دي ميستورا.. وتدوير الزوايا السورية!

المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت
على الرغم من "حرص" المجتمع الدولي على التذكير والتأكيد مراراً على إيجاد "حل سياسي" للأزمة السورية التي تحولت إلى واحدة من أكبر مآسي العصر الحديث، إلا أن كل محاولاته في سبيل ذلك باءت بالفشل الذريع حتى الآن، لتفشل معه طروحات المفاوضات والمؤتمرات (جنيف1 و2)، وتدخل سورية نفق إدارة أزمتها السياسية والإنسانية، في انتظار تغير موازين القوى العسكرية.
لا يعدم الموفد الدولي الجديد "ستيفان دي ميستورا" الخبرة أو الحنكة السياسية، لكن فترة انتظاره للتقدم بمبادرة سياسية جديدة تخص سورية طالت (بالنظر إلى خبرته وشهرة تفاصيل الحدث السوري). الرجل الذي زار معظم العواصم العربية والإقليمية والدولية المعنية بالأزمة السورية، خرج أخيراً بمبادرة بعنوان غامض يهدف إلى التوصل إلى وقف لإطلاق النار في سورية بين النظام وفصائل المعارضة السورية المسلحة، وتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المتضررة والنازحين واللاجئين السوريين، تحت عنوان "مناطق مجمدة الصراع" مقترحاً مدينة حلب (لرمزيتها وأهميتها بحسب دي ميستورا) كنموذج لتطبيق أفكاره.
المبعوث الأممي نال موافقة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون وتأييده، وعرض خطته "الغامضة" على مجلس الأمن الدولي في اجتماع خصص لبحث الأوضاع في سورية، ورغم اعترافه بعدم امتلاكه لرؤية أو خطة واضحة للحل في سورية، إلا أنه يراهن على تنفيذ مقترحه كمقدمة لتطبيق خطوات أخرى تلحظ الجانب الإنساني في سورية وحاجة السوريين إلى وقف إطلاق النار وإيصال المساعدات الإنسانية إليهم لا سيما في الشمال وحلب تحديداً.
مصادر مطلعة في نظام بشار الأسد أكدت في تسريبات إعلامية رفضها مقترحات "دي ميستورا"، وأن تسمية منطقة مجمدة النزاع "غير عملي" في الأوضاع الراهنة، وتأكيدها على أن منطلق أي عملية تسوية يجب أن يكون الاتفاق على اعتبار "مكافحة الإرهاب أولوية"، وإصرار النظام على رؤيته المتعلقة بعودة جميع المناطق الخارجة عن سيطرته إلى ما يسميه "حضن الوطن"!. فيما هددت إيران المبعوث الدولي بمصير سابقيه فيما لو فكر بعرض هذا الطرح، وهو الذي سيتوجه إلى دمشق (السبت المقبل) لعرضه رسمياً، بحسب مصادر موالية للنظام.
بالمقابل، رشَحت أنباء عن اجتماع دي ميستورا بالمعارضة السورية وجس نبضها بخصوص مقترحاته، ملوحاً بعدم مبالاة المجتمع الدولي بالملف السوري في الوقت الراهن، للضغط عليها وقبول ما "يجود" به عليها.
"دي مستورا"، بحسب مصادر في المعارضة السورية، أراد الالتفاف على مسألة المناطق الآمنة بطريقة غير مباشرة، وأخبر المعارضة بنيته طرح فكرة العمل على إيجاد مناطق شبه خالية من الاشتباكات بين قوات المعارضة وقوات النظام، على أن تدار شؤون تلك المناطق من قبل السكان المحليين، الأمر الذي رأت فيه المعارضة السورية "التفافاً" من قبله على فكرة "الهدن" التي روج لها النظام استناداً إلى المبادرة الإيرانية، في المناطق التي استعصى عليه دخولها، إذ عمد إلى فرض هدن سبقها قصف عنيف وتدمير وتجويع للمدنيين، وخروقات متواصلة من قبل قوات النظام.
يحاول دي ميستورا "نثر الأمل" كما يقول عن مبادرته، من خلال السعي إلى وقف لإطلاق النار، وتأمين وصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين في سورية، ولكونه يعلم أن أي مبادرة لن يكتب لها النجاح ما لم توافق عليها حليفة نظام الأسد وداعمه (إيران) فهو يستند إلى مبادرتها القديمة لكسب رضا وود النظام وحلفائه، وتمرير مطالبهم في ظل العجز البشري الذي تعرفه قوات النظام بعد طلبها آلاف السوريين للاحتياط، أكثر من نصفهم من منطقة الساحل، ما أثار موجة من الغضب والتململ داخل الشريحة الموالية له، وفي ظل الإنهاك المادي الذي طال إيران وهي تمده خلال نحو 4 سنوات بالمال والعتاد والرجال، ما دفع النظام لطلب القروض من الحليف الأكبر روسيا.
ومن ناحية أخرى، يحاول المبعوث الدولي العزف على وتر ما يسمى "تنظيم الدولة"، لكسب الدعم الدولي لمبادرته، من خلال الإيهام أن الهدف من وقف إطلاق النار بين النظام والمعارضة هو إيجاد أرضية لتوحيد الجهود لمواجهة التنظيم المتغول في سورية، والوقوف أمام تمدده حالياً، ويراهن على أن ذلك كفيل بتقريب وجهات النظر بين الطرفين، لطرح المزيد من التنازلات والتقريب بين وجهات النظر.
بالمقابل، هناك فرصة قد تلوح من وراء هذه المبادرة "ربما" يمكن التعويل عليها، إذا أحسن التعامل معها، فبعض التسريبات تشير إلى أن مقترح دي ميستورا، إن تم تمريره وفق أسلوب معين، سيتضمن نشر قوات دولية وعربية في المناطق التي سيتم اختيارها "لتجميد الصراع" بحسب وصفه دي ميستورا، وستكون هذه القوات بقيادة تركية، لتأمين وقف إطلاق النار، وهو ما يلبي عملياً مطالب تركيا المتمثلة بإنشاء مناطق "آمنة" أو "عازلة" بحسب اختلاف التسميات، ويسهل انخراطها في التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة، ووقف تدفق اللاجئين السوريين إلى تركيا، وهي أمور يحرص التحالف على تلبيتها لضمان الانتقال إلى العمل البري ضد "تنظيم الدولة".
حتى الآن يرفض كل من النظام والمعارضة أفكار دي ميستورا "الغامضة" حول مبادرته المعلنة، في الوقت الذي تلقى تأييداً دولياً متزايداً، فالمعارضة السورية ترى في الفكرة مجرد إدارة للأزمة في سورية ومحاولة لتذليل العقبات أمام انضمام النظام إلى التحالف الدولي، والتغاضي عن جرائمه بحق الشعب السوري وعدم محاسبته، وإعادة الشرعية لنظامه المتهالك، والنظام لطالما تعامل مع المبادرات الدولية بمنطق التوجس والتلاعب وتفريغ المضمون عبر اللعب على عامل الزمن والخوض في أدق التفاصيل.
وبين هذا وذاك يريد المجتمع الدولي التوصل إلى وقف لإطلاق النار تحت مظلة "الدوافع الإنسانية" لتمرير أهداف سياسية أخرى تتعلق بمواجهته لتنظيم الدولة، وكأن دماء السوريين، التي زاد منسوب سفكها، ما عادت تعنيه، وهو الذي تقصف طائراته في سورية جنباً إلى جنب مع طائرات النظام، المدنيين!.