Deprecated: The each() function is deprecated. This message will be suppressed on further calls in /home/alsouria/public_html/archive/includes/menu.inc on line 2396

Deprecated: implode(): Passing glue string after array is deprecated. Swap the parameters in /home/alsouria/public_html/archive/sites/all/modules/gmap/lib/Drupal/gmap/GmapDefaults.php on line 95

Warning: A non-numeric value encountered in /home/alsouria/public_html/archive/sites/all/modules/context/plugins/context_reaction_block.inc on line 587

Deprecated: implode(): Passing glue string after array is deprecated. Swap the parameters in /home/alsouria/public_html/archive/includes/common.inc on line 394
حين عاد قتلة الحسين إلى "حضن الوطن" (1-2) | السورية نت | Alsouria.net

حين عاد قتلة الحسين إلى "حضن الوطن" (1-2)

المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

28/9/2017
السورية نت
المؤلف: 

لا شك أن استشهاد الحسين بن علي رضي الله عنهما كان لحظة مفصلية في التاريخ الإسلامي، وكانت موقعة كربلاء المأساوية إحدى أكثر الأحداث تأثيراً على تاريخنا و حاضرنا ومستقبلنا، فهي لا تقل مفصلية عن معركة بواتيه أو عين جالوت وغيرهما من المعارك المفصلية.

ولقد كان للثورة السورية الدور الأبرز في أيامنا هذه الذي أعاد صدى تأثير تلك الموقعة بل أصبحت ملابساتها هي البارامترات التي تشكل محددات الصراع الدائر منذ ست سنوات بين النظام والمليشيات الشيعية المساندة له وبين فصائل المعارضة المسلحة، في هذه المقالة المطولة سنحاول التقصي عن حقائق تاريخية تثبت كذب ادعاءات تلك المليشيات الحاقدة التي تحولت إلى فرق موت ودمار في بلادنا، وسنثبت أن الحركات المتطرفة الشيعية كانت سابقة في الإسلام، لا بل سنثبت أن هؤلاء كانوا هم المجرمين الغادرين بحق الحسين رضي الله عنه وبحق أبيه وبحق أمة بكاملها.

ونحن إذ نتحدث بحقائق تاريخية تخص الشيعة فلا بد أن نوضح أن تسمية الشيعة جاءت من الأصل اللغوي الذي هو المشايعة أي من الاتباع والانحياز، ومنه قول "تشييع الجنازة" أي اتباعها والسير معها، فالشيعة تسمية تخص أولئك الأشخاص الذين زعموا اتباعهم وانحيازهم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وانضوائهم تحت رايته، فهي في الأساس ليست مذهباً دينياً بل كانت انحيازاً سياسياً عسكرياً ثم تم إضفاء الطابع الديني الإيديولوجي عليه، وقد أطلق تاريخياً عليهم لقب الرافضة في أدبيات التراث الإسلامي وسنعلم سبب إطلاق هذه التسمية عليهم لاحقاً.

يساند النظام في حربه على الثورة السورية أكثر من 60 مليشيا شيعية متعددة الجنسيات منها عراقية ولبنانية وأفغانية وإيرانية يجمعها جامع واحد هو الانتماء الطائفي الشيعي، ودافعهم هو إيديولوجيا بنيت على مزاعم تاريخية مضللة في كثير من الأحيان تعود بالأساس إلى كربلاء.

كربلاء، يوم عاشوراء حين سقط الحسين مجندلاً مخضباً بدمائه، كانت قد مضت سنوات عديدة على سلسلة أحداث كان المحرك  فيها ذات الأشخاص، الذين غدروا بالحسين وبأبيه من قبل وصولا لغدرهم الأول بقتل عثمان بن عفان.

قتلة عثمان رعيل الشيعة الأول

 من يقرأ التاريخ يعلم جيداً أن من قتلوا عثمان بن عفان رضي الله عنه، انضووا تحت لواء زعموا فيه نصرتهم لآل البيت وهم في الحقيقة كان لهم مآرب أخرى، ولم يكتفوا يومها بقتل عثمان بل حتى نهبوا ماله وتحرشوا بزوجته بعد أن قطعوا أصابعها، ودنسوا المصحف بين يدي عثمان.

