ماذا لو لم يكن بمقدورنا التوصل إلى اتفاق حتى ضد خيانة الوطن والإرهاب والانقلاب....

المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت
المجتمع هو عبارة عن مساحة كبيرة للتنوعات والاختلافات. بينما الأمة فهي عبارة عن كيان موحد متكافل على قلب رجل واحد ضد هذه الاختلافات والتنوعات الموجودة داخل المجتمع وهذه المنظومة دائماً ما تخضع لاختبارات مصيرية. عادةً ما تكون هذه التنوعات والاختلافات الطبقية إضافة إلى التقسيمات داخل المجتمع وما بينها من اضطرابات عقبة جادة أمام بناء كيان الأمة الموحد.
خلافاً لهذا الاعتقاد الشائع في عميلة تكون الأمة فإن مشكلة تركيا الوحيدة تكمن في عدم توفر مصطلح شامل وحاضن يمثل الهوية العرقية. بل إنه من الصعب العمل على بناء كيان الأمة الموحد بتطبيق مصطلح هوية عرقية شامل مع واقع المجتمع التركي وهو أحد أهم الأسباب الرئيسية في وجود اضطرابات في المجتمع.
ولكن في فترة الجمهورية لم يكن هذا السبب هو العقبة الوحيدة أمام بناء كيان الأمة. بل إن عدم توحد الجميع على قيم مشتركة، وإن اختلاف تبعية الجهات الفاعلة داخل في الدولة نحو أمم ودول أخرى كانت من أكبر العقبات أمام بناء كيان الأمة. والجدير بالذكر أن هذه الاختلافات الاجتماعية كانت أكثر بكثير مما نتصور، بل وإنها كانت السبب في بناء جدران عزل كبيرة بين فئات المجتمع لا يمكن اختراقها.
لو نظرنا إلى الجو السياسي كما رسمته الديمقراطية التفاوضية، يمكننا القول إنه يدعو إلى حد كبير من التفاؤل في تركيا. ولكن في حال أرادت الأطراف السياسية التفاوض والتوصل إلى تفاهم واتفاق فيما بينها لابد من توفر الإرادة والرغبة في ذلك قبل الجلوس.
بينما في تركيا فإن الأطراف بعيدة أبعد البعد عن التوصل إلى اتفاق على مبادئ وقيم مشتركة ولو صح التعبير فإن الأطراف لا تدخل المفاوضات باحترام الحقوق فيما بينها وبهدف الوصول لحل في صالح بناء منظومة الأمة، بل إنها تدخل نيابة عن جهات خارجية سواء دول أو منظمات بهدف توسيع بقعة الخلاف. لأجل ذلك دعونا من فكرة بناء منظومة الأمة، بل إن بعض هذه الأطراف تقوم وبطريقة منهجية بانتهاك بعض القيم الأساسية للمجتمع نفسه.ومن الواضح أن هذا الوضع سيصبح من أكبر المعيقات التي تواجهنا في مرحلة إنشاء الدستور الجديد الذي هو عبارة عن رغبة مجتمعية كبيرة.
انظروا، إننا حتى لا نستطيع إنشاء حساسية مشتركة أو إيجاد تعريف وموقف واضح ضد الانقلابات. الكل ضد الانقلاب في الشكل الظاهري، ولكن في حال توفر احتمال لوقوعه فإننا نرى البعض قد حمل أمتعته وقام بالفرار. والبعض يحدد موقفه بالنظر إلى الانقلاب ضد من سيحدث، ومن القائم به.
وهذا بالتحديد ما حصل في انقلاب 9-12 مارس وكذلك انقلاب 12 سبتمبر و28 فبراير، وأيضاً في أي انقلاب يحدث!! في كل واحد من هذه الانقلاب وعلى الرغم من أن هناك البعض الذي يقف في صفوف الانقلاب بشكل مؤقت إلا أنه قد أعطي مشروعية لفكرة الانقلاب. بعد أن وقفت الانقلابات وفعلت ما أرادت فعله ومن ثم تم التحقيق والاستجواب عن مشروعيتها.
