أدوات أمريكية لمعاداة تركيا في المنطقة

المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت
من المؤكد اليوم أن الآمال التي عقدتها السياسة التركية على انتخاب دونالد ترامب رئيسا لأمريكا بعد باراك أوباما قد ذهبت أدراج الرياح، وأن الآمال التي بعثها ترامب لتركيا وأردوغان شخصيا في حملته الانتخابية لم تكن إلا كمثيلتها التي بعثها لروسيا وبوتين شخصيا.
وما زاد عنها بالنسبة لروسيا هي العقوبات الاقتصادية والسياسية المتبادلة بين الدولتين، وهي مرحلة لم تبدأ مع تركيا بعد، ولكن لا يمكن استبعادها في المدى القريب، إذا بقيت الولايات المتحدة الأمريكية على خطتها واستراتيجيتها في سوريا والمنطقة، التي لا تنم عن حكمة، وإنما تحكمها اعتبارات أيديولوجية يمينية متطرفة أولاً، وتحكمها مصالح أمنية تخدم الأمن الإسرائيلي ثانيا، وتحالفات غير صادقة ولا مستقرة مع بعض دول المنطقة ضد بعضها الآخر ثالثًا، وأخيرا خدمة الاقتصاد والشركات الأمريكية العابرة للقارات وداخل أمريكا.
لذلك يمكن اعتبار السياسة الأمريكية مع تركيا مضطربة وغير مستقرة؛ لأن أمريكا مضطربة سياسيا داخليا أولاً، ويمكن القول بأنها بدأت بالانهيار السياسي أولاً، وغير مستقرة في سياستها الخارجية ثانياً، وهذه نتيجة طبيعية للانهيار الداخلي، فهي تعلن عن سياسات معينة، بينما تمارس عمليا ما هو عكسها، فعلاقات أمريكا غير واضحة في منطقة الشرق الأوسط إلا مع الدولة الإسرائيلية فقط، بينما هي مع القضية الفلسطينية أو السورية أو العراقية أو الإيرانية أو التركية أو العربية في حالة تناقض وضعف، والبعض يصفها بالبرودة أو التخبط، وهو ما ينطبق على سياسة أمريكا في السنوات الأخيرة مع تركيا أيضا، فأمريكا ومنذ بزوغ اضطرابات الربيع العربي تظن أن فرصتها التاريخية لإعادة تقسيمات سايكس بيكو قد أتت، وحيث أن مراكز الأبحاث والدراسات الأمريكية الاستراتيجية قد وضعت خططا لتقسيم المنطقة العربية في بداية عقد السبعينيات من القرن الماضي، بما فيها تقسيم تركيا وإيران وسوريا والعراق ومصر والسعودية وغيرها، ومنها خرائط نشرت باسم مركز كولورادو عام 1974، ثم تكرر نشرها باسم مراكز أخرى، وبينما كانت بعض الإدارات السياسة الأمريكية تنكر هذه المخططات الأمريكية سياسيا، عند احتجاج الرؤساء والملوك العرب عليها، وتدعي أنها لا تمثل الإدارة السياسية الحاكمة؛ وإنما مراكز الدراسات فقط، ولكنها مع انهيار الاتحاد السوفييتي، ومحاولة أمريكا فرض نظام دولي جديد يخدم استراتيجيتها للقرن الواحد والعشرين، بدأت تقوم على تنفيذها، وتبين أنها تقوم بتنفيذ استراتيجيات التقسيم لأكثر دول العالم خطرا عليها، أو التي تسمح ظروفها السياسية والاجتماعية والاقتصادية فرض التقسيم عليها قبل غيرها.
لقد عملت أمريكا على تفكيك الاتحاد السوفييتي على فترة زمنية طويلة، واستنزفته بسياسات سباق التسلح العسكري والنووي والفضائي، والعقوبات الدبلوماسية ودعم المعارضة السياسية والشعبية الروسية الداخلية، في روسيا وغيرها من جمهوريات الاتحاد السوفييتي ومنظومة الدول الاشتراكية، فاستفادت أمريكا والدول الأوروبية من حالة الضعف وسوء إدارة الدول الاشتراكية، بالعمل على تقسيمها وتفكيك الروابط بينها، وهي تمارس ذلك اليوم مع دولة روسيا الاتحادية، فأمريكا والناتو يعملان على تقسيم روسيا الاتحادية، ولذلك لم يجد بوتين من مفر إلا مواجهة الخطط الأمريكية، ولو بالتدخل في السياسات الأمريكية داخليا، لدرجة التدخل في الانتخابات الرئاسية، والعمل دوليا على إنهاء نظام القطب الواحد، وإنشاء منظمات وتحالفات دولية تفرض إرادتها وسياساتها على النظام الدولي بجدارة وقوة، بدون الاكتراث إن كانت هذه المنظمات والتحالفات تعمل على إضعاف أمريكا وإفشال خططها واستراتيجياتها الدولية المتوحشة أم لا.
