Deprecated: The each() function is deprecated. This message will be suppressed on further calls in /home/alsouria/public_html/archive/includes/menu.inc on line 2396

Deprecated: implode(): Passing glue string after array is deprecated. Swap the parameters in /home/alsouria/public_html/archive/sites/all/modules/gmap/lib/Drupal/gmap/GmapDefaults.php on line 95

Deprecated: implode(): Passing glue string after array is deprecated. Swap the parameters in /home/alsouria/public_html/archive/includes/common.inc on line 394
قضية اللاجئين في الخطاب الإعلامي الأوروبي والمزايدات السياسية | السورية نت | Alsouria.net

قضية اللاجئين في الخطاب الإعلامي الأوروبي والمزايدات السياسية

المواد المنشورة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

الكاتب: 
حسناء حسين

 

من الملاحظ اليوم في أوروبا، طوفان نوع جديد من المزايدات والمنافسة بين مختلف وسائل الإعلام في تناول قضية اللاجئين، وفي المجالين العام والسياسي، وهو ما أنتج تغطيةً مُفْرِطَةَ التنوُّعِ ومُشْبَعَةً إلى حدٍّ كبير بالأيديولوجيا والتوجُّهات السياسية.

قُسِّمت هذه الدراسة إلى محورين رئيسين، خُصِّص الأول لتحليل الخطاب الإعلامي الأوروبي من خلال العيِّنة التي شملها الرصد؛ وذلك بالتركيز على الدلالات الخبرية واللغوية بهدف فهم طبيعة وأشكال هذا الخطاب (استراتيجيات الخطاب). أمَّا القسم الثاني فركَّز بشكل مباشر على دراسة الاعتبارات التي وقفت وراء التغطية الإخبارية ورهاناتها وأهدافها بحسب السياقات المختلفة.

وعليه، انطلقت الدراسة من حقل استفهامي في محاولة لفهم مُحدِّدات الخطاب الإعلامي الأوروبي واستراتيجياته في معالجة قضية اللاجئين، ومن أبرز هذه التساؤلات:

1. ما السمات الخبرية والدلالية التي اتَّسم بها الخطاب الإعلامي الأوروبي في معالجة قضية اللاجئين؟ وهل استراتيجيات الخطاب الإعلامي تختلف من حالة إعلامية لأخرى؟

2. ما أشكال الحقل المعجمي والبنية التركيبية؛ التي استند إليها هذا الخطاب؟ وما الدلالات التي يحملها وتداعياته على صورة اللاجئين المنقولة في الإعلام الأوروبي؟

3. ما طبيعة العلاقة بين التغطية الإخبارية لقضية اللاجئين والاتجاهات السياسية والسلطة عمومًا؟ وما حجم تأثيرها في الرأي العام الأوروبي؟

إن دراسة التغطية الإخبارية لقضية اللاجئين في الإعلام الأوروبي من شأنها أن تساعدنا في إعادة النظر في مسائل عدَّة، مثل: مدى استقلالية وسائل الإعلام في المجتمعات الأوروبية، أو دور النخبة ومشاركة المواطنين في إدارة شؤون البلاد، أو حتى في مفهوم الديمقراطية بالمعنى الغربي للمصطلح وقدرتها على تحقيق العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان.
وقد استخدمت هذه الدراسة، في تحليلها لأطر ومُحدِّدات الخطاب الإعلامي في تغطية قضية اللاجئين، عيِّنة قصدية لوسائل الإعلام الأوروبية اليمينية واليسارية في كلٍّ من فرنسا وألمانيا والمجر لأسباب ارتبطت بقدرتها التمثيلية لمجتمع الدراسة (حالة فرنسا) من جهة، ولتوافرها بلغة الإصدار الإنجليزية (حالتي ألمانيا والمجر) من جهة أخرى. وجرى مسح أكثر من 750 مقالًا وتقريرًا صحفيًّا في الصفحات الإلكترونية للدوريتين الفرنسيتين "ليبراسيون   “Libération، و"لوفيغارو" Le Figaro ، والمجلة الألمانية الأسبوعية "دير شبيغل"Der Spiegel، والدورية المجرية "مغيار هيرلاب" Maghyar Hirlap ، بالإضافة إلى مجموعة مختارة من المضامين الإخبارية حول القضية، لاسيما في دول البلقان وألمانيا، التي أُعيد نشرها بعد ترجمتها إلى الفرنسية في كلٍّ من موقعي "رسائل البلقان"Le Courrier des Balkans. Le portail francophone des Balkans، و"الرسائل الدولية"International Courrier خلال فترة الدراسة التي امتدَّت بين 1 يوليو/تموز و31 أكتوبر/تشرين الأول 2015.

