سورية بعد خمس سنوات .. ثلاثية الإرهاب واللاجئين والحل السياسي

المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت
بعد خمس سنوات على هبّة الشعب السوري منتفضاً ضد نظام القتل والإجرام في سورية، لن نبالغ إن قلنا: إن مجرد الحديث عن سقوط شرعية الأسد ونظامه في المحافل الدولية قد تجاوزه الزمن، في ظل التوافق إلى حد ما، على انتهاء صلاحيته السياسية، وسقوط شرعيته عملياً، وانهماك الجميع في البحث عن حل سياسي للملف السوري، لم يعد لذكر مستقبل الأسد في ثناياه أولوية كما كانت في السابق، بعد التغيير الكبير الذي حصل على الساحة السورية بما فيها التَدَخُلين الروسي والإيراني وسيطرتهما على قرار النظام بشكل كبير.
خمس سنوات ولا تزال "الثورة مستمرة" هتافات صدحت بها حناجر آلاف السوريين الذين جددوا العهد مع ثورتهم مُستغلين الهدوء النسبي الذي وفره تراجع حدة القصف المدفعي والغارات الجوية الروسية. لكن تجديد العهد بمطالب الشعب السوري الذي خرج يُطالب بحريته وكرامته وسيادته الحقيقية بعد أن استُبيحت بلاده أمام الميليشيات المسلحة وشذاذ الآفاق من كل مكان، لا يتطلب فحسب الخروج بالمظاهرات والهتاف بشعارات تلامس أحاسيس الشارع ومشاعره، على أهميتها ودورها في تجديد الثقة بقدرة هذا الشعب العظيم على الاستمرار في النضال لتحقيق مطالبه، بل يتطلب أيضاً أن يتركز الخطاب على الواقع السياسي السوري والدولي بعد خمس سنوات من حالة الانسداد السياسي التي وصلت إليه سورية.
ثلاثة ملفات أساسية طرأت على المشهد السوري جعلت من ضرورة معالجتها، وفق رؤية مختلفة ومتناسبة مع الوضع الجديد، أمراً مُلحاً وضرورياً، هي ملفات الإرهاب واللاجئين وشكل الحل النهائي في سورية.
بالنسبة للملف الأول، وهو ما يسمى الإرهاب والحرب عليه، لا يمكننا في هذا السياق إنكار تحول هذا الملف إلى أولوية بالنسبة للقوى الدولية والإقليمية، وأنه أصبح المدخل لمعالجة بقية الملفات السياسية المتعلقة بالشأن السوري، وسط تبلور ثلاثة تحالفات أساسية هي التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ومعها أطراف عربية ودولية، والتحالف الروسي الإيراني الموالي لنظام الأسد، والتحالف الإسلامي الذي تُحاول المملكة العربية السعودية ضم أطراف إقليمية وعربية إليه.
لم يكن التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن بالنجاعة التي كان يُعوّل عليها في مكافحة ما يسمى الإرهاب في سورية، ما أتاح الفرصة أمام روسيا، في ظل الانكفاء الأمريكي عن الملف السوري، لإنشاء تحالفها الإقليمي الداعم لنظام الأسد بحجة مكافحة الإرهاب، وفق التصنيف الروسي الإيراني، الذي يرى في كل فصائل المعارضة لنظام الأسد، لا تنظيم الدولة وجبهة النصرة فحسب، وكل من يعادي نظام الأسد هدفاً صريحاً بذريعة مكافحة الإرهاب.
أما التحالف الإسلامي الذي لم تزل ملامحه غير واضحة حتى الآن، فهو يتمسك بشعار مكافحة الإرهاب أيضاً لمواجهة تحديات استراتيجية أخرى، منها خطر الدويلة الكردية في الشمال السوري بالنسبة لتركيا، والجماعات المسلحة الموالية لإيران في سورية، ومنها حزب الله اللبناني، بالنسبة للرياض. وهذا التحالف لا يزال ينتظر الضوء الأخضر لمباشرة مهامه في سورية ومواجهة تنظيم الدولة (داعش) بعد استعداده لإرسال قوات برية، وهو ما عجز عن القيام به التحالفان الأمريكي والروسي حتى الآن.