 يقول المؤرخ ابن كثير في كتابه البداية والنهاية في وصف قتل عثمان: " تقدم الغافقي بن حرب إليه فضربه بحديدة في فيه ورفس المصحف بين يديه برجله فاستدار المصحف ثم استقر بين يدي عثمان بن عفان رضي الله عنه وسالت عليه الدماء ثم تقدم سودان بن حمران بالسيف فمانعته نائلة –زوجة عثمان- فقطع أصابعها فولت فضرب عجيزتها بيده وقال إنها لكبيرة العجيزة وضرب عثمان فقتله" ثم يتابع المؤرخ في وصف ما حدث من نهب وسلب لبيت عثمان فيقول " وجعلوا لا يمرون على شيء إلا أخذوه حتى استلب رجل ملاءة نائلة"

قتل عثمان خليفة المسلمين، وهؤلاء هم الرعيل الأول الذي أسس للتوجه الشيعي الذي تخفى تحت ستار حب آل البيت، وتجلت أول موبقاتهم في موقعة الجمل.

موقعة الجمل أولى موبقات الشيعة

 قبيل موقعة الجمل كان جميع الأطراف يسعون لإنصاف عثمان من قتلته، ولكن قتلة عثمان انضووا وتخفوا في صفوف أتباع علي بن أبي طالب رضي الله عنه الخليفة الشرعي الذي بايعه عامة المسلمين، و هؤلاء القتلة تولى كبرهم عبد الله بن سبأ، فكان ما كان من خروج عائشة رضي الله عنها ومعها طلحة والزبير وجمع من المسلمين يطلبون الأخذ بحق عثمان والقصاص من قتلته، وكانت وجهة نظر الخليفة علي بن أبي طالب التريث في الأمر ريثما تستقر الأمور، وبالفعل توصل طرفا الخلاف علي وعائشة ومعها طلحة والزبير لموقف واحد لخصته عبارة (ما نريد إلا الإصلاح بين الناس) فبعد أن أرسل علي بن أبي طالب موفده القعقاع إلى عائشة يسألها عن موقفها يسرد لنا ابن كثير في البداية والنهاية التفاصيل قائلاً:

" فقال القعقاع إني سألت أم المؤمنين ما أقدمها فقالت إنما جئت للإصلاح بين الناس فقالا –أي طلحة والزبير- ونحن كذلك، فقال القعقاع :فأَخبِرانِي ما وجه هذا الإصلاح؟ وعلى أي شيء يكون؟ فو الله لئن عَرَفْنَاهُ لنصطلحن، ولئن أنكرناه لا نصطلح، قالا: قتلة عثمان فإن هذا إن ترك كان تركا للقرآن"

ثم يطرح القعقاع موقف علي بن أبي طالب في ذلك فيقول: " علي أعذر الآن في تركه قتل قتلة عثمان وإنما أخر قتلهم إلى أن يتمكن منهم، فان الكلمة في جميع الأمصار مختلفة"  (البداية والنهاية)

وبعد مناقشة موضوعية وطرح للأفكار توصل الطرفان لموقف واحد واجتمعت كلمتهم ولكن هذا الموقف ساء قتلة عثمان، فسعوا بكل حيلة لإفشال هذا التوافق واجتمع قتلة عثمان وليس فيهم صحابي واحد وبدؤوا يناقشون الموقف، فقال قائلهم لئن اتفقوا فلقد اتفقوا على دمائكم، يقول ابن كثير في البداية والنهاية: " اجْتَمَعَ مِنْ رُءُوسِهِمْ جَمَاعَةٌ كَالْأَشْتَرِ النَّخَعِيِّ، وَشُرَيْحِ بْنِ أَوْفَى، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَبَأٍ المعروف بابن السوداء، وسالم بن ثعلبة، وغلاب بْنِ الْهَيْثَمِ، وَغَيْرِهِمْ فِي أَلْفَيْنِ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَلَيْسَ فِيهِمْ صَحَابِيٌّ وللَّه الْحَمْدُ، فَقَالُوا: مَا هَذَا الرأي وَإِنَّمَا يُرِيدُ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ أَنْتُمْ، فَكَيْفَ بِكُمْ وَعَدَدُكُمْ قَلِيلٌ فِي كَثْرَتِهِمْ؟ فَقَالَ الْأَشْتَرُ: قَدْ عَرَفْنَا رَأْيَ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ فِينَا، وَأَمَّا رَأْيُ عَلِيٍّ فَلَمْ نَعْرِفُهُ إِلَى الْيَوْمِ، فَإِنْ كَانَ قَدِ اصْطَلَحَ مَعَهُمْ فَإِنَّمَا اصْطَلَحُوا عَلَى دِمَائِنَا"

