جيش النظام.. ميدان تنافس إيراني روسي يتحول لصدام بين ماهر الأسد والنمر

في الوقت الذي تحث فيه موسكو كلاً من نظام بشار الأسد، وتركيا، على التعاون لإحياء اتفاق "أضنة"، تواجه العلاقات الإيرانية الروسية في سوريا تحديها التالي، من خلال صدام المصالح والتنافس بين القوتين الحليفتين للنظام.
ولطالما كان هنالك اختلاف في وجهات النظر بين إيران وروسيا حيال ما ينويان فعله في سوريا، ويرى تقرير نشره موقع "المونيتور"، أمس الأربعاء، وترجمته "السورية نت" أن الخلافات بين طهران وموسكو التي كان طابعها سياسي، وصلت إلى حد العسكرة، بحيث أصبحت مؤثرة على مستقبل جيش النظام والميليشيات المساندة له.
السماح بضرب إيران
وفي الخامس والعشرين من يناير/ كانون الثاني 2019، عبّرت روسيا صراحة وبطريقة رسمية وملفتة للنظر، عن أنها لا تعتبر نفسها حليفة لإيران في سوريا، وهو ما قاله نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، موضحاً أن الروس والإيرانيين يعملون معاً في سوريا ولكنهم ليسوا حلفاء.
وجاء هذا التصريح، بعد غارات إسرائيلية استهدفت مواقع لميليشيات إيرانية في سوريا، وبينما كانت طهران منزعجة من هذه الضربات وعدم تحرك الروس لمنعها، قال ريابكوف إن "روسيا تدرك أهمية الحفاظ على أمن إسرائيل".
في مقابل هذا التصريح الروسي، قال عضو لجنة السياسة الخارجية البرلمانية الإيرانية، حشمة الله فلاحت بيشه، إن "الجيش الإسرائيلي قد يكون لديه نظام للتنسيق مع بنى أنظمة الدفاع الجوي الروسية".
Novaya Gazeta، وهي صحيفة روسية شهيرة، قدمت وجهة نظرها الخاصة عن تصريح ريابكوف، وقالت إن روسيا وإيران "قررتا التنافس علناً على احتكار الشرق الأوسط بأكمله".
وقبل ذلك، عبّر الإيرانيون عن استيائهم من نقص حماية المنشآت العسكرية لنظام الأسد، وكذلك نقص الدعم الجوي الروسي للعمليات في ضواحي حلب عام 2016 والبوكمال عام 2018.
وتم إيصال هذه المخاوف من خلال القنوات الخاصة والمحادثات الشخصية، وبحسب تقرير "المونيتور"، فإن ما "تم الإفصاح عنه في المحادثات الخاصة هو كيف أن روسيا أكدت للأطراف الإقليميين أنها تبذل جهودها لتقييد أفعال طهران في سوريا".
تقييد طموحات إيران
ونقل موقع "المونيتور" عن مصادر عسكرية روسية - لم يسمها - قولها إنه "منذ أن بدأ المختصون الروس بمساعدة دمشق على تعزيز فعالية دفاعها الجوي وتحضيرهم لنقل إدارة أنظمة S-300 إلى السوريين، أصبحت أي ردود فعل سورية أو روسية على النشاطات الإسرائيلية مسألة خطيرة".
وبالنسبة لموسكو قد تصبح هذه المشكلة معقدة للغاية، هذا إن لم تكن عصية على الحل، حتى مع الأخذ بعين الاعتبار الاهتمام الواضح لروسيا بتقييد الطموحات الإيرانية من خلال العمليات الإسرائيلية.
ورسمياً، تشدد روسيا على إبعاد نفسها عن الصراع الإقليمي وتحمي فقط منشآتها الخاصة، وتعتبر دعمها لقوات الدفاع الجوي لنظام الأسد كإجراء لإعادة فرض سيادة البلاد، وفي هذا الخصوص، سيُسمح لها تجهيز أنظمة S-300 ودمج الدفاعات الجوية للنظام فيما يشبه بنية موحدة للحفاظ عليها.
وبينما أصبحت الميليشيات المدعومة من إيران هدفاً للطائرات الإسرائيلية، تحدث التقرير عن أن بعض القادة العسكريين في قوات الأسد، باتوا مترددين بمنح القوات الإيرانية والميليشيات الشيعية المرتبطة بها إمكانية الدخول لقواعدهم الجوية خشية استهدافهم بالهجمات الإسرائيلية.
ونقل "المونيتور" عن مصادره، قولها إنه قبل الضربات الإسرائيلية الأخيرة، طلب "الممثلون الروس من إسرائيل تجنب قصف المنطقة المحيطة بالمطار، لأنها كانت ستعيق عملية إعادة الإعمار. وذلك بينما كان مسؤولو الملاحة الجوية من البحرين والإمارات العربية المتحدة يقومون بتقييم آفاق إعادة توجيه الرحلات إلى دمشق، كما درس المقاولون الروس الاستثمار في بناء محطة جديدة".