إن استعادة زمام المبادرة بالنسبة للسوريين يجب أن يلحظ هذا المُعطى الجديد في سعيهم لتحقيق مطالبهم، والمشاركة في الحرب على الإرهاب يجب أن يحتل صدارة أولوياتهم أيضاً في ظل سيطرة تنظيم الدولة على مساحات شاسعة من أرضهم أولاً، وسيطرة ميليشيات طائفية أخرى على ما تبقى من أراض واقعة تحت سيطرة النظام، فضلاً عن هيمنة حزب الاتحاد الديمقراطي (الاستقطابي حتى في الحاضنة الكردية) وما يسمى بقوات سورية الديمقراطية على الشمال السوري تقريباً، بدعم من التحالفين الأمريكي والروسي.
أما بالنسبة للملف الثاني .. ملف اللاجئين، الذي تدحرج ككرة الثلج خلال السنوات القليلة الماضية، فقد تحول في الآونة الأخيرة إلى ملف سياسي بامتياز من قبل روسيا، التي تريد الضغط على الدول الغربية إثر العقوبات التي فرضتها على موسكو في الأزمة الأوكرانية. وعليه فإن موسكو تدفع باتجاه تغيير هذه الحكومات الأوروبية على وجه الخصوص في أي انتخابات مقبلة تحت شعار الفشل في احتواء هذه الأزمة والسيطرة عليها. وعليه، فإن علينا كسوريين الدفع لإيجاد حل لهذا الملف وإخراجه من يد الابتزاز السياسي، ودعم فكرة إنشاء منطقة آمنة أو عازلة (مهما صغرت مساحتها الجغرافية في هذه المرحلة) وإنشاء المخيمات ضمنها، وتأمين الدعم الدولي لحمايتها من الطيران الروسي والأسدي، على حد سواء، الأمر الذي سوف ينتزع هذا الملف من أيدي المساومة السياسية ويضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته الحقيقية لإيجاد حل سياسي في سورية والتوقف عن التذرع بالملفات الإنسانية لتأخير حصول ذلك.
أما الملف الأكثر وعورة في هذا السياق، فهو ملف الشكل النهائي للحل السياسي في سورية في ظل ضغط أطراف كثيرة لفرض رؤيتها النهائية لهذا الحل، من روسيا التي باتت تروج لشكل الحكم الفيدرالي للبلاد، إلى الولايات المتحدة التي تلوّح بتقسيم سورية كخطة بديلة عن فشل التفاوض السياسي، إلى قوى أخرى ترى في تقسيم سورية تهديداً أمنياً عليها بالذات.
واقع الحال أن هناك أشكالاً كثيرة لتصور الحل النهائي في سورية، من اللامركزية الإدارية بدرجاتها إلى نظيرتها اللامركزية السياسية، ووصولاً إلى أشكال متعددة من الفيدرالية السياسية. لكن قبل الخوض في متاهات هذه الأشكال علينا التساؤل عن مدى إمكانية ذلك على الأرض، ومدى قدرة البُنى التحتية ومؤسسات الإدارة المحلية في سورية على تقبل أي شكل من أشكال الحكم اللامركزي إدارياً وسياسياً، وهل سيُفضي تطبيق أي شكل سياسي للحل في سورية إلى تفتيت البلاد وتقسيمها كما يروج له؟ وكيف يمكن الحفاظ على الهوية السورية ووحدة أراضيها في ظل المتغيرات الضاغطة باتجاه توزيع "الكعكة السورية" على الأطراف الفاعلة في الملف السوري؟ وما هو على سبيل المثال شكل الحكم الفيدرالي المروج له؟ هل هو على أساس عرقي أو مذهبي أو حتى طائفي؟
واقع الحال أن تاريخ سورية القريب عرف الحكم اللامركزي بأشكال متعددة، كما أن فكرة اللامركزية ليست غريبة عن تاريخنا العربي الإسلامي، لا سيما في زمن الدولة العباسية التي لم يكن من الأمر لها سوى خطبة الجمعة والدعاء للخليفة في بغداد، وإرسال ما يفضل من خراج وأموال الولايات المتعددة إلى مركز الخلافة في بغداد. لكن ذلك لم يمنع وجود نوع من الوحدة السياسية بين هذه الولايات كما حافظ على الهوية الجمعية للأمة في ذلك الزمان.
في الذكرى الخامسة لثورة شعب خرج يطالب بحريته وكرامته، تبدو المتغيرات الدولية والإقليمية أكبر وأخطر من تلك التي كانت قبل خمس سنوات، وعليه، فإن تجديد العهد بالنسبة للشعب السوري لا يجوز أن يقتصر على الشعارات فحسب، بل يجب أن يطال المطالب والرؤى لمستقبل سورية حرة وديمقراطية يسودها القانون والعدالة.
تعليقات