سوريا أفغانستان الثانية لروسيا

المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت
توقفت روسيا عند ذكرى حربها في أفغانستان مرتين خلال العام الجاري : 40 سنة على بدء غزوها في 15 شباط/فبراير من العام 1979 ، و30 سنة على هزيمتها وخروجها منها في 12 من مثل هذا الشهر في العام 1989 . وما بين هذين التاريخين مرت حوالي عشر سنوات على روسيا، وهي تجهد عبثاَ لتحقيق ما يحفظ ماء الوجه في شعاب أفغانستان ، ولم تكن تفعل خلالها سوى إرسال المزيد من جثث عسكرييها في صناديق الزنك ، التي بلغ عددها حوالي 1500 تابوت.
لم تفارق أفغانستان الذاكرة الروسية مطلقاً ، بل اشتد وقعها على هذه الذاكرة أكثر ، مع انخراط روسيا في المقتلة السورية منذ خريف العام 2015 . فمنذ بداية العملية الروسية في سوريا ، برزت مخاوف كثيرة من أن تصبح سوريا أفغانستان ثانية لروسيا ، ومن أن تضطر موسكو إلى التصعيد في عمليتها ، وتوسيع تواجدها على الأرض ، على قول المدير العام للمجلس الروسي للشؤون الخارجية أندريه كارتونوف في اتصال مع "المدن" من موسكو . ويرى كارتونوف أن هذا التصعيد والتوسع في التواجد على الأرض "لم يحصل حتى الآن" ، وتبقى المشاركة الروسية محدودة جداً ، وكذلك الخسائر الروسية في سوريا. وتبقى العملية العسكرية منخفضة الكلفة نسبياً ، إذ أن المناورات المتعددة داخل البلاد تكلف الخزينة الروسية أكثر بكثير مما تكلفه عمليات الطيران في سماء سوريا ، برأيه .
إلا أن كارتونوف يستدرك ويقول بأن سوريا ، مع ذلك ، تشبه أفغانستان من زاوية أخرى ، إذ وكما في أفغانستان ، ليس من الواضح تماماً متى ستنتهي العملية العسكرية في سوريا ، ووفق أية شروط . فمواعيد الإنسحاب النهائي للعسكريين الروس من سوريا يجري تأحيلها باستمرار، و"يتسرب النصر العسكري من بين الأصابع" ، على قوله .
أما نيكولاي ريجكوف ، رئيس وزراء روسيا (الإتحاد السوفياتي) خلال فترة الإنسحاب من أفغانستان، فقد رفض رفضاً قاطعاً إجراء أية مقارنة بين سوريا وأفغانستان . وقال في مقابلة مع إنترفاكس في شباط/فبراير الماضي في الذكرى الأربعين لغزو أفغانستان ، بأنه "لا يجوز قطعاً مقارنة ما لايقارن" ، واعتبر أنه يوجد أساس شرعي بين سوريا وروسيا لتقديم المساعدة في حالة العدوان . واعتبر أن المساعدة الروسية قد طلبها رئيس سوريا الشرعي والقانوني ، وبغض النظر عن الموقف من الأسد ، إلا أنه شرعي ، برأيه . والعالم لا يعيش في فراغ ، بل تقوم العلاقات بين الدول على أسس حقوقية ، وروسيا ، إذ تقدم المساعدة لسوريا على أسس حقوقية شرعية ، لا تسعى إلى أن تقيم في هذا البلد ما يشبهها ، وتجعلها على صورة روسيا. ويقول بأن روسيا تؤيد الحل متعدد الجوانب للمشكلة السورية، وبأنها تؤيد في سوريا الدستور ، الذي يتوافق مع تقاليدها .
المقارنة بين تورط روسيا السوفياتية في أفغانستان وانخراطها الراهن في المقتلة السورية ، لم تغب عن المواقع والصحف الروسية منذ العام 2015، بل هي موجودة ، أو تتراءى في خلفية معظم النصوص الروسية ، التي تتحدث عن التورط الروسي في سوريا . بعد حوالي السنة من بدء العملية العسكرية الروسية في سوريا ، كتب أحد المواقع الروسية المغمورة ((sevodnya.ru مقالة بعنوان "سوريا مثل أفغانستان" ، قارن فيها بين التبريرات ، التي ساقتها القيادة الروسية في كلتا الحالتين . وقال بأن الإتحاد السوفياتي دخل أفغانستان وهو يعلن بأنه لا ينوي الحرب طويلاً ، وبأنه دخل بقوة عسكرية صغيرة ، وأن السكان المحليين يرحبون بشكل عام بالقوات الروسية ، والعدو هم المجاهدون السنة ، وبأن أفغانستان تقع بعيداً عن موسكو .
التبريرات عينها ، برأيه، ساقتها القيادة الروسية الحالية لدى دخولها سوريا ، إذ أعلنت أنها لا تنوي الحرب طويلاً ( حتى أنها أعلنت عن انسحاب القوات في ربيع العام 2016) ، ودخلت بوحدة عسكرية صغيرة (الطيران العسكري مع الحماية والخدمات الأرضية) ، والسكان المحليون يرحبون بالعسكريين الروس ، ونجاحات بأقل الخسائر ، والعدو هو من الجنود السنة (ثائرون ، مقاتلون ، إرهابيون ، معارضة معتدلة وغيره) ، وسوريا تقع أيضاً بعيداً عن موسكو .
