كيف سَتدخُل تركيا سورية
مقالات الكاتب

المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت
(ترجمة السورية نت)
تلخيص
تقارير متعددة غير مؤكدة دارت في وسائل الإعلام التركية تقول بأن الجيش التركي قد يقوم قريباً بالتدخل في سورية. من الملحوظ عدم قيام مسؤولين رفيعي المستوى بينهم وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو بإنكار تلك المزاعم، كما أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أكد في التويتر على أن الأتراك لن يسمحوا للمنظمات الإرهابية باستغلال البيئة الفوضوية على الحدود التركية. ولكن العملية التي تم الحديث عنها في وسائل الإعلام، خاصة احتمال الغزو البري، غير مرجحة الحدوث. ولكن يستحق الأمر تسليط الضوء على المخاطر التي ستهدد تركيا في حال قامت فعلاً بتطبيق ذلك.
تحليل
ظهرت سيناريوهات مختلفة وسط شائعات الغزو التركي لسورية. اقترحت بعض التقارير أن الجيش سيستخدم قوات برية يصل عددها إلى 18,000 مع قوة جوية كبيرة لتأمين منطقة يصل عمقها إلى 30 كيلومتراً (18 ميل) على طول الحدود داخل سورية تجري من مدينة جرابلس باتجاه الغرب إلى المناطق التي يحتلها الثوار حول مدينة إعزاز. ستغطي العملية منطقة تقع حالياً تحت سيطرة "الدولة الإسلامية"، وستحاول تأمين منطقة عازلة لتركيا ستؤذي الجماعة المتطرفة بشدة، ستؤمن المساعدة للثوار السوريين وستيسر انتقال اللاجئين السوريين. كما ستؤدي إلى تصعيد دور تركيا في الصراع بشكل هائل، مما يجعل هذا السيناريو غير مرجح إلى حد كبير.
كما ظهرت أيضاً سيناريوهات مقبولة أكثر للتدخل التركي، بما فيها العملية التي ستقدم دعماً متزايداً للجيش السوري الحر ومدفعية وغارات جوية، ولكنها ستتجنب الأفق الأكثر حساسية لتقديم قوات برية. من المؤكد تقريباً أن الأتراك سيكثفون من جهودهم للتحكم بالحدود أيضاً، متسببين بإيذاء خطوط الإمداد الرئيسية للدولة الإسلامية عبر تركيا. سيكون من الهام الانتباه إلى الغارات والحملات على حلقات التهريب المرتبطة "بالدولة الإسلامية" في البلدات الحدودية.
سياسات الحرب
قد تحفز الاعتبارات السياسية المحلية على الحديث عن غزو سورية، خاصة فيما يتعلق بالخيارات الأكثر خطورة. إن الحديث عن عملية عسكرية هامة ضد "الدولة الإسلامية" جاء مباشرة بعد انتخابات غير حاسمة في تركيا. قد يكون حزب العدالة والتنمية الحاكم يحاول حشد رد فعل المصوتين، خاصة ضمن حزب الحركة القومية، بينما يدرس إما بناء حكومة تحالف أو تجهيز انتخابات مبكرة.
بالإضافة إلى الحوافز السياسية المحلية، فإن التبعات الأجنبية للعملية في سورية واضحة. فإن توجيه ضربة للدولة الإسلامية سيفيد كثيراً في تصليح علاقة تركيا مع الولايات المتحدة والناتو، التي اتهمت تركيا بالرضا عما قامت به لمواجهة الجماعة المتطرفة. وإن قيام تركيا بتفادي المنطقة التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب الكردية سيصلح العلاقة أكثر. وإن استهداف جناح "الدولة الإسلامية" خاصة في منطقة جرابلس-إعزاز، سيفيد قوات الثوار كثيراً في محافظة حلب، مما سيمكنهم من تحويل قواتهم من قتال "الدولة الإسلامية" لتأمين مدينة حلب.
على الرغم من الأسباب الداعمة للعمليات المحتملة، إلا أنه من الواضح أن أي حملة عسكرية تركية في سورية تحمل مخاطر هائلة ومتنوعة. على سبيل المثال، فإن أي عملية لتأمين منطقة عازلة من جرابلس إلى إعزاز في سورية لن تمثل ما هو أقل من اعتداء كبير على "الدولة الإسلامية". إن هذه المنطقة الحدودية بالذات لها أهمية عظيمة بالنسبة للدولة الإسلامية، بما أنها صلتها الهامة الأخيرة للمجندين الأجانب والموارد. لذا، فإن الجماعة المتطرفة من المتوقع أن تحارب بضراوة ضد التدخل التركي. سيحتاج الجيش التركي أن يكون مستعداً لاحتمال خسارات كبيرة في قتال صعب ضد عدو ماهر باستخدام الغارات الخاطفة والهجمات الانتحارية.