1. استراتيجيات المعالجة الإعلامية لقضية اللاجئين
استند التحليل في هذه المرحلة من الدراسة إلى تصنيف أنواع التقارير في التغطية الإخبارية لقضية اللاجئين في العيِّنة المدروسة. وينطلق هذا التصنيف من محدِّدات بذاتها؛ حيث رصد أنواعًا مختلفة شملت التقرير الإخباري والتحليلي والمعلومتي وتقرير الرأي ثم التقرير الدعائي.

عاطفية اليسار تجاه اللاجئين:  
حصدت المضامين ذات الطابع النقدي في التغطية الإخبارية لوسائل الإعلام الفرنسية اليسارية "ليبراسيون" والألمانية "دير شبيغل" نسبًا مرتفعة (33% و29% على التوالي) بالمقارنة مع تلك التي حصلت عليها في وسائل الإعلام اليمينية (9% و7% على التوالي بين "لوفيغارو" الفرنسية و"مغيار هيرلاب" المجرية). وقد تجسَّد ذلك من خلال الارتكاز على استراتيجية إعلامية واضحة من قِبَل هذا اليسار هدفت إلى تسليط الضوء، بطريقة حماسية لاسيما في حالة صحيفة "ليبراسيون"، على الأوضاع الصعبة والمضايقات والاعتداءات والمعاملات غير الإنسانية التي يعيشها ويتعرَّض لها اللاجئون سواء أكان ذلك في بلدانهم الأصلية أم على طريق اللجوء أم في الدول الـمُسْتَقْبِلَة. وهو ما أكَّدته عناوين "ليبراسيون": "مهاجرون على شفير الهاوية وصور طافية، (10 يوليو/تموز)، "مهاجرون في باريس: أوضاعنا تشابه الاعتقال" (5 أغسطس/آب)، (المجر: أوروبا مغلقة.. أنت سوري ليس عليك إلا أن تعود لسوريا" (16 سبتمبر/أيلول)، أو في عناوين "دير شبيغل": "بؤس المهاجرين: جزيرة كوس اليونانية تترك اللاجئين إلى مصيرهم" (14 أغسطس/آب)، "فوضى اللاجئين في مقدونيا: حياة النساء والأطفال مهدَّدة بشكل خطير" (19 أغسطس/آب)، "الوجه الأسود للمنفى: تجارة الموت وتهريب البشر" (7 سبتمبر/أيلول)، "حارات مقفلة: مراكز إيواء طالبي اللجوء تحت العنف" (6 أكتوبر/تشرين الأول).

ولعل أبرز ما يُجسِّد وضعية صحيفة "ليبراسيون" كراعٍ لقضية اللاجئين هو الدعوات والعرائض والمبادرات التي أطلقتها، أو شاركت فيها، على موقعها الإلكتروني من أجل التضامن ومساندة وتقديم العون للاجئين: "دعوة: هل تساعدون اللاجئين... نحن نُحصي المبادرات" (4 سبتمبر/أيلول)، أو من خلال تسليط الضوء على المظاهرات والمبادرات الفردية أو الجماعية التي تصب في هذا الإطار سواء أكانت على المستوى المحلِّي أو الإقليمي أو الدولي: "مهاجرون... ساعدوا قليلًا... كثيرًا" (4 سبتمبر/أيلول)، "مئات الآلاف في باريس لدعم اللاجئين" (5 سبتمبر/أيلول)، "في النمسا: توزيع المحبة لمئات اللاجئين" (5 سبتمبر/أيلول).