يستشهد الموقع بأقوال صينية قديمة عن "فن الحرب" ، تشير إلى أن النجاح هو حليف الحملات العسكرية السريعة ، وليس الحروب المديدة ، ويقول بأن روسيا يبدو أنها ، وكما الإتحاد السوفياتي من قبل ، قد وقعت في حرب مديدة مجهولة النتائج . ويقول بأن ما يجري لروسيا في سوريا شبيه بما جرى لها في أفغانستان : نجاحات عسكرية في البداية من دون دلائل على النصر في الحرب ، ثم تبعتها مرحلة تنشيط الولايات المتحدة لعملية مد القوى المعادية للروس بالسلاح ، والتي أفضت إلى خسارة كابول . ويقول بأنه يُشتم مما يجري في سوريا رائحة الفخ ، الذي وقعت به في أفغانستان من قبل ، غير أنها لم تقع به حتى الآن في سوريا(العام 2016) ، لكن إن وقعت به "فهذا أمر سيئ، ومحزن ، محزن للغاية".
من جهة أخرى ، وفي ذكرى اليوم عينه ، الذي اتخذ فيه المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفياتي القرار بغزو أفغانستان، في 12 كانون الاول/ديسمبر العام 1979، قام موقع "znak" الروسي المعارض بنشر مقالة مطولة بعنوان "أفغانستان أدت إلى موت جيشنا ودولتنا" ، قال فيه بأن هذا القرار تحول إلى خطأ مميت. وينقل الموقع عن النائب الأول للجنة الدفاع في مجلس الدوما ألكسندر شيرين قوله ، بأن أفغانستان هي مثل سوريا الحالية ، وظروف إدخال القوات السوفياتية إلى أفغانستان كانت تشبه تماماً ظروف إدخال الجيش الروسي إلى سوريا . الظروف عينها ، والجهاديون عينهم ، الذين انتفضوا وحاولوا إسقاط الحكومة الشرعية في أفغانستان، والإتفاقات نفسها بين الإتحاد السوفياتي وجمهورية أفغانستان الصديقة. ويقول الموقع بأن مثل هذه التصريحات سوف تتكرر بالتأكيد على لسان المسؤولين والسياسيين والعسكريين ، في الذكرى السنوية الأربعين لبدء الحرب الأفغانية ، لكن لا بد للرؤوس الحامية ، برأيه ، من أن تعترف ، بأن إدخال القوات الروسية إلى أفغانستان كان خطأً ، وأن هذه ليست وجهة نظر الموقع فقط ، بل هي وجهة نظر بعض المسؤولين السابقين في جهاز KGB السوفياتي ، الذين شاركوا في الحرب الأفغانية .
بدورها ، صحيفة عتاة القوميين الروس الفاشيين "zavtra" ، التي تصطف إلى اقصى يمين السلطة الروسية الراهنة ، والتي تتهمها دوماً "بخيانة" مصالح روسيا القومية ، نشرت في 5 من كانون الأول/ديسمبر الجاري مقالة بعنوان "مشروع من تنفذ روسيا في سوريا" . توجهت الصحيفة إلى قرائها بالقول "جَدّياً ، من منكم بوسعه أن يصيغ بشكل واضح ومفهوم هدف وجودنا العسكري في سوريا ؟" . وقالت ، حين بدأت الحرب في أفغانستان في العام 1979 ، "شرحوا لنا بسرعة ، بأن الشباب الطيبين في أفغانستان يريدون بناء الإشتراكية ، بينما الشباب السيئون يعترضون طريقهم" . وكان واضحاً ومفهوماً أن على الروس مساعدة "الأفغان الطيبين".
وتنهي الصحيفة سخريتها اللاذعة في المقالة بالتذكير بفكاهة قديمة حول سلطة بوتين واستهتارها بمصالح روسيا القومية . تقول الفكاهة ، أن رئيس شركة كوكا كولا اتصل بالرئيس بوتين في بداية عهده واقترح عليه ، بأنه إذا كان يريد اعتماد العلم الأحمر في روسيا ، يمكنه أن يضيف باللون الأصفر كلمة "Соса-Соla" ، وتتولى الشركة تسديد كل ديون روسيا الخارجية مع دفع مبلغ إضافي . أُعجب بوتين يالإقتراح ، وطلب من رئيس الشركة عدم إقفال الهاتف ، ونادى على رئيس وزرائه وسأله متى ينتهي العقد مع شركة " Aquafresh" .
الروس أدرى بشعاب سلطتهم . وإذا كانت ثقتهم بها على هذا القدر من التدني ، فهل يصعب على السوريين التأكد من أن روسيا بوتين ، وعلى الرغم من كل "انتصاراتها" المحلية ، سوف تخرج في نهاية المطاف كما خرجت من أفغانستان ، وستكون سوريا أفغانستان الثانية بالنسبة لها .