دور اللوبي الإيراني في صياغة السياسة الأميركية

المواد المنشورة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت
في أوائل التسعينات وقعت حكومة هاشمي رفسنجاني اتفاقاً مبدئياً مع شركة النفط الأميركية "كونوكو" لتنفيذ مشروع في إيران، واعتبرت شركات النفط الكبرى في الولايات المتحدة آنذاك أن هذه الصفقة تمثل إشارة إيجابية من طهران وشرعت على إثرها في الإعداد لحملة تهدف إلى كسب تعاطف الرأي العام الأميركي مع إمكانية تعامل الإدارة الأميركية مع إيران.
وعلى إثر ذلك عقد هوشنك أمير أحمدي، الأستاذ في جامعة روتجرز الذي كان يعمل سابقاً مع الحكومة الإيرانية، سلسلة مؤتمرات بين إيران والولايات المتحدة لتعزيز الصداقة بين البلدين.
ومن المعلوم أن "مشروع الخليج 2000" عام 1993 كان ثمرة هذه الخطوة، حيث حظي المشروع بتمويل النفط الأميركية. وفي هذه الأثناء بدأت تتشكل مجموعات ضغط نشطة في واشنطن لدفع الإدارة الأميركية لتغيير موقفه من إيران، ومن أبرز هذه المجموعات:
1. مندوبي شركات النفط الأميركية الكبرى
في عام 1997 بادر محمد خاتمي إلى تبني برامج تهدف لتليين المواقف الغربية تجاه بلاده والحد من العقوبات المفروضة عليها، واغتنم أصحاب المصالح التجارية الأميركية هذه الفرصة.
وأوضح غاري سيك، شريك أمير أحمدي والموظف السابق في البيت الأبيض، في مقابلة عام 1997 بأنه يبدو أن كبار خبراء السياسة الخارجية للولايات المتحدة يتفقون معي وعلى رأسهم هنري كيسنجر على إعادة بناء العلاقات بين أميركا وإيران.
2. المجلس الأميركي-الإيراني
أسس هوشنك أمير أحمدي في عام 1997 في الولايات المتحدة منظمة تسعى إلى رفع العقوبات عن طهران، وأطلق عليها اسم: "المجلس الأميركي الإيراني"، وكانت تمثل في حقيقة الأمر توجه شركات النفط الأميركية الكبرى للتعاون مع إيران ورفع العقوبات الاقتصادية عنها، وشمل المجلس الأميركي-الإيراني في عضويته دبلوماسيين أميركيين سابقين ومديرين تنفيذيين في قطاع النفط بما في ذلك شركة هاليبرتون، وشيفرون، واكسون موبيل، وغيرها من الشركات. وفي الوقت نفسه، تلقى رئيس المجلس الأميركي الإيراني أمير أحمدي الدعم السياسي والمالي من طهران وقد صرح علناً بأن المجلس الأميركي الإيراني هي منظمة ضغط نيابة عن إيران.
وقد اهتمت إدارة كلينتون بالرئيس السابق محمد خاتمي، ووجدت حملة المجلس الأميركي الإيراني آذاناً صاغية في واشنطن. بحيث أصبح المجلس مركز ثقل فيما يتعلق بالشؤون الإيرانية خلال الفترة: 1997-2001، وأكد عضو هيئة الأمن القومي في البيت الأبيض خلال فترة الرئيس كلينتون، وجود محاولات أميركية لصياغة صفقة كبرى مع طهران.
وقد تلقى المجلس الأميركي الإيراني دعماً مالياً سخياً من شركات النفط الأميركية. كما يتلقى المجلس دعماً من النظام الإيراني من خلال مؤسسة "علوي" Alavi وهي منظمة خاصة غير ربحية تأسست في عام 1973 مقرها نيويورك، وهي مكرسة للترويج ودعم الثقافة الإسلامية واللغة الفارسية وآدابها وحضارتها. وفي حين مثل المجلس المجموعة الإيرانية الأقوى في السياسة الأميركية على مدى السنوات الخمس الماضية (قبل 2001)، إلا أن المنظمة فقدت الكثير من مصداقيتها بسبب علاقات أمير أحمدي الوثيقة مع معسكر المحافظين في طهران.
3. رابطة التجارة الإيرانية
تأسست رابطة التجارة الإيرانية عام 1997 بهدف التأثير على السياسة الأميركية والعمل على دفعها لإلغاء العقوبات ضد إيران، وحظي مؤسس الرابطة شهريار أفشار بدعم شركة النفط كونوكو وشركات أميركية أخرى، لكن أنشطة الرابطة توقفت عام 2003.
4. مؤسسة "إيرانيون للتعاون الدولي"
قام تريستا بارسي بإنشاء مؤسسة إيرانيون للتعاون الدولي عام 1997 بهدف دعم حملة الضغط لرفع العقوبات ضد إيران، وكان بارسي حينها طالباً يعيش في السويد واعتمدت المؤسسة على أعضائها في الولايات المتحدة لإرسال عرائض ومخاطبة أعضاء الكونغرس بضرورة رفع العقوبات عن إيران، وكان الشريك الرئيسي لتريتا بارسي في واشنطن عضو الكونغرس السابق روبرت ناي والذي قدم استقالته من الكونغرس كممثل لولاية أوهايو، بسبب فضيحة مالية دخل على أثرها السجن وتوقف عمل المؤسسة إثر ذلك عام 2002.