صدام عسكري
ومن جانبها لا مصلحة لطهران بتأجيج الصراع أكثر، وعلى الأرجح أن تخفي تجهيزاتها العسكرية من خلال المشاريع الاقتصادية، فعلى سبيل المثال، أنشأ الإيرانيون "منطقة أمنية" فعلية حول دمشق، من خلال شرائهم للعقارات في المنطقة، وتمكنت قوات "الحرس الثوري" من تقوية موقعها حول حمص، حيث تنقب شركة Stroytransgaz الروسية عن الفوسفات وتنقله إلى اللاذقية بالسكة الحديدية.
وفي أثناء ذلك، تبني روسيا أيضاً مناطق نفوذها الخاصة، على الرغم من أنها اختارت مناطق أخرى، خاصة حول قاعدتي طرطوس وحميميم، وكذلك منطقة خفض التصعيد في إدلب.
وهذا التنافس الروسي الإيراني، أدى إلى مواجهات دامت لعشرة أيام، بين قوات "الفرقة الرابعة" التي يقودها ماهر الأسد وميليشيا "الدفاع الوطني" التي تتلقى دعماً من إيران من جهة، وبين "الفيلق الخامس"، وقوات "النمر" التي يقودها العميد سهيل الحسن من جهة ثانية، وتركزت المواجهات في منطقة سهل الغاب بحماه وسط سوريا.
وبحسب صحيفة Novaya Gazeta فإن الصدام بين ماهر الأسد، وسهيل الحسن، قد يكون فيه بالفعل مكون روسي، بالإضافة إلى الخصومة المحلية ومصالح الأعمال.
من يكسب الجيش؟
ويُعد جيش الأسد أحد ميدان التنافس بين إيران وروسيا، فموسكو قلقة بشدة، وتنوي إصلاح القوات العسكرية المؤيدة للنظام والكيانات العسكرية الأخرى، وكذلك لديها رغبة بكبح الفساد، وتقييد الأطراف المؤيدة لإيران.
وكانت موسكو قد طلبت من نظام الأسد مؤخراً، إنشاء لجنة للتفتيش مختصة بمنع الفساد بين قوات الجيش، وأكثر من هذا، فقد أصبح ضباط روس يتولون مسؤولية تفتيش قواعد عسكرية للنظام منذ صيف عام 2018.
وقالت مصادر عسكرية لـ"المونيتور" إنه خلال حملة في منطقة خفض التصعيد الجنوبية الشرقية، توضح بشكل خاص الخلاف بين "الفرقة الرابعة" والقوات الروسية.
ولفترة من الزمن كانت "الفرقة الرابعة" كياناً كبيراً جداً، متمكناً من تغطية البلد بأكمله، وضم جماعات شيعية مثل لواء "الإمام الحسين"، ولواء "سيف المهدي". وفي البداية رفضت الميليشيات المؤيدة لإيران التي ترتدي رموز "الفرقة الرابعة" مغادرة الأماكن الخاضعة لسيطرة روسية حسبما هو مدرج في الاتفاقيات الروسية الإسرائيلية.
ثانياً، منع ضباط موالون لإيران مقاتلين سابقين من المعارضة جاهزين "للمصالحة" في جنوب سوريا، من الانضمام إلى "الفيلق الخامس" المدعوم روسيا، ولعب العقيد غيث دلا التابع لماهر الأسد دوراً هاماً في هذه العملية.
وبحسب ما نقل موقع "المونيتور" عن مصادره العسكرية، فإن "الضغط الروسي في ربيع عام 2018، أجبر ماهر الأسد عن التخلي عن قيادة المعركة في الغوطة الشرقية ضد المعارضة، لصالح سهيل الحسن".
ونُشرت مؤخراً صور أظهرت تدريب المستشارين الروس لفصيل "القدس" الفلسطيني، الذي يُعرف باسم "لواء القدس" في حلب، ما يؤشر إلى محاولات موسكو للسيطرة على الفرق الشبه عسكرية.
وأشار مدون روسي مشهور، إلى أن مقاتلي "لواء القدس" من غير المرجح أن يعودوا للحياة المدنية، وأنه "من الواضح للغاية أنهم سيعملون بمجال الأمن حينما تنتهي الحرب".
وتعليقاً على ذلك، قال تقرير "المونيتور": "يتضح أن محاولات موسكو لوضع سيناريو ما بعد الصراع في سوريا جعلتها تدرك أهمية دعم المؤسسات السورية والجماعات المجتمعية المختلفة – على الأقل كطريقة للتوصل للاتفاقيات حول عملية إعادة الإعمار مع الأطراف الإقليميين. ولكن بالكاد يستطيع المرء معرفة ما إن كانت روسيا قد تمكنت حقاً من إنشاء أساس قوي بما يكفي من الجماعات العلوية والسنية قوي للاعتماد عليه للمدى البعيد".
اقرأ أيضاً: تجدد القتال بين قوات ماهر الأسد و"النمر".. صراع نفوذ ينسف الاتفاق بينهما