإسكان والممتلكات التي تستخدم لحرمان اللاجئين والنازحين من منازلهم، وإحساسه بالحصانة التي يتحدث ويتصرف وفقها".
وأشارت في هذا الإطار، إلى تقارير تظهر بأن السوريين الذين عارضوا النظام وعادوا إلى منازلهم يواجهون التحقيقات والتهديدات، والاعتقالات التعسفية على حواجز الجيش، والتعذيب والقتل حتى في بعض الحالات.
وختمت "الغارديان" تقريرها، بعرض تصريحات لـ"بول دونوهي" من لجنة الإنقاذ الدولية، وأكد فيها، أن "معظم اللاجئين ما زالوا يقولون إنهم ببساطة لا يعتقدون أن سوريا آمنة بما يكفي كي يعودوا. يفضلون الاستمرار بتحمل الظروف التي قد يجدها معظمنا غير قابلة للتحمل بدلاً من المخاطرة بعائلاتهم".
اقرأ أيضاً: عرض تركي لإعادة إحياء "الزنكي" لكن بشروط.. مصدر: الحركة اتخذت قرارها
تعليقات