أما اليسار في ألمانيا فقد أظهرت دراسة المضامين الإخبارية في "دير شبيغل" نِسبًا مرتفعة للتقارير التحليلية بلغت 54% تناولت فيها قضايا راهنة ومحورية واستشرافية من أجل فهم أعمق لأزمة اللاجئين، كقدرة ألمانيا على استقبال اللاجئين: "امتحان الحدود: كم من لاجئ تستطيع ألمانيا إيواءهم؟" (30 يوليو/تموز)، "ألمانيا تُظهر علامات الإجهاد على إثر تدفق اللاجئين" (14 أكتوبر/تشرين الأول)، وكذلك فهم الانقسامات السياسية الراهنة حول هذه الأزمة: "الجانب الأسود لألمانيا... الجانب الأبيض لألمانيا: أي جانب سيسود في ظل التوتر الذي يرافق قضية اللاجئين؟!" (31 يوليو/تموز)، وأيضًا فهم أوضاع المنطقة التي قَدِم منها اللاجئون ومسؤولية تلك الدول عن الأزمة التي يعاني منها هؤلاء: "فرص قليلة لوقف الحرب" (18 سبتمبر/أيلول).

وفي هذا السياق، كشفت الدراسة عن بعض أهداف الخطاب الإعلامي الأوروبي في تغييب مسؤولية الأنظمة الديكتاتورية والمتسلِّطة في تدفُّق اللاجئين نحو أوروبا أو حتى مسؤولية الدول الغربية في وقوفها موقف المتفرِّج على ما يحصل من حروب وصراعات ومجازر بحق المدنيين في المناطق التي قدم منها اللاجئون في سوريا والعراق وباكستان وأفغانستان ومالي وسواها من الدول الإفريقية.

دعاية مجرية صاخبة وعابرة للحدود:  
تصدَّرت المضامين الإخبارية الدعائية وسائل الإعلام المجرية اليمينية "مغيار هيرلاب" بنسبة بلغت 55% لتكشف عن حجم وطبيعة الدعاية الإعلامية التي تبنَّتها السلطات المجرية في سبيل الترويج لما أطلقت عليه "النموذج المجري" والتبرير للممارسات غير الإنسانية والعنصرية في تعاملها مع اللاجئين. ويُمثِّل ذلك دعاية صاخبة وعابرة للحدود لاعتمادها اللغة الإنجليزية في سبيل توسيع دائرة تأثيرها خارج الحدود الوطنية، وأيضًا لارتكازها على وجوه سياسية دولية من اليمين المتشدِّد الأوروبي: "على أوروبا أن تحتذي بالنموذج المجري"، كما ورد عن السياسي الفرنسي جون لوك شافوسير (مغيار هيرلاب، 28 أكتوبر/تشرين الأول)، ومن وحي الخطاب الإعلامي الداخلي حول الأزمة: "على أوروبا اتِّباع النموذج المجري؛ فالمجر البلد الوحيد الذي يُطبِّق قوانين الشنغن واتفاقية دبلن خلال أزمة الهجرة. إن النموذج المجري ناجح ويجب على الاتحاد الأوروبي أن يتبنَّاه، حسب ما أفاد به وزير الخارجية المجري" (مغيار هيرلاب، 26 أكتوبر/تشرين الأول)

إن الترويج المفرِط للأجندة السياسية للحكومة المجرية المحافظة ورئيسها فيكتور أوربان، الذي تحوَّل إلى "رمز" بالنسبة لمن يعانون من "رهاب الأجانب" على المستوى الدولي، يبدو واضحًا بشكل كبير أيضًا في المضامين الإخبارية باللغة الإنجليزية التي سعت إلى تبرير الممارسات غير الإنسانية والعنيفة بحق اللاجئين أثناء مرورهم في البلاد. واستعانت هذه الترسانة الإعلامية بمجموعة من صحفييها البعيدين كل البعد عن الموضوعية وأخلاقيات المهنة (وعلى رأسهم الصحفي زسزلت باير، رفيق درب أوربان المشهور بمواقفه العدائية والعنصرية تجاه اللاجئين من بينها: "على أوروبا التخلُّص من هذا الكابوس حتى لو بالسلاح؛ لأن العِرق الأوروبي الأبيض والمسيحي مهدَّد"، أو الصحفية بيترا لازلو التي أسقطت أرضًا اللاجئ السوري وابنه، بالإضافة إلى مجموعة من السياسيين والخبراء ورؤساء الدول في محاولة فاشلة لإضفاء لمسة من المصداقية على مشروعها الترويجي.