وأكثر ما يؤكد أن زعمهم حب آل البيت كان ادعاءً لا أكثر ما ذكره الأشتر النخعي في ذلك التداول فدعى لاغتيال علي بن أبي طالب! ولكن عرّاب الشيعة سفه رأيه لا حباً بعلي ولكنه سعى لأمر أكثر خبثاً ألا وهو حماية أنفسهم عن طريق إضرام نار الفتنة وهو ما كان فاتفقوا أن ينشبوا الحرب بين الطرفين في الغلس أي قبل طلوع الضوء فيقتلوا من أصحاب علي ومن أصحاب عائشة في ذات الوقت فيظن كل طرف أن الآخر قد غدر وتنشب الحرب :

" فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ هَكَذَا أَلْحَقْنَا عَلِيًّا بِعُثْمَانَ، فَرَضِيَ الْقَوْمُ مِنَّا بِالسُّكُوتِ، فَقَالَ ابْنُ السَّوْدَاءِ، بِئْسَ مَا رَأَيْتَ، لَوْ قَتَلْنَاهُ قُتِلْنَا، فَإِنَّا يَا مَعْشَرَ قَتَلَةِ عُثْمَانَ فِي أَلْفَيْنِ وَخَمْسِمِائَةٍ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَأَصْحَابُهُمَا فِي خَمْسَةِ آلاف، لا طَاقَةَ لَكُمْ بِهِمْ، وَهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُونَكُمْ، فَقَالَ غلاب بْنُ الْهَيْثَمِ دَعُوهُمْ وَارْجِعُوا بِنَا حَتَّى نَتَعَلَّقَ بِبَعْضِ الْبِلَادِ فَنَمْتَنِعَ بِهَا، فَقَالَ ابْنُ السَّوْدَاءِ: بِئْسَ مَا قُلْتَ، إِذًا وَاللَّهِ كَانَ يَتَخَطَّفُكُمُ النَّاسُ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ السَّوْدَاءِ قَبَّحَهُ اللَّهُ: يا قوم إن عيركم في خلطة لناس فإذا التقى الناس فانشبوا الحرب والقتال بين الناس ولا تدعوهم يجتمعون فيمن أَنْتُمْ مَعَهُ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ أَنْ يَمْتَنِعَ، وَيَشْغَلُ اللَّهُ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ وَمَنْ مَعَهُمَا عما يحبون، ويأتيهم ما يكرهون، فَأَبْصَرُوا الرَّأْيَ وَتَفَرَّقُوا عَلَيْهِ"(البداية والنهاية)

وبالفعل كان لهم ما أرادوا فقاموا بالهجوم على معسكر علي ومعسكر عائشة بذات الوقت عند الغلس قبل طلوع الشمس فظن كل فريق أن الآخر بادر بالغدر، ونشبت الحرب وسقط الكثير وتناثرت الأشلاء وصار هم الناس حماية السيدة عائشة من القتل ولكن السبئية لا يفترون عن القتل واستحر القتل وعلي رضي الله عنه يصرخ فيهم ألا كفوا ألا كفوا ونظر باكياً إلى إبنه الحسن وهو يقول ليتني مت قبل هذا! والسبئية لا يبالون، فهم يمعنون بالقتل تنفيذا لأمر بيتوه بليل، واستبسل الأبطال في الدفاع عن عائشة وما من أحد بادر ليمسك خطام جملها إلا قتل، وصار لا يجرؤ على مسك الخطام إلا كل شجاع باسل، ودارت الحرب كلها حول الجمل، فما كان من علي رضي الله عنه إلا أن فطن لأمر وهو قتل الجمل لينهي الحرب حوله، ولينقذ عائشة، وبالفعل وبعد أن سكنت الحرب، قام علي رضي الله عنه بتجهيز السيدة عائشة ليعود بها آمنة إلى المدينة، وخطبت عائشة في الناس قائلة: "يا بني لا يعتب بعضنا على بعض والله ما كان بيني وبين علي إلا كما يكون بين المرأة وأحمائها وإنه على معتبتي لمن الأخيار" فرد علي عليها "صدقت والله ما كان بيننا إلا ذلك والله إنها لزوجة نبيكم في الدنيا والآخرة"(البداية والنهاية)