وخصوصاً عندما يأتي الانقلاب في زي أخر، فإنه يستطيع إرباك العقول وجلب أناس أكثر لصفه. ولأنه لم تشكل حساسية موحدة ضد جوهر الانقلاب فإنه حين يأتي في زي أخر يصفق له حتى من هم مميزون وضد له. بينما أن من الواجب أن يقف الجميع موقف واحداً ضده بشكل واعي ومدرك وحتى يجب أن تكون قيمة مجتمعية مشتركة في أي حال من الأحوال سواء جاء الانقلاب بزي أو بأخر.
أليس موضوع الإرهاب أيضاً نفس الشيء؟ أصبح من الطبيعي أن تجد هناك من يحمل وجهين بدلاً من رفض الإرهاب ككل بمبدئه وأشكاله، يقوم بالنظر إلى الجهة التي يصدر منها الإرهاب. من المستحيل أن يعرض المجرم في أي دولة من العالم كبطل وهو الذي قام بتفجير انتحاري قتل إثره 29 شخص من المدنيين و60 أخرين جرحوا. ويا للآسف الشيء الذي لا يحدث في العالم يحدث في تركيا، بل ويقوم نائب برلماني بالانضمام إلى جنازة الإرهابي المجرم الذي تسبب في قتل نفسه و29 شخص أخرين، ويقوم حزبه وزملائه البرلمانيون الأخرون بتسويغ انضمامه والدفاع عنه.
قام برلمانيو حزب الشعب الجهوري (جا ها بي) بتقديم إرهابيو حزب التحرر الشعبي (دي ها كا بي) الذين قاموا باحتجاز النائب العام لساعات ومن ثم قتله بطريقة وحشية الإرهابين على أنهم أبطال. الذين قاموا بهذه الأعمال والذين دعموهم باتوا وكأنهم يستخدمون حقهم الديمقراطي المشروع. برلمانيو (هي دي بي) و (جا ها بي) منهم من يقوم بتمثيل (بي كا كا) ومنهم من يقوم بتمثيل (دي ها كا بي) أو (مي لي كي بي) وكأنهم وكلائهم السياسيين. إن ردود الفعل التي قاموا بها ضد هجمات داعش في منطقة سروج أو محطة أنقرة كأن استبشارنا وأملنا بهم أمل وهمي. فهذه الردود التي في جوهرها (ردا على الإرهاب) كما تسرعنا في قراءتها. في كلا الحالتين كان هناك إرهاب لكن هذا من داعش إذن هو في نظرهم أنه إرهاب لكن الإرهاب الذي يقوم به كل من (بي كا كا) و (دي ها كا بي) لا يعد في نظرهم إرهاباً بل أعمالاً بريئة.
بينما كانت مواقفنا نحن دائماً واضحة فقد هاجمنا وأعلنا استنكرانا ضد تنظيم داعش الإرهابي وما يقوم به. إن لم نكن نستطيع حتي التوصل إلى تفاهم واتفاق ضد الإرهاب، ولو قمنا بتحديد مواقفنا بناءً علي تصنيف نوع الإرهاب والجهة الصادر فإننا لن نستطيع التوصل إلي أي تفاهم في أي موضوع.
إذا لم نستطع حتى التوصل إلى اتفاق في هذه القضايا، فإنه من الطبيعي أن لا يكون هناك مصطلح محدد وواضح لخيانة الوطن وأن نبقي نظهر المواقف المبعثرة. وبسبب عدم الاتفاق يقوم البعض بالتجسس على مؤسسات دولته الاستخباراتية والعسكرية ومن ثم تبرير مثل هذه الأعمال بالجرم المشروع وحرية الإعلام منتهزا الفرصة والشجاعة من عدم الاتفاق الموجود. ولكن هذه المواضيع التي لم يتم الاتفاق عليها مع مرور الزمن، يجب علينا القول إنه حان الوقت لبزوغ إرادة وطنية لجعل هذه القضايا تحت رقابة القانون والجزاء. هذه الإرادة مهمة من أجل بقاء تركيا وتكوين الأمة ومن أجل الدفاع عن نفسها بل إنها إرادة مصيرية وما عشناه في تركيا في الآونة الأخيرة إنما هو مظهر من مظاهر هذه الإرادة.
تعليقات