تناقضات المعالجة لقضية اللاجئين  
روَّج الخطاب الإعلامي المجري في تناوله لأزمة اللاجئين ليس فقط لمعلومات مُضَلِّلَة عن أوضاع هؤلاء، وإنما أيضًا لِوَهْمٍ جديدٍ هو "حُسن استقبال ومعاملة اللاجئين" من قِبل السلطات عبر مجموعة متعارضة من التقارير التحليلية التي بلغت نسبتها 16% من مجمل مضامين دورية "مغيار هيرلاب" لتكشف عن استراتيجية إعلامية جديدة في تناول قضايا اللاجئين تقوم على التناقضات، بحسب تعبير نورمان فاركلوف، بين سياسة تبرير العنف والرَّدع والشدِّة في التعاطي مع اللاجئين باعتبارهم يُشكِّلون "خطرًا" بالنسبة للمجر وأوروبا، وبين الترويج لـ"حُسن معاملتهم واستقبالهم وحمايتهم" من قِبل السلطات.

إعلام اليمين الفرنسي: رسائل متشائمة وسوداوية: 
بينما غَلَبَت المضامين الدعائية في الخطاب الإعلامي اليميني المجري، الذي انطلق من فرضيات مُضَلِّلَة كـ"حماية الحدود الأوروبية"، أو حتى "حماية اللاجئين"، إلا أن هذا النوع من المضامين احتلَّ نسبة متواضعة في وسائل الإعلام الفرنسية اليمينية "لوفيغارو"؛ إذ بلغ 6% في مقابل المضامين الخبرية 50% والمعلوماتية 14%. وقد كشفت عملية تحليل الخطاب الإعلامي لقضية اللاجئين في الدورية الفرنسية اليمينية عن خصائص التغطية التي يمكن وصفها بالمتشائمة لما تحمله من رسائل سوداوية ومُشَكِّكَة ومخاوف تجاه تداعياتها عبر المساحة التي خصَّصها لوجهات نظر اليمين المتشدِّد الفرنسي والأوروبي بشكل عام.

شَيْطَنَة المهاجرين: 
رَسَمَت المضامين الإخبارية للإعلام المجري "مغيار هيرلاب"؛ التي اتسمت تغطيتها بلغة معادية بلغت نسبتها 41%، صورةً مُشَيْطِنَةً للاجئين ليظهروا كـ"الغزاة"، "الـمُتَطَفِّلِين"، "الـمُنْحَرِفِين"، "الطُّفَيْلِيِّين"، "المنافقين"، "الفوضويين"، "المتطرِّفين"، "الجَهَلَة"، "الإرهابيين" أو "الدَّاعِشيِّين" دون أدنى حدٍّ من الاعتراف بالأوضاع الإنسانية القاسية وغير المحتملة التي يعيشها هؤلاء، سواء أكان ذلك في بلدانهم الأصلية التي أُجْبِرُوا على تركها هربًا من ويلات الحروب وقساوة الظروف المعيشية، أو على طريق اللجوء مُعرِّضين حياتهم للخطر في كل خطوة نحو أوروبا أملًا في توفير حياة جديدة ومسالِمة لهم ولعائلاتهم، وهو ما يظهر في العناوين والتصريحات الآتية: "الإرهاب قد يتخفَّى وراء اللاجئين. لا يمكن تصدير الديمقراطية من تلقاء نفسها"، بحسب الأكاديمي المحاضِر في جامعة كورفينوس، توماس مولنار، (19 أغسطس/آب)، أو حتى عندما استخدمت معجمًا مُشْبَعًا بالعداء كـ"الفوضى" و"الهجوم" و"الوحشية" في معالجة قضية اللاجئين: "مشهد فوضوي في "كيليتي" لمهاجرين يحاولون ركوب القطار المتوجه لألمانيا"، (1 سبتمبر/أيلول)، "هجوم مدبَّر على المجر... المجر تتعرَّض لهجوم وحشي"، (17 سبتمبر/أيلول). 