في خضم هذا الصراع الدولي، ومحاولات أمريكا إضعاف تركيا تعمل السياسة التركية على حماية نفسها من المخاطر الداخلية والخارجية، التي من الممكن أن تكون الأصابع الأمريكية ـ وليس بالضرورة البيت الأبيض ـ تعمل معها أو تلعب بها وتستخدمها ضد السياسات التركية المعاصرة، التي يقودها حزب العدالة والتنمية بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان، فأمريكا لا تسعى في الوقت الحالي للمواجهة العلنية مع أردوغان والحكومة التركية، ولذلك تكثف اتصالاتها مع المعارضة التركية الداخلية، فهي تستخدم زعيم المعارضة التركية رئيس حزب الشعب الجمهوري كلجدار أوغلو في محاولة إحراج الرئيس أردوغان وحكومة حزب العدالة والتنمية برئاسة يلدرم، فتصريحات كلجدار اوغلو الأخيرة ليست عبثية في مجمل الخطة الأمريكية والأوروبية، لتحجيم قدرات تركيا السياسية والاقتصادية، كما أن دعم أمريكا وبعض الدول الأوروبية وعلى رأسها ألمانيا لسياسات حزب الشعوب الديمقراطي (الكردي) الانفصالية علنية، وهي تستغل حجة معايير الحريات العامة والحريات الإعلامية والحقوق القضائية، ذريعة في شق الصف الاجتماعي والسياسي في الشارع التركي، فإن لم تنجح في إسقاط حكومة حزب العدالة والتنمية عن طريق الانتخابات فلا أقل من أن تعرقل عملها ونجاحها، ولذلك يسعى أردوغان إلى تعزيز المعارضة السياسية الوطنية بتحالفه مع حزب الحركة القومية بقيادة دولت باهشلي وغيره من الأحزاب السياسية الوطنية والحركات الاجتماعية، ويحثها على العمل السياسي الوطني الشريف.
وعلى صعيد استخدام الأزمات الاقليمية ضد السياسة التركية، تصر أمريكا على تحالفها مع حزب العمال الكردستاني في سوريا والعراق، وإن لم يكن بأيدي أمريكية مباشرة، فدعم وزارة الدفاع الأمريكية لما تسميه هي «قوات سوريا الديمقراطية» بالأسلحة الثقيلة هوعمل ضد الأمن القومي التركي بشكل مباشر وخطير، لأن هذه القوات هي نفسها وحدات حماية الشعب، وهي الميليشيات المسلحة لحزب الاتحاد الديمقراطي بقيادة صالح مسلم يد حزب العمال الكردستاني في سوريا، أي أن امريكا مهما تعذرت بالذرائع، فهي تقدم الأسلحة الضخمة لحزب العمال الكردستاني، الذي يهاجم الشعب التركي بالعمليات الإرهابية، ويقتل منه الجنود والشرطة والمواطنين المدنيين منذ سنوات طويلة، وهذا استخدام أمريكي للعناصر الإرهابية التابعة للأحزاب الكردية ضد مصالح الشعب الكردي في سوريا والعراق وتركيا أيضا، أي أن الإدارة الأمريكية تستغل أحلام الأحزاب الكردية لصناعة مزيد من التقسيمات السياسية في المنطقة، والتي تراهن على أن تكون جنودها المحلية وخدمة قواعدها العسكرية في هذه المنطقة، ليس في سوريا فحسب، بل في العراق أيضا؛ فمشروع الاستفتاء في كردستان تعارضه أمريكا شكليا، ولكنه يخدم مصالحها ومصالح إسرائيل والناتو والدول الأوروبية، ومنذ بدأت أمريكا باحتلال العراق عام 2003 قسمت البنية السياسية على أسس قومية وطائفية دستوريا؛ لأنها تخطط في النهاية إلى تقسيم العراق إلى ثلاث دول مستقلة، ولكنها لا تفرض التقسيم، وإنما تجعله هدفا للتقسيمات الطائفية والقومية التي صنعتها في النهاية، وهو ما تعمل عليه الآن بمؤتمر جنيف بخصوص سوريا، فالحديث عن الحل الفيدرالي سيكون مرحلة أولية لتقسيم سوريا، التي ستكون مرحلة أخرى لإضعاف تركيا وإيران والسعودية ومصر في مراحل لاحقة، فامريكا لا تفرض خططها وإنما تصنع وتستغل الظروف التي تؤدي إليها.
إن توريط الجيش المصري في تنفيذ الخطط السياسية في سوريا، عمل خطير لمصر وسوريا والمنطقة معا؛ لأن الحل السياسي المطروح في جنيف يؤول إلى التقسيم، والمسؤولون الروس اعترفوا بوجود جيش مصري في سوريا، فالسياسة المصرية المعاصرة لا تتورط في سوريا إلا بقراءة أيديولوجية للمنطقة، بالقضاء على الأحزاب والحركات السياسة ذات التوجهات الإسلامية، ومحاولة حكم المنطقة من قوى علمانية ليبرالية، خادمة للمشاريع الغربية والإسرائيلية، وهذا ليس في صالح الدول العربية ولا دول المنطقة من تركيا وإيران وشمال إفريقيا ولا دول الجزيرة العربية.
كما أن أمريكا تستخدم بعض عناصر المعارضة السورية العربية لإضعاف الجيش السوري الحر والفصائل السورية الوطنية، والتي تتعاون مع تركيا في الحفاظ على حقوقها الوطنية والجغرافية والسياسية، فأي مصلحة لبعض عناصر المعارضة العربية بدعم قوات حزب العمال الكردستاني، ولو بمسمى وحدات الشعب أو بالتسمية الأمريكية قوات حماية سوريا للسيطرة على مدينة إدلب؟ فمدينة إدلب مدينة عربية وليست كردية ولا أمريكية، وبالتالي لا يمكن فهم دورها إلا أنها ادوات أمريكية محلية لتنفيذ الرؤية الأمريكية لمستقبل شمال سوريا، لتكون من نصيب قومية غير عربية، فامريكا تستغل ما لدى بعض القوى العربية والإيرانية من عناصر وقوات مسلحة لتقاتل لصلح أمريكا والأحزاب الكردية الإرهابية، فهذه الأداة تعمل ضد مصالحها العربية وليس ضد تركيا فقط.
تعليقات