ومن هنا نجد كيف أن هؤلاء السبئية أتباع عبد الله بن سبأ هم نواة الشيعة التي أضرمت الفتنة في جسد الأمة الإسلامية وأوقعت فيها الدم بدءاً بقتل عثمان رضي الله عنه وانتقالاً لسفك الدم بين المسلمين وهم الذين فرقوا المسلمين وسعوا في تمزيقهم.

من الجمل إلى صفين

لم ينته الأمر هنا بل سيكون لهؤلاء صولات وجولات كثيرة تبين مدى غدرهم وانتهازيتهم وخذلانهم، بل وصولاً بهم إلى قتل علي رضي الله عنه، فهم كانوا سبب الخلاف والفتنة بين علي رضي الله عنه ومعاوية رضي الله عنه، فمجرد اندساسهم في جيش علي رضي الله عنه كان سبب الجفاء بينه وبين معاوية وسبب الخصومة التي تجلت على أشدها في موقعة صفين، ورغم أن كل طرف كان يرى الحق في جانبه إلا أن المكروه وقع، فمعاوية صدح بأنه لا يرضى حتى يرى قتلة ابن عمه عثمان قد انتصف منهم، (على الرغم من أنه اتخذ ذلك لاحقاً مطية للوصول إلى الحكم، وما معاوية إلا بشر فيه حب السلطان كأي واحد من البشر) وعلي ما أراد إلا توحيد الصف قبل الانتصاف من القتلة، والقتلة السبئية ما أرادوا إلا استعار نار الفتنة أكثر، تلك الفتنة التي أوقدها هؤلاء بين الأخوة حتى أنك لتجد أحد الأخوين يقاتل في صفوف علي والأخ الثاني يقاتل في صفوف معاوية، وتجد أن التاريخ يخبرك فيقول: " وبارز يَوْمَئِذٍ زياد بن النضر أخا لَهُ لأمه يقال لَهُ عَمْرو بن مُعَاوِيَة بن المنتفق بن عَامِر بن عقيل- وكانت أمهما امرأة من بني يَزِيد- فلما التقيا تعارفا فتواقفا، ثُمَّ انصرف كل واحد منهما عن صاحبه، وتراجع الناس" (البداية والنهاية)

والدليل الأكثر صرامة أن هؤلاء الشيعة فرقوا الإخوة والأصحاب وأنشبوا بينهم الحرب بكيدهم أنك لتجد أبناء القبيلة الواحدة قد انقسموا بين علي ومعاوية حتى أن علي رضي الله عنه صار يطلب من أبناء كل قبيلة أن يكفوه أبناء قبيلتهم من الطرف الآخر يقول المؤرخ ابن كثير في البداية والنهاية: " وخرج إِلَيْهِ مُعَاوِيَة فِي أهل الشام، فأخذ علي يقول:من هَذِهِ القبيلة؟ ومن هَذِهِ القبيلة؟ فنسبت لَهُ قبائل أهل الشام، حَتَّى إذا عرفهم ورأى مراكزهم قَالَ للأزد: اكفوني الأزد، وَقَالَ لخثعم: اكفوني خثعم وأمر كل قبيلة من أهل العراق أن تكفيه أختها من أهل الشام"

على أن أولئك الشيعة السبئية كانوا وبالاً على علي رضي الله عنه حتى أنك لتجدهم كانوا سبب هزيمته وفساد أمره ففي الوقت الذي كان معاوية يشتد أمره بمن معه الذين كانوا صفاً واحداً بولائهم له ستجد أن شيعة علي رضي الله عنه كانوا يعصون أمره ولا يطيعونه بأي أمر ولا برأي، ويظنون به الظنون، وكان من دهاء معاوية ومن معه أنهم رفعوا المصاحف على الرماح فعلم علي أنها حيلة ومكر، فقال لشيعته لا تلتفتوا لهم فما كان من شيعته إلا أن رفضوا أمره وزعموا أنهم يجيبون لحكم الله وللقرآن.