كما أسهمت مثل هذه المعلومات الـمُضَلِّلَة؛ التي هدفت إلى شَيْطَنَة المهاجرين، في انتقال العدوى إلى الدول المجاورة في منطقة البلقان على وجه الخصوص التي اتَّخذت أشكالًا أكثر عنفًا؛ حيث انطلقت موجة من الإشاعات بين الناس وفي الأسواق وعلى الإنترنت، والتي وَسَمَتْ اللاجئين بعلامات مَخْصُوصة تثير الفزع والخوف لدى الرأي العام كـ"إيبولا" و"الهجوم الإرهابي"...

وتجدر الإشارة إلى أن الترويج لمثل هذا اللغط تردَّد صداه أيضًا في وسائل الإعلام الألمانية اليمينية المحافظة لاسيما دورية "دي فيلت" Die Welt "الحرب في سوريا: مقاتلو داعش يسافرون إلى الاتحاد الأوروبي بجوازات سفر مجرية" (29 يونيو/حزيران)، وهو ما أسهم في احتدام الصراع بين اليمين المتشدِّد واليسار الليبرالي في البلاد الذي لم يتوانَ عن الردِّ على ما أسماه بعملية "تنميط" صور المهاجرين: "أزمة المهاجرين: لا للتنميط. على عكس ما تنقله الجهات المناهضة للمهاجرين، الشبان الأجانب القادمون إلى أوروبا ليسوا متوحشين، بل يخفون دائمًا قصصًا من النضال ضد الأنظمة الاستبدادية" (دي زيت Die Zeit وهي أسبوعية متحرِّرة (28 أكتوبر/تشرين الأول).

المهاجرون والخطاب العنصري: 
لم تكتفِ وسائل الإعلام المجرية الناطقة باللغة المحلية أو الإنجليزية "مغيار هيرلاب" في معالجتها لقضية اللاجئين بنزع الصفة الإنسانية عن هؤلاء، بل لجأت أيضًا للخطاب العنصري (7%) من منطلقات قومية، دينية وإثنية-ثقافية في سبيل تشويه صورة اللاجئين وتعبئة الشعب لمساندتها في سياستها ضد هؤلاء بالرغم من تصاعد أصوات المعارضة اليسارية في البلاد التي لا تنفك تنتقد وتدعو إلى تغيير هذه السياسة. حيث نلاحظ طوفان الخطاب العنصري في مجموعة من وسائل الإعلام الأوروبية من خلال تصريحات أو مداخلات لسياسيين أو لفاعلين من اليمين المتشدِّد، ففي كلٍّ من ألمانيا والنمسا، على سبيل المثال، تكثر اللقاءات والخطابات النازية الجديدة العنصرية والمعادية للاجئين في المجالين العام والسياسي، مثل تلك التي اشتُهِرت بها حركة "بيغيدا" Pegida  وشعارها "ضد أسلمة أوروبا" والتي وُجِّهت إليها أصابع الاتهام في اعتداءات عنيفة ضد اللاجئين أو "حركة الهوية النمساوية" IBÖ وسعيهما الدؤوب إلى تجنيد الشباب في كنف الجامعات والأخويات الطلابية في مشروعهما "النضالي" من أجل حماية البلاد من "الهجرة الجماهيرية" و"الأسلمة".

المهاجرون ضحايا العنف المادي والرمزي: 
كشفت الدراسة عن واقع آخر يعيشه المهاجرون ممن أصبحوا ضحية ليس فقط للعنف المادي من قبل بعض السلطات والعصابات الإجرامية في طريقهم إلى أوروبا وداخلها (في منطقة البلقان على وجه الخصوص)، وإنما أيضًا للعنف الرمزي، من خلال سياسة التعتيم الإعلامي المتعمَّدة لهذا الواقع الاجتماعي الأليم لهؤلاء لاسيما في وسائل إعلام اليمين المتشدِّد، وهو ما يُفسِّر في الحالة المجرية غياب اللغة المناصِرة في المضامين الإعلامية التي تناولت قضايا اللاجئين أو ضآلتها مقابل اللغة المعادية (18% مقابل  48%)، كما كشفت نتائج دراسة حالة لوفيغارو الفرنسية.

