في توقيت الحشد العسكري الروسي في سوريا

المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت
في جلسة مع أحد المسؤولين الأمريكيين رفيعي المستوى طُرِحَ سؤال عمّا إذا كان الحشد الروسي العسكري المستجد على الساحة السورية مرتبطاً بأي شكل من الأشكال بالملف الأوكراني أو بالاتفاق النووي الإيراني الذي تمّ التوصل إليه مؤخراً. علامات الاستغراب بدت واضحة على معالم الرجل الذي تفاجأ بالسؤال فأجاب بشكل قاطع "لا أرى أي علاقة بين هذه الملفات والتصعيد العسكرية الروسي الذي يجري في سوريا...الرئيس أوباما ردّ بشكل واضح وقوي على هذا التصعيد الروسي".
من السذاجة الاعتقاد أن إدارة الرئيس أوباما تعارض بشكل حقيقي وجدّي ما يقوم به الرئيس الروسي بوتين في سوريا. الإدارة الأمريكية نفسها كانت قد بدّأت تحفّز روسيا على لعب دور أكبر في سوريا منذ بضعة أشهر. لقد تمّ إرسال العديد من الرسائل الأمريكية الإيجابيّة لموسكو في هذا الموضوع بالتحديد بشكل مباشر عبر الاجتماعات الثنائية أو بشكل غير مباشر عبر الاجتماعات المتعددة الأطراف.
ربما فهم الروس الرسالة الأمريكية بشكل خاطئ، وربما على العكس من ذلك فهموها جيّداً ولكنّهم قرروا استغلالها وتوظيفها في منحى آخر. الأمريكيون كانوا يشددون دوماً في الفترة الأخيرة على أن تلعب روسيا دوراً أكبر في سوريا لناحية التحضير لعملية سياسية انتقالية مع تفاؤل بأن يدفع هذا التحفيز موسكو إلى تغيير موقفها من دعم النظام السوري. في المقابل لم يكن هناك أي مؤشرات على الإطلاق حول وجود تغيّر في الموقف الروسي التقليدي من النظام السوري أو من الرؤية العامة لمجمل الملف السوري.
الأرجح أنّ الروس اعتبروا أنّ الموقف الأمريكي هو تعبير إضافي عن وهن وضعف إدارة أوباما، وحتى لو افترضنا أنّ واشنطن تعارض بالفعل الخطوة الروسية، فإن موسكو وطهران تعلمان جيداً أن الإدارة الأمريكية وضعت نفسها في موقف لا تستطيع من خلاله أن تفعل عملياً أي شيء لإيقاف مثل هذا الأمر، فضلاً عن أنها لا تريد أن تفعل أصلاً.
لا شك أنّ من أهداف روسيا التصعيدية في سوريا حماية مصالحها والتأكيد على دورها في شرق أوسط ما بعد أوباما والأهم من ذلك التأكيد على مقولة (أنا اعرقل، فإذاً أنا موجود) التي تعكس العقليّة الروسية التقليدية، لكن من الصعب نفي أي صلة للتصعيد الروسي الأخير في سوريا بالملف الأوكراني والنووي الإيراني.
الروس بأنفسهم قالوا علناً قبل عدّة أيام في رسالة مباشرة إلى الأمريكيين "تحدّثوا معنا على المستوى العسكري" وفي هذه الزاوية بالتحديد هناك ارتباط بين ما تقوم به روسيا في سوريا وبين ما قامت به في أوكرانيا. إذ أدّى احتلال موسكو لشبه جزيرة القرم وضمها للأراضي الروسية العام الماضي إلى فرض عقوبات عليها، وقام البنتاغون حينها بقطع المحادثات على المستوى العسكري مع الروس، ولا تزال العلاقات منذ ذلك الحين مقطوعة على هذا المستوى. عندما يطالب الروس اليوم عبر خطوتهم في سوريا إعادة فتح هذه القناة، فهذا يعني أنّ للموضوع ارتباط واضح بما نجم عن التحرك الروسي سابقاً في أوكرانيا.
التصعيد الروسي تزامن أيضاً مع عدم قدرة الجمهوريين في الكونغرس الأمريكي على تعطيل الاتفاق النووي الإيراني، ومن المعلوم أنّ موسكو هي ربما أقل الدول استفادة من هذا الاتفاق، الجميع يعلم أنّ موسكو بحاجة إلى جوائز ترضية حتى تعوّض خسائرها الناجمة عن الاتفاق، وفي هذه الزاوية بالتحديد لا يبدو أن إدارة أوباما تعارض أن تكون جوائز الترضية لموسكو مزيداً من النفوذ الروسي الجيوسياسي في محيطها الإقليمي أو في الشرق الأوسط، وحتى لو كانت تعارض فهي لا تريد أن تفعل شيئاً عملياً لمواجهته وكما قال المسؤول الأمريكي في الجلسة إيّاها "ماذا تريدون منّا أن نفعل؟ نقاتل روسيا؟!". موسكو تعلم هذه الحسابات جيداً وهي عامل إضافي في دفعها للتحرك قدماً إلى الأمام.
المفارقة في الموضوع أنّ ما سيحاول بوتين ربما تسويقه لاحقاً هو أنّه بخطوته هذه إنما يخدم إدارة أوباما كما خدمها سابقاً في الملف الكيماوي. ما يتّفق عليه الاثنان هو الخوف من إمكانية السقوط المفاجئ للأسد وأولوية محاربة "داعش" وموسكو تقول أنّ خطوتها الأخيرة تصب في تحقيق هذين الهدفين في النهاية.
تعليقات