خطة إيران لبسط النفوذ على جنوب سوريا: البحث عن تأثير طويل الأمد هناك

أمجد العساف - خاص السورية نت
بعد سيطرة قوات نظام بشار الأسد، وميليشيات أجنبية مساندة له، على المنطقة الجنوبية من سوريا في يوليو/ تموز الماضي، بدأت ميليشيات مدعومة من إيران بتنفيذ خطة تقضي بزيادة نفوذ طهران بالمنطقة، مستخدمة بذلك أساليب عدة بينها التشيع.
وتُعتبر منطقة جنوب سوريا عمقاً استراتيجياً لوجود الميليشيات المدعومة من طهران داخل سوريا، وذلك بسبب موقعها الجيوسياسي، لكونها ملاصقة للجزء المحتل لهضبة الجولان من قبل إسرائيل، بالإضافة إلى قربها من الأردن.
وتسعى إيران حالياً عبر وكلائها في المنطقة إلى تنفيذ خطة ترسيخ النفوذ، عبر تجنيدها العديد من شبان قرى وبلدات درعا والقنيطرة في صفوف ميليشياتها، فضلاً عن سعيها الدؤوب لكسب ود شيوخ العشائر، ورجال الدين، عبر وعود بمكاسب تتمثل بحصولهم على سلطة في المنطقة الجنوبية، وأخرى مادية بتقديم أموال طائلة لهم مقابل الولاء المطلق لإيران.
التشيع مقابل الحماية والمال
وقالت مصادر محلية في درعا، في تصريحات منفصلة لـ"السورية نت"، طلبت عدم الكشف عن اسمها حفاظاً على سلامتها، إن قادة من ميليشيا "حزب الله" اللبناني، و"لواء الإمام الحسين"، وميليشيا "القوة الجعفرية العراقية" زدات من نشاطها خلال الأسابيع الأخيرة في الجنوب السوري.
وزار وفد من تلك الميليشيا مدينة الحارة شمال درعا منتصف سبتمبر/ أيلول الماضي، والتقى الوفد بمحمد علوش، رئيس المجلس العسكري للمدينة سابقاً والذي قام بعقد اتفاق مصالحة وتسوية مع النظام.
وحضر اللقاء العديد من الشخصيات العشائرية، والدينية في المدينة، وخلال اللقاء عرض وفد الميليشيات المدعومة إيرانياً، إعادة ترميم 8 من مدارس المدينة التي لحق بها الدمار، بالإضافة لحفر عدد من آبار المياه على نفقة تلك الميليشيات، بينما اشترط وفد الميليشيات تطويع عدد من شبان البلدة في صفوفهم لحمايتها على حد قولهم.
وعلمت "السورية نت" من مصادر في مدينة الحارة، أن مشاورات أُجريت بين عشائر المدينة لبحث تشكيل قوة تتبع لتلك الميليشيات، والقبول بالعرض المقدم، وأكدت المصادر ذاتها أن اجتماعاً جرى الأسبوع الماضي بين عدد من وجهاء العشائر، وأحد قادة ميليشيا لواء "الإمام الحسين" للبدء بإجراءات تشكيل الميليشيا.
وبحسب المعلومات، فإن الميليشيا المتوقع إنشاؤها ستضم نحو 70 من شبان المدينة المتخلفين عن الخدمة العسكرية، وعناصر سابقين في قوات المعارضة، ومقابل الانضمام للميليشيا عرضت شخصيات مدعومة من إيران، منح رواتب مغرية تصل لنحو 500 دولار أمريكي للعنصر الواحد، و سيتم بناء مقرات لهم في تل الحارة بالقرب من المدينة، على أن تقتصر مهمتهم على نشر حواجز أمنية على أطراف المدينة.
ويبدو أن محاولة الميليشيات المدعومة من إيران، بتجنيد المزيد من شبان الجنوب بطرق مختلفة، لا تشير إلى نية تلك الميليشيات زج أولئك المتطوعين في المعارك، والعمليات القتالية التي تخوضها تلك الميليشيا في البادية السورية ضد تنظيم "الدولة الإسلامية".