ومن الهام أيضاً، ومن المؤكد تقريباً أن "الدولة الإسلامية" ستخطط لهجمات إرهابية تهدف لإلحاق أضرار هامة داخل تركيا نفسها. على الأرجح أن الحكومة التركية لم تقم بمهاجمة "الدولة الإسلامية" إلى الآن لأنها تريد تجنب مثل تلك الهجمات. كما أن "الدولة الإسلامية"، وخلال الوقت، قامت بتطوير وجود خفي لها في تركيا، لتيسير خطوط إمدادها ورجالها إلى سورية. نظراً لوضع تركيا السياسي والاقتصادي الدقيق، سيكون لهجمات إرهابية كبيرة متعددة في المدن التركية تأثيراً كبيراً على زعزعتها.
مخاطر أوسع
الردة الانتقامية من "الدولة الإسلامية" ليست الخطر الوحيد للتدخل العسكري. من غير الواضح كيف ستتفاعل الحكومة السورية مع عملية كتلك، على الرغم من واقع أنها لا تسيطر على المنطقة المستهدفة. بما أنها غاضبة بالفعل من دعم تركيا للثوار السوريين الذين يقاتلون ضد قواتها في الشمال، قد تجابه دمشق القوات التركية العابرة للحدود عسكرياً من خلال ضربات الصواريخ البالستية أو الغارات الجوية. بينما قد لا تؤذي هذه الأساليب على الأرجح أو حتى تزعج العملية التركية، إلا أنها قد تدفع الأمور أكثر في الصراع الخطر بالفعل وقد تجذب تركيا ومن المحتمل حلفاءها أيضاً أعمق في الحرب الأهلية السورية.
إيران وروسيا، اللتان لازالتا تقومان بدعم الحكومة السورية بقوة، لن تكونا سعيدتين أيضاً بالتدخل التركي المباشر في الصراع. إن تركيا تحافظ على صلات اقتصادية هامة مع إيران وروسيا، وقد تقوم هذه الدول بمعاقبة تركيا اقتصادياً في حال قررت التدخل في سورية. وللرد على التقارير التي تفيد بعملية عسكرية تركية وشيكة، قال سفير إيران إلى تركيا علي رضا بيكدالي حتى أن أي حركة كهذه من قبل تركيا ستدمر قدرة أنقرة على التأثير بأي تسوية سلمية في سورية.
وإن بعض جماعات الثوار المتطرفة التي تحارب "الدولة الإسلامية"، مثل جبهة النصرة، تمثل أيضاً خطراً إضافياً لتركيا. بينما قد تقوم جماعات ثورية كتلك التي ضمن الجيش السوري الحر، والجبهة الشامية وحتى الجماعات الحليفة لجبهة النصرة ضمن الجبهة الإسلامية بالترحيب بالعملية العسكرية التركية ضد "الدولة الإسلامية"، إلا أن رد فعل جبهة النصرة لازال غير ثابت ومن غير الممكن التنبؤ به. من الممكن تماماً أن يجد الجنود الأتراك أنفسهم في قتال ضد أكثر من جماعة إسلامية قوية واحدة في سورية.
لازال التدخل احتمالاً مستبعداً
وأكثر من ذلك، فإن التقارير من تركيا تبدي أن الجيش التركي لازال متردداً حول العملية في سورية، على الرغم من الرغبة السياسية للمضي قدماً. إن الجيش التركي قادر تماماً على إتمام المهمة، ولكن من المفهوم أن القادة لن يكونوا متحمسين بالبدء بعملية هامة كهذه دون تفويض واضح، خاصة نظراً للجو السياسي غير المؤكد الذي تبع الانتخابات غير الحاسمة. إن أي تفويض في هذه النقطة من المحتمل أن يتم إلغاؤه مع الحكومة الجديدة. مع غياب الدافع العسكري التركي القوي، من المرجح أن تعاني المهمة من نقص التنسيق والهدف.
من الجدير بالذكر أيضاً أنه ومع كل مخاطر العملية، إلا أن الخشية من استهداف الأكراد ليس واقعياً. لقد أوضحت تركيا بشدة أنها لن تقبل بإنشاء دولة كردية مستقلة في سورية، ولذا فإن هنالك توتر قائم مع وحدات حماية الشعب الكردية. ولكن، العملية وكما يتم الحديث عنها حالياً في وسائل الإعلام التركية، ستتجاهل الأكراد إلى حد كبير. فإنها لن تحصل في منطقة خالية من القوى الكردية وحسب، ولكن أيضاً في منطقة لا تملك القوات الكردية المفرطة التمدد بالفعل القدرة على احتلالها، بغض النظر عن التدخل العسكري التركي. إن الحديث عن الطريقة التي ستحول فيها العملية من الوصل المستقبلي لعفرين وكوباني يتجاهل القيود الجغرافية وحدود قدرة وحدات حماية الشعب الكردية.
إن التحرك العسكري التركي إلى سورية لازال بعيد الاحتمال، ولكنه مرجح الآن أكثر من أي وقت مضى. إن تصعيد احتمال غزو كهذا قد يكون مناورة سياسية من قبل الحكومة الحاكمة لتأمين أصوات إضافية من الأحزاب الأخرى في التحضير لانتخابات مبكرة. ولكن في حال قامت تركيا بتنفيذ عملية كهذه، سيكون عليها التعامل مع عواقب متعددة ومتنوعة، محلياً وفي الخارج.
تعليقات