ففي الحالة المجرية، على سبيل المثال، لم تكتف وسائل الإعلام بسياسة التعتيم على أشكال العنف الممارس بحق اللاجئين، والذي أكَّدته نتائج بعض الدراسات والتقارير التي قامت بها منظمات دولية (تقرير منظمة العفو الدولية 2015)  وصحفيون غربيون، بل لجأت إلى قلب الحقائق فقدَّمت الشرطة ضحية للعنف المادي من قِبل المهاجرين: "بعض المهاجرين يصبحون أكثر فأكثر عدائية، فعلى سبيل المثال، أقدم شاب في الخامسة والعشرين من عمره على الاعتداء على أحد رجال الشرطة مما اضطر هذا الأخير إلى استخدام القوة للسيطرة عليه لاستتباب الأمن. الشرطة اعتقلت الشاب السوري لاحقًا بسبب اعتدائه على الشرطي" (مغيار هيرلاب، 9 سبتمبر/أيلول).

ويندرج مثل هذه الممارسات الإعلامية المتحيِّزة والبعيدة كل البعد عن أخلاقيات المهنة وغير الإنسانية في سياق سياسة تشويه وشَيْطَنَة صورة اللاجئين التي تبنَّتها الحكومة المجرية وترسانتها الإعلامية، كما صادقت الحكومة على قانون، بتاريخ 21 سبتمبر/أيلول 2015، يعطي الصلاحية للشرطة لإطلاق النار على المهاجرين والذي بموجبه يصبح تقديم العون أو المساعدة لمهاجر غير شرعي جُنْحَة تُدخل صاحبها السجن. أمَّا في فرنسا، فقد كشفت دراسة المضامين الإعلامية لدورية "لوفيغارو" عن ندرة الصور والتقارير التي تسلِّط الضوء على الواقع الأليم الذي يعيشه اللاجئون.

2. رهانات الخطاب الإعلامي الأوروبي وتأثيراته

كشفت دراسة المضامين الإخبارية في الحالة المجرية عن وجود مجموعة من الرهانات السياسية والجيوسياسية والاستراتيجية على المستويات المحلية الإقليمية والأوروبية على حدٍّ سواء. فالتركيز على أزمة اللاجئين بدل قضايا الفساد في وسائل إعلام المعارضة على وجه الخصوص، والدعاية الإعلامية والخطاب الأيديولوجي والعنصري في وسائل الإعلام الرسمية والمقرَّبة من الحكومة (بقيادة فيكتور أوربان وحلفائه "المسيحيون الديمقراطيون" الذين وصلوا إلى الحكم منذ العام 2010 بأغلبية برلمانية توازي الثلثين) من شأنه أن يضمن لهذه الحكومة الفوز في الانتخابات المقبلة لعام 2018، لاسيما بعد تراجع شعبية الحزب الحاكم (حزب الاتحاد المدني المجري Fidesz برئاسة أوربان)، وهو حزب سياسي يميني لا يفرِّق بين هجرة وإرهاب جعله شعاره الرسمي في الفترة الأخيرة مُتوجِّهًا إلى "الأغراب" بعدم "أخذ عمل المجريين" في ظل نسق إعلامي تحت قبضة الحكومة وتراجع ملحوظ في حرية التعبير في البلاد.
وهنا تجدر الإشارة إلى مساهمة هذا الخطاب في ردود فعل وفي بعض الأحيان ممارسات وسلوكيات معادية وعنصرية وعنيفة في المجتمع المجري: "هم يأتون من بيئة مليئة بالاعتداءات والمشاكل والتوترات ومن الصعب التخلُّص من كل ذلك في ليلة وضحاها، وهناك مشاكل أخرى، بحسب ما أعرف عن الدِّين، فإنهم سيحاولون أسلمة الشعب بأية وسيلة... اللاجئون يأتون كالفئران، ومع ذلك ننقلهم في باصات مكيَّفة ونزوِّدهم بالمياه المعدنية، بينما أنا أُجازَى بدفع غرامة مالية في حال لم أُغيِّر إنارة السيارة... يجب منعهم عبر حفرة مليئة بالتماسيح أو بالسلاح والكلاب من أجل حماية البلاد" (مقابلة مع مزارع مجري، من مجلة كومبليمان دانكيت، فرانس 2، 15 أكتوبر/تشرين الأول).