بل يُعد هدفها الرئيسي بناء قاعدة شعبية لوجودها في الجنوب عبر متطوعين يحصلون على صلاحيات واسعة تفوق صلاحيات الفروع الأمنية التابعة للنظام، بالإضافة لمغريات أخرى، وتسعى إيران من ذلك إلى زيادة أعاد المتشيعين لإحداث تغيير ديموغرافي على المدى الطويل لبيئة الجنوب السوري.
الحوزات الشيعية: الأصول والتمدد
ويعود النشاط الإيراني في منطقة الجنوب السوري إلى ما قبل العام 2011، وفي تلك الفترة برزت جمعية "المرتضى" الشيعية، التي أسسها جميل الأسد شقيق حافظ.
واستطاعت الجمعية تشييع العديد من العائلات في قرى و بلدات درعا، وقبل بدء الثورة في سوريا منتصف مارس/ آذار 2011، بنت إيران عدداً من الحوزات العلمية الشيعية، والحسينيات.
ومن أبرز تلك الحسينيات وأكثرها جدلاً، حسينية علي بن ابي طالب في مدينة درعا المحطة، والتي كانت سابقاً أحد أبرز مساجد السنة في المدينة، وتحوّلت إلى حسينية في العام 2005، بأمر مباشر من اللواء رستم غزالة، والذي كان يشغل حينها منصب قائد الاستخبارات في لبنان قبيل الانسحاب السوري من لبنان.
وحضر تحويل المسجد آنذاك إلى حسينية، حسن فضل الله المرجع الشيعي الأعلى في لبنان، بالإضافة للواء غزالة، وعدد من رجال الدين السنة في درعا، وعدد من أعضاء مجلس الشعب بينهم محمد حبش.
توسع في المشاريع
وفي الوقت الحالي، وبعد عودة النظام والميليشيات المساندة له إلى الجنوب السوري، وتمددها عسكرياً هناك، أصبح بناء الحوزات، والحسينيات ظاهراً بشكل واضح، دون أن يتمكن السكان من مناهضتها أو الاعتراض عليها بسبب القبضة الأمنية التي يوفرها نظام الأسد لتلك الميليشيات، وتقاعس الروس عن الالتزام بتعهداتهم بكف يد تلك الميليشيات عن الجنوب.
ومن أبرز مشاريع الحوزات والحسينيات التي تعمل ميليشيات إيران على إنشائها حالياً، مشروع "حسينية بلدة بئر السبيل"، الواقعة أقصى شمال محافظة درعا على الاوتستراد القديم الواصل بين محافظتي درعا ودمشق.
وقامت المستشارية الإيرانية بدمشق، وبدعم وحماية من ميليشيا "حزب الله" اللبناني ببناء حسينية، ومزاراً في أحد المواقع القريبة من البلدة، وتم إنشاء بناء مكون من طابقين في تلك التلة القريبة من البلدة تزوره وفود عراقية وإيرانية ولبنانية، ويخضع المكان لحراسة مشددة من "الحرس الجمهوري" التابع للنظام، بينما يزوره وفد من المستشارية الإيرانية بين فترة و أخرى.
وليس ببعيد عن بلدة بئر السبيل، ففي أقصى الشمال الغربي لمحافظة درعا عرض قادة من ميليشيا لواء "الإمام الحسين" على وجهاء مدينة الحارة بناء حوزة علمية لتعليم الأطفال، وبرروا ذلك بضرورة "الحفاظ على الأطفال من الفكر المتطرف"، على حد وصفهم.
لكن العديد من سكان البلدة ذات الطابع السني يعتقدون أن بناء مثل تلك الحوزة في المدينة قد يمهد لعمليات تشيع كبيرة قد تحصل خصوصاً مع تجنيد ذات الميليشيا لعشرات من شبان المدينة في صفوفها.
ويبدو أن أطماع إيران في الجنوب السوري بدأت تأخذ منحى آخر بعيداً عن وجودها العسكري، الذي ربما يتعارض مع المصالح الإقليمية لإسرائيل والأردن، حيث انتهجت في سياستها الجديدة إيجاد بديل لوجودها العسكري من السكان المحليين، وبدأت بنشر التشيع حفاظاً على موطئ قدم لها في المنطقة إذا ما أرغمت على الخروج عسكرياً من هناك يوماً ما.
اقرأ أيضاً: نقاط ضعف في إس 300 التي سلمتها روسيا للأسد.. لماذا سيبقى النظام عرضة للضربات؟