تغيرات المناخ الاستراتيجي بين روسيا والغرب
مقالات الكاتب

المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت
(ترجمة السورية نت)
في مؤتمر الأمن الثاني والخمسين في ميونيخ، ألقى رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف خطاباً كان من الممكن أن يلقيه فلاديمير بوتين لو اهتم بحضور المؤتمر هذا العام. في الواقع لم يحضر الرئيس الروسي هذا التجمع السنوي للقادة السياسيين وخبراء الأمن منذ عام 2007. لقد كانت كلمات ميدفيدفت قاسية وتحليلاته قاتمة للغاية، ولكن النقطة الرئيسية التي أراد إظهارها هي عرض لوضع الخلافات الروسية-الغربية الصارخة والصراعات المريرة جانباً والتركيز على التهديد المشترك القادم من التطرف.
لقد استخدم بوتين الأسلوب نفسه عندما خاطب الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول عام 2015، قبل أن يعطي الأمر ببدء حملة القصف في سورية. وكانت الاستجابة الغربية حينها، كما هي الاستجابة الآن، سلبية بشأن الفرضية الضمنية ومرتابة في العرض بحد ذاته. المواجهة الحالية بين الولايات المتحدة وحلف الناتو من جهة وروسيا من جهة أخرى، ستبقى مستمرة، ولكن مع استمرار المواجهة يمكن حدوث بعض التعاون بين الطرفين.
ويبدو أن هذا هو الوضع الطبيعي الجديد. فخلافاً لما حدث في عامي 2014 و2015، لم تكن أوكرانيا موضوعاً رئيسياً في مؤتمر الأمن في ميونيخ عام 2016. ومع ذلك، أدان وزير الخارجية الأمريكي جون كيري سياسات روسيا بشدة وطمأن كل من أوكرانيا وحلفاء الناتو الشرقيين باستمرار الدعم الأمريكي الذي لا يتزعزع. وأعلن الأمين العام لحلف الناتو ينس شتولتنبرج عن المسار الاستراتيجي المزدوج لتعامل الحلف مع روسيا وهو "الدفاع والحوار". وتم افساح المجال لكل من القائد الأوكراني والقائد الليتواني لتوجيه بعض الكلمات اللاذعة إلى بوتين.
في سورية، ترافق الاتفاق على وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في ميونخ مع انتقادات للقصف الروسي في منطقة حلب في سورية. ومن جهته، رأى وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف أن الاتفاق سينهار في غياب التنسيق العسكري الوثيق بين الجيشين الروسي والأميركي. ولكن وزارة الدفاع الأمريكية كانت مترددة في التعاون أكثر مع روسيا. ومما يزيد من تعقيد الصورة، فقد أوضح كل من وزيري الخارجية التركي والسعودي أن بلديهما على وشك التدخل المباشر في سورية.
إذا لم ينتج عن الصراع في سورية أي اتفاق يؤدي إلى تسوية سلمية تشترك فيها الولايات المتحدة وروسيا، فإن منطقة الصراع قد تصبح منطقة المواجهة بين روسيا وحلف الناتو. تركيا لم تقصف سوى الأكراد السوريين الذين ترى أنهم أعداؤها الرئيسيون – إلى جانب الرئيس السوري بشار الأسد. وفي حال تدخلت تركيا في سورية أو استخدمت قواتها الجوية لمهاجمة الجيش السوري، فقد تستخدم روسيا دفاعاتها الجوية لصد الهجوم. وسيؤدي هذا بالتأكيد إلى استدعاء تركيا للمادة 5 من معاهدة واشنطن، والتي تنص على أن أي هجوم ضد أحد أعضاء الناتو يعتبر هجوماً عليهم جميعاً.
عندما أسقط الأتراك طائرة روسية على الحدود السورية في تشرين الثاني عام 2015 اقشعر بدن حلف الناتو بأكمله. ولحسن الحظ فقد رد بوتين في ذلك الوقت رداً غير عسكري، يبدو ان أردوغان يظن بأنه بعد أن خدم حلف الناتو بشكل جيد لمدة 40 عاماً مع السوفييت، يحق لتركيا الآن الاعتماد على دعم الحلف عندما يكون الأمر مهماً لأنقرة – وسورية مهمة بالنسبة لأردوغان بقدر ما هي أوكرانيا مهمة بالنسبة لبوتين.
الولايات المتحدة لا تشارك أردوغان نفس المنطق على ما يبدو، ولكن نفوذ الولايات المتحدة في تركيا لا يرقى إلى السيطرة الكاملة على الإجراءات والسياسات في أنقرة. وفي حال اصطدام تركيا وروسيا بالفعل في سورية، فلن تكون مصداقية حلف الناتو وحدها في خطر بل أيضاً السلام في المنطقة الأوروبية الأطلسية والعالم بأكمله. وفي حين أشار جون كيري في تصريحه إلى خطاب الرئيس السابق جون كينيدي عام 1963 وتضامن التحالف، فقد أشار ميدفيديف إلى أزمة الصواريخ الكوبية في عام 1962 وهي مقارنة تقشعر لها الأبدان وتحكي الواقع الحالي.
دفاع حلف الناتو وردع روسيا هو عملية مألوفة. أساساً يرى التحالف مرة أخرى روسيا كعدو يجب احتوائه. ومع ذلك، خيار الحوار أقل وضوحاً. فروسيا والغرب بالكاد يخاطبان بعضهما البعض. والغرب ينتظر أن يقوم مزيج من مشاكل الاقتصاد الروسي الهيكلية وانخفاض أسعار النفط والسلع والعقوبات الغربية بلدغ موسكو بقوة كافية لجعلها تغير مسارها وتوقف طموحاتها الضخمة والتي عفا عليها الزمن. ويدرك الكرملين أن مثل هذا الاستسلام من شأنه أن يؤدي إلى انهيار النظام الروسي وربما الدولة الروسية أيضاً. والأوكرانيون يتطلعون قدماً لهذا الاحتمال.
في الظروف الحالية، ما يزال منع الحروب هو البند الكبير الوحيد على أجندة الحوار بين روسيا والناتو. وعندما يستكمل اجتماع الناتو مع روسيا والذي توقف في عام 2014، يجب تحويل أداة التعاون هذه إلى آلية لإدارة الأزمات. وستكون مهمتها الجديدة تفادي الحوادث الخطيرة في الجو والبحر، والتأكد من عدم اعتبار المناورات العسكرية المفاجئة تحضيراً للهجوم، والتأكد من عمل قنوات التواصل بشكل صحيح لتجنب سوء الفهم المأساوي.
في السنوات التسع التي تفصل بين ظهور بوتين وميدفيديف في مؤتمر الأمن في ميونيخ، شهد المناخ الاستراتيجي بين روسيا والغرب تغييراً جذرياً.
تعليقات