النزاعات والمزايدات السياسية والخلافات الوطنية:
يكشف التحليل في الحالة الفرنسية عن توظيف قضية اللاجئين بشكل واسع من قِبل اليمين واليسار في سياق الانتخابات الإقليمية التي جرت خلال شهر نوفمبر/كانون الثاني من هذا العام. وقد تجسَّد ذلك من خلال المزايدات السياسية من كلا الطرفين حول هذه القضية في سبيل لَفْت أنظار الناخبين عبر شعارات عاطفية تساند المهاجرين (حالة اليسار) أو داعية للتشكيك وإثارة القلق (حالة اليمين). كما لم تتوان هذه الأخيرة عن الإفراط في نشر تصريحات اليمين الفرنسي المتشدِّد حول القضية بهدف خلق مشهدية مصطنعة حول القضية تندرج ضمن مفهوم التسويق الإعلامي لغايات سياسية وتجارية. أمَّا في الحالة الألمانية، فقد بدت التغطية الإخبارية لقضية اللاجئين أقل تسييسًا وأكثر عقلانية وهو ما يُفسِّر حجم الخطاب المحايد (48%) وحتى وجود نزعة معادية (3%) خاطبت بدرجة كبيرة عقل القراء بدل عاطفتهم.

تغييب المسؤولية والمبادئ الأخلاقية :
كشفت دراسة المضامين الإخبارية لتغطية أزمة اللاجئين في وسائل الإعلام الأوروبية عن محاولة مقصودة لتغييب المسؤولية عن الجهات التي وقفت وراء هذه الأزمة سواء تعلَّق الأمر بمسؤولية الأنظمة الاستبدادية في المناطق التي قَدِم منها هؤلاء اللاجئون، أو مسؤولية الاتحاد الأوروبي الذي حصل في العام 2012 على جائزة نوبل للسلام على جهوده في وقف الحرب في القارة الأوروبية، خاصة أن احترام المبادئ الأخلاقية وحُسن الضيافة يُعتبران ركيزة من ركائز تحقيق السلام. بمعنى آخر، تمنَّع بعض وسائل الإعلام عن تناول قضايا، مثل: تخلِّي أوروبا والاتحاد الأوروبي عن اللاجئين بشكل مخجل لتُركِّز بشكل مفرِط على النزاعات والنتائج الاقتصادية والاجتماعية لأزمة اللاجئين الذين تحوَّلوا إلى أرقام وأعباء وموضع تهديد بالنسبة لبعض الدول الأوروبية بغض النظر عن الإمكانية المحتملة لإثراء العيش المشترك في القارة الأوروبية، على سبيل المثال.     

والخلاصة، فإن المعالجة الخبرية لتغطية أزمة اللاجئين في وسائل الإعلام الأوروبية، اتسمت بأبرز النقاط التالية: طوفان النزعة الأيديولوجية في الخطاب الإعلامي لاسيما في وسائل الإعلام اليمينية التي استندت بشكل ملحوظ في عملية بنائها إلى الثنائيات الضدية بين الأنا (تغطية عنصرية) والهُمْ وأحادية الرأي الخاصة بالطبقة المسيطرة (تغطية دعائية مسيطرة). بالإضافة إلى نزوع هذا الخطاب إلى التعتيم على تجارب وآمال ومعاناة هؤلاء والتركيز على الجوانب المعلومتية في معالجة الأزمة (تغطية مختزلة)، و"الخلط بين السياسة وعلم الوجود (الأنتولوجيا)" حتى في خطاب وسائل الإعلام اليسارية (الفرنسية على وجه التحديد) والذي جرى توظيفه بشكل كبير في إطار النزاعات والمزايدات السياسية بين اليمين واليسار قبيل الانتخابات الإقليمية في البلاد أو في إطار العقلانية الزائدة على حساب العاطفة والاهتمامات الإنسانية (حالة ألمانيا).

تاريخ النشر من المصدر: 
23/ 12/ 2015
المصدر: 
مركز الجزيرة للدراسات