5.المجلس الوطني الإيراني الأميركي
تأسس المجلس عام 2002، وسرعان ما تحول إلى الواجهة الرئيسة للوبي الإيراني في أميركا. وأوضح بارسي أن المهمة لهذا اللوبي تتمثل في العمل على تحسين العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران وفتح الفرص التجارية بينهما، مما ساعده على الحصول على تمويل سخي من بعض شركات النفط الأميركية.
أدوات اللوبي الإيراني للتأثير على السياسة الأميركية تجاه إيران
يعمل اللوبي الإيراني من خلال التغلغل في مراكز الفكر ومؤسسات صنع القرار الأميركي واستخدام وسائل الإعلام والتحدث من خلال هذه المنابر المهمة عن عدم فاعلية العقوبات الاقتصادية في التأثير على السياسة الإيرانية.
وقد نجحت جهود هذا اللوبي في تعزيز التعاون التجاري بين الشركات الأميركية وإيران، حيث كشفت صحيفة لو فيجارو الفرنسية أن هناك غزو سري من قبل الشركات الأميركية في مجال الأعمال الإيرانية، في مجال البترول والغاز الطبيعي الغنية بهما إيران. كما نقلت الصحيفة أن قطاعات الاقتصاد الأميركي، بما فيها الشركات المدرجة في بورصة ناسداك، أرسلت في الأشهر الأخيرة مندوبيها إلى إيران، مشيراً إلى أن هؤلاء المبعوثين غالباً ما يستخدمون جوازات سفر سويسرية، ويرسلون منتجاتهم إلى إيران عبر الدول المجاورة بشكل سري.
كما استطاع اللوبي الإيراني تعزيز التعاون الأميركي الإيراني الذي نشأ في أفغانستان والعراق لتحقيق أهداف استراتيجية شاملة في المنطقة عن طريق التغلغل في دوائر صنع القرار الأميركي.
لا يقتصر نفوذ اللوبي الإيراني في مراكز الفكر الأميركية، بل ينتشر إلى بلدان أوروبية أخرى. فعلى سبيل المثال، يحظى العديد من الباحثين الغربيين بتمويل إيراني انتقاد مؤسسات الحكم والإدارة في دول مجلس التعاون، ومنهم الباحث كريستوفر ديفيدسون من جامعة درم، مؤلف كتاب: "الانهيار القادم للأنظمة الملكية في الخليج". وقد صرح ديفيدسون بأن الجامعة قد تلقت تمويلاً من الحرس الثوري الإيراني، وكذلك من السفارة الإيرانية في لندن وذلك لعقد فعاليات تهدف إلى تقريب وجهات النظر بين الغرب ومختلف مؤسسات الحكم في إيران.
وتتساءل الورقة أخيراً عن إمكانية نجاح جهود اللوبي الإيراني في تحسين علاقة طهران مع تل أبيب بعد واشنطن. ويشير بارسي إلى أنه من الممكن أن يتعامل الإسرائيليون مع الإيرانيين في الفترة المقبلة كحليف محتمل، مشيراً إلى الضغوط التي مارسها شيمون بيريز عام 1980 لإقناع واشنطن بتعزيز الدفاعات الإيرانية بهدف إعادة طهران إلى الحظيرة الغربية، في حين أعلن أربيل شارون على قناة "بي سي إن"، أن إسرائيل ستستمر في بيع أسلحة لإيران رغم الحظر الأميركي.
وقد نشرت مجلة نيوزويك الأميركية (25 نوفمبر 2013) تقريراً كتبه أوين ماتيوس تحت عنوان "القنوات الخلفية في بورجوندي"، يذكر فيه تفاصيل اجتماعات سرية عقدت في أحد القصور الفرنسية في مقاطعة بورجوندي وشارك فيها بمشاركة ضباط إيرانيين سابقين من الحرس الثوري الإيراني، وقد كان لنتائج النقاش التي تم التوصل إليها في ذلك الاجتماع دورها في تذليل عقبات الاتفاق النووي. ومن بين الحضور الجنرال الإسرائيلي دورون أفيتال القائد السابق للقوات الخاصة بالجيش وعضو ولجنة الأمن القومي بالكنيست، ووزيرة الدفاع الفرنسية السابقة ميشيل أليوت، دون الإشارة أو الإعلان عن أسماء الإيرانيين من قيادات الحرس الثوري السابقين.
وفي أعقاب الإعلان عن التوصل إلى الاتفاق النووي مع إيران، قال بارسي في مقال نشرته مجلة فورن بوليسي: "إنه بعد أيام من سقوط الموصل بيد مجاهدي الدولة الإسلامية، تحدثتُ مطولاً إلى مسؤول إيراني رفيع المستوى، وقد أخبرني أنه حتى المرشد الأعلى، الذي يعد أكثر تشدداً من حكومة الرئيس حسن روحاني يعتبر الجهادية السنية، خطراً أكبر على الجمهورية الإسلامية من خطر الولايات المتحدة وإسرائيل وهو خائف من النفس الطائفي في المنطقة، الذي قد يؤثر على النسيج الداخلي الإيراني ويهدد أمن ووحدة الجمهورية الإسلامية".
اقرأ أيضاً: قراءة في الاتفاق النووي الإيراني مع القوى الكبرى