يقول صاحب البداية والنهاية ناقلاً الجدال بين علي وشيعته: "ما رفعوها لكم إلا خديعة ودهنا ومكيدة، فَقَالُوا لَهُ: مَا يسعنا أن ندعى إِلَى كتاب اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فنأبى أن نقبله، فَقَالَ لَهُمْ: فإني إنما قاتلتهم ليدينوا بحكم هَذَا الكتاب، فإنهم قَدْ عصوا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِيمَا أمرهم ونسوا عهده، ونبذوا كتابه فَقَالَ لَهُ مسعر بن فدكي التميمي وزَيْد بن حصين الطَّائِيّ ثُمَّ السنبسي: يَا علي، أجب إِلَى كتاب اللَّه عَزَّ وَجَلَّ إذ دعيت إِلَيْهِ، وإلا ندفعك برمتك إِلَى القوم، أو نفعل كما فعلنا بابن عفان"

ونلاحظ هنا كيف أن هؤلاء الشيعة قد هددوا أميرهم وإمامهم علي بن أبي طالب بأنهم سيقتلوه كما قتلوا عثمان إن لم يطع رأيهم! وبعد ذلك قبل علي رضي الله عنه بالتحكيم مكرهاً ولما تبين لهؤلاء الشيعة أن التحكيم إنما كان مكراً من معاوية وعمرو بن العاص ما كان منهم إلا أن قالوا لعلي لقد حكمت الرجال في كتاب الله! لا حكم إلا لله! وكأنهم نسوا أنهم هم من أكرهوا علياً على التحكيم.

يقول صاحب البداية والنهاية في ذلك" أتاه رجلان: زرعة بن البرج الطَّائِيّ وحرقوص بن زهير السعدي، فدخلا عَلَيْهِ، فقالا له: لا حكم الا لله، فقال علي: لا حكم إلا لله، فَقَالَ لَهُ حُرْقُوص: تب من خطيئتك، وارجع عن قضيتك، واخرج بنا إِلَى عدونا نقاتلهم حَتَّى نلقى ربنا، فَقَالَ لَهُمْ علي: قَدْ أردتكم عَلَى ذَلِكَ فعصيتموني، وَقَدْ كتبنا بيننا وبينهم كتابا، وشرطنا شروطا، وأعطينا عَلَيْهَا عهودنا ومواثيقنا، وَقَدْ قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ:«وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ» فَقَالَ لَهُ حُرْقُوص:ذَلِكَ ذنب ينبغي أن تتوب مِنْهُ، فَقَالَ علي: مَا هُوَ ذنب، ولكنه عجز من الرأي، وضعف من الفعل، وَقَدْ تقدمت إليكم فِيمَا كَانَ مِنْهُ، ونهيتكم عنه فَقَالَ لَهُ زرعة بن البرج: أما وَاللَّهِ يَا علي، لَئِنْ لم تدع تحكيم الرجال فِي كتاب اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قاتلتك"

ونجد المفارقة بين أصحاب معاوية وشيعة علي عند الاحتكام، يصف المؤرخ في البداية والنهاية ذلك:

"بعث علي أربعمائة رجل، عَلَيْهِم شريح بن هانئ الحارثي، وبعث معهم عَبْد اللَّهِ بن عباس، وَهُوَ يصلي بهم، ويلي أمورهم، وأبو مُوسَى الأَشْعَرِيّ معهم وبعث معاويه عمرو بن العاص في أربعمائة من أهل الشام، حَتَّى توافوا بدومة الجندل بأذرح، قَالَ فكان مُعَاوِيَة إذا كتب إِلَى عَمْرو جَاءَ الرسول وذهب لا يدري بِمَا جَاءَ بِهِ، وَلا بِمَا رجع بِهِ، وَلا يسأله أهل الشام عن شَيْء، وإذا جَاءَ رسول علي جاءوا إِلَى ابن عَبَّاس فسألوه: مَا كتب بِهِ إليك أَمِير الْمُؤْمِنِينَ؟ فإن كتمهم ظنوا بِهِ الظنون فَقَالُوا: مَا نراه كتب إلا بكذا وكذا فَقَالَ ابن عَبَّاس: أما تعقلون! أما ترون رسول مُعَاوِيَة يجيء لا يعلم بِمَا جَاءَ بِهِ، ويرجع لا يعلم مَا رجع بِهِ، وَلا يسمع لَهُمْ صياح وَلا لفظ، وَأَنْتُمْ عندي كل يوم تظنون الظنون!"

قتل علي رضي الله عنه غدراً

ثم بعد ذلك نجد أن شيعة علي رضي الله عنه انشق منهم قسم سموا الخوارج لرفضهم التحكيم مع أنهم هم من أشاروا به في بداية الأمر وأعلنوا تكفيرهم لعلي لقبوله بالتحكيم، وأعلنوا الحرب عليه، بل حتى من بقي من الشيعة معه تجدهم متخاذلين لا يطيعون الأمر حتى أن علي رضي الله عنه قال في وصفهم: " الحمد لِلَّهِ عَلَى مَا قضى من أمري، وقدر من فعلي، وابتلاني بكم أيتها الفرقة ممن لا يطيع إذا أمرت، وَلا يجيب إذا دعوت، لا أبا لغيركم! مَا تنتظرون بصبركم، والجهاد عَلَى حقكم! الموت والذل لكم فِي هَذِهِ الدُّنْيَا عَلَى غير الحق، فو الله لَئِنْ جَاءَ الموت- وليأتين- ليفرقن بيني وبينكم، وأنا لصحبتكم قَالَ، وبكم غير ضنين، لِلَّهِ أنتم! لا دين يجمعكم، وَلا حمية تحميكم، إذا أنتم سمعتم بعدوكم يرد بلادكم، ويشن الغارة عليكم او ليس عجبا أن مُعَاوِيَة يدعو الجفاة الطغام فيتبعونه عَلَى غير عطاء وَلا معونة! ويجيبونه فِي السنة المرتين والثلاث إِلَى أي وجه شاء، وأنا أدعوكم- وَأَنْتُمْ أولو النهي وبقية الناس- عَلَى المعونة وطائفة مِنْكُمْ عَلَى العطاء، فتقومون عني وتعصونني، وتختلفون علي!"(تاريخ الطبري)

فما زالت الشيعة هكذا حالها حتى قتلوا علياً رضي الله عنه غيلة في صلاة الفجر قتله عبد الرحمن بن ملجم الذي صار من الخوارج بعد أن كان يزعم أنه من شيعة علي، ويكونوا بذلك قد ألحقوا علياً رضي الله عنه بعثمان رضي الله عنه كما هددوا وتوعدوا مراراً وتكراراً.

الحسن بن علي ولجوئه إلى معاوية هرباً من الغدر!

ثم جاء عهد الحسن بن علي رضي الله عنه ولم يتغير سلوك الشيعة المتلون، فهم حاولوا قتل الحسن مرة وبعدها حاولوا أسره وتسليمه لمعاوية ليحظوا عند الأخير بالمكانة، فبعد أن اجتمع للحسن جيش قوامه اثنا عشر ألفاً وكان يريد أن يقصد الشام لحرب معاوية، إذا بهؤلاء الشيعة يغدرون بالحسن ويطعنونه وينتهبون متاعه،  وقد كان سعد بن مسعود عامل الحسن بن  علي بن أبي طالب على المدائن وكان له ابن أخ يسمى المختار بن أبي عبيد سيصبح لاحقاً من كبار كهنة الشيعة والمدعين حب آل البيت لكنه الآن يراود عمه مسعود أن يأسر الحسن ويسلمه لمعاوية ليكون له المكانة والصلة يقول صاحب البداية والنهاية" فَأَمَرَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ قَيْسَ بْنَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ عَلَى الْمُقَدِّمَةِ فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَسَارَ هُوَ بِالْجُيُوشِ فِي إِثْرِهِ قَاصِدًا بِلَادَ الشَّامِ لِيُقَاتِلَ مُعَاوِيَةَ وَأَهْلَ الشَّامِ فَلَمَّا اجْتَازَ بِالْمَدَائِنِ نَزَلَهَا وَقَدَّمَ الْمُقَدِّمَةَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَبَيْنَمَا هُوَ فِي الْمَدَائِنِ مُعَسْكِرٌ بِظَاهِرِهَا، إِذْ صَرَخَ فِي النَّاسِ صَارِخٌ: أَلَا إِنَّ قَيْسَ بْنَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ قَدْ قُتِلَ. فَثَارَ النَّاسُ فَانْتَهَبَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، حَتَّى انْتَهَبُوا سُرَادِقَ الْحَسَنِ. حَتَّى نَازَعُوهُ بِسَاطًا كَانَ جَالِسًا عَلَيْهِ، وَطَعَنَهُ بَعْضُهُمْ حِينَ رَكِبَ طَعْنَةً أَشْوَتْهُ، فَكَرِهَهُمُ الْحَسَنُ كَرَاهِيَةً شَدِيدَةً، ثُمَّ رَكِبَ فَدَخَلَ الْقَصْرَ الْأَبْيَضَ مِنَ الْمَدَائِنِ فَنَزَلَهُ وَهُوَ جَرِيحٌ، وَكَانَ عَامِلَهُ عَلَى الْمَدَائِنِ سَعْدُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ، أَخُو أَبِي عُبَيْدٍ صَاحِبِ يَوْمِ الْجِسْرِ، فَلَمَّا اسْتَقَرَّ الْحَسَنُ بِالْقَصْرِ قَالَ الْمُخْتَارُ بْنُ أَبَى عُبَيْدٍ، قَبَّحَهُ اللَّهُ، لِعَمِّهِ سَعْدِ بْنِ مَسْعُودٍ: هَلْ لَكَ فِي الشَّرَفِ وَالْغِنَى؟ قَالَ: وَمَاذَا؟ قَالَ: تَأْخُذُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ فَتُقَيِّدُهُ وَتَبْعَثُ بِهِ إِلَى مُعَاوِيَةَ. فَقَالَ لَهُ عَمُّهُ: قَبَّحَكَ اللَّهُ وَقَبَّحَ مَا جِئْتَ بِهِ! أَأَغْدِرُ بِابْنِ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ !"

 وهذه التصرفات الغادرة هي ما دفعت الحسن رضي الله عنه أن يبادر بالصلح مع معاوية وينهي الخلاف معه، وبالفعل كان ذلك وقد أعطاه معاوية كل شروطه وتم الصلح وسمي ذلك العام عام الجماعة لأنه جمع كلمة المسلمين، وقد قال الحسن بن علي رضي الله عنه في ذلك: " يَا أهل العراق، إني سخي بنفسي عنكم ثلاث: قَتْلُكُمْ أَبِي، وَطَعْنُكُمْ إِيَّايَ، وَانْتِهَابُكُمْ مَتَاعِي"(البداية والنهاية)

فإذا كان الحسن بن علي رضي الله عنه صالح معاوية لما علم من غدر الشيعة فماذا يقول رجل مثل زياد بن أبيه وهو كان أحد ولاة علي بن أبي طالب رضي الله عنه حيث إنه ولاه البصرة ومن ثم ولاه بلاد فارس، وزياد بن أبيه ربما يفاجئ شيعة اليوم إذا علموا أنه كان ولداً غير شرعي لأبي سفيان من أيام الجاهلية حيث إن أبا سفيان كان قد زنا بجارية اسمها سمية فولدت له زياداً وكان الرجال لا ينسبون ابن الزنا لهم فضلا عن ابن الجارية، ولذلك يسمى زياد بن أبيه، ولكنه كان أحد رجال علي بن أبي طالب الأقوياء وكان داهية حتى تم تصنيفه من دهاة العرب، وكان مخلصاً لعلي فلما رأى أن الحسن قد صالح معاوية ظل بعدها سنة ممتنعاً عن صلح معاوية في قلعة سميت قلعة زياد وبعدها ذهب إلى معاوية وصالحه فأكرمه معاوية حتى قبل أن يعرف أنه أخاه، بل أكرمه لدهائه وإخلاصه وولاه العراق، ولما علم أنه ابن أبي سفيان استلحقه بالنسب وصار اسمه زياد ابن أبي سفيان.

يتبع (الحسين شهيد الغدر والخذلان)

تعليقات