هل تفتعل أمريكا أزمة سياسية مع تركيا؟

المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت
كانت المواقف التركية من قضية تسليح الأحزاب الإرهابية التابعة لحزب العمال الكردستاني واضحة وصريحة لدى الإدارات الأمريكية منذ نشوء الأزمة السورية وقبلها، ولكن أمريكا خالفت المواقف التركية، رغم التحالف الاستراتيجي بين الدولتين لأكثر من سبعة عقود على أقل تقدير، فالأولوية في العلاقات بين الدول مقدمة على التحالف مع الأحزاب السياسية مثل، حزب الاتحاد الديمقراطي السوري وفروعه المسلحة وحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية.
المواقف الأمريكية كان لها نصيب من التبرير السياسي، من خلال ادعاء بعض الأمريكيين أن امريكا لا تريد ان تترك هذه الأحزاب السياسية والمسلحة ـ ولو كانت إرهابية ـ لصالح النفوذ الروسي في سوريا، وبالتالي كانت المطالب الأمريكية أن يتفهم الأتراك أن المصلحة الأمريكية تتحالف تكتيكيا مع الأحزاب الكردية، وتدعمها بالسلاح الثقيل، ولكنها تضمن عدم استعمالها ضد تركيا، بل أكثر من ذلك، أن يكون هذا الدعم مرحليا، فينتهي بعد انتهاء الحاجة إليه. وسواء اقتنعت السياسة التركية بذلك أم لم تقتنع، وهي تعلن عدم اقتناعها، فإنها لم تستطع منع الدعم العسكري الأمريكي والتحالف مع الأحزاب الارهابية التي تهدد الأمن القومي التركي، ولذلك فإنها تهدد بضربها اذا اعتدت على الحدود التركية دون انتظار إذن من أحد، فمخالفة المواقف التركية له عواقبه أيضاً حتى لو كان مع أمريكا أو غيرها.
ولكن نقطة الخلاف التركي الأمريكي لم تقف عند ذلك، بل أظهرت أمريكا مواقف معادية للحكومات التركية في عهد حزب العدالة الأخير، منها دعمها للانقلاب العسكري في يوليو 2016، فأمريكا متورطة بهذا الانقلاب، ومن الأدلة الأخيرة على ذلك ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قال: «إن تنظيم غولن لا يمكن أن يقوم بهذا الانقلاب، دون أن يكون لدى الاستخبارات الأمريكية علم بذلك». وبوتين رجل المخابرات السوفييتية، وخبير بالشؤون الاستخباراتية مع الغرب خصوصاً، ومسألة تورط تنظيم غولن بالانقلاب أمر يقيني، أي ان أمريكا متورطة أيضاً، ومع ذلك فضلت الحكومة التركية عدم افتعال أزمة سياسية معها، لأن من قاموا بذلك نالوا بعض جزاءهم بخسارة الانتخابات الأمريكية الأخيرة، ولأسباب أخرى أيضاً تخص المصالح التركية مع أمريكا أيضاً، ولكن في ذلك دلالة على ان الإدارة الأمريكية السابقة استهدفت إضعاف تركيا، وتعطيل مشروع نهضتها المعاصرة، بالتحالف مع الأحزاب الارهابية أولاً، وبتقديم الدعم لتنظيم غولن الارهابي، الذي لا يزال ينال الحماية من الادارة الأمريكية الجديدة، في عهد ترامب. وكأن إدارة ترامب ليست حريصة على إصلاح ما أفسده أوباما وبايدن وكيري مع تركيا، بل هي آخذة بافتعال أزمات أكبر، قد تصل لفرض عقوبات أو تخفيض التمثيل الدبلوماسي أو غيره.
في هذه الظروف كان لا بد للسياسة التركية أن تتطلع إلى توثيق علاقات دولية أخرى، لأن الحليف الأكبر لتركيا، وهو الولايات المتحدة الأمريكية، يعمل ضد سياساتها المستقلة. ومن الأعمال التي سعت امريكا من خلالها لإضعاف تركيا كان عملية توريطها في خلاف وصراع مع روسيا، فالضباط الأتراك الذين أسقطوا الطائرة الروسية السوخوي في 24 نوفمبر 2015، تلقوا أوامرهم من أمريكا عسكريا، ووزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري كان يطالب تركيا بالتصدي للطائرات الروسية قبل الحادثة، ولكنه تنصل من حماية تركيا بعدها، ولولا أن الرئيس الروسي بوتين كان مدركا لذلك أولاً، وقلب السحر على الساحر ثانياً، ولولا حكمة الرئيس التركي أردوغان بإصلاح الموقف التركي المشرف ثالثا، لوقعت أزمة دولية كبرى بين تركيا وروسيا، فكانت المعالجة الحكيمة كفيلة بأن توسع أفاق التعاون التركي الروسي، لما فيه مصلحة الدولتين أولاً، ومحاولة وقف التدهور الأمني في المنطقة والعالم ثانياً، فتلاقت مصالح تركيا وروسيا على رفض المشروع الأمريكي بإدخال العالم في صراعات محلية أو إقليمية أو دولية مدمرة وعبيثة، وهذا عبر عنه الرئيس الروسي بوتين مؤخرا بأن امريكا تتحمل مسؤولية الفوضى في منطقة الشرق الأوسط بإسقاط نظام صدام حسين 2003 وحتى الآن، فالاستراتيجية الأمريكية تسعى لإضعاف كل دول الشرق الأوسط وتقسيمها، بما فيها العربية والتركية والإيرانية وغيرها، باستثناء الدولة الاسرائيلية التي سوف تجني ثمار هذه الاستراتيجية الأمريكية، كأداة عسكرية بيد أمريكا، وبالأخص في البلاد العربية.
وهكذا يمكن فهم السياسة الأمريكية التي تسعى لإضعاف تركيا، حتى لو أدى ذلك إلى افتعال الصراع معها بحجج واهية، بل قطع العلاقات السياسية معها، أو فرض عقوبات اقتصادية عليها، وما قضية أزمة الاعتداء على حراس الرئيس التركي أردوغان في منتصف مايو الماضي، إلا واحدة من القضايا التي تعمل الإدارة الأمريكية على استثمارها ضد الحكومة التركية، بينما الحقيقة الأخرى في هذا العداء الأمريكي ضد تركيا هو التقارب التركي مع روسيا والصين، وتوثيق علاقات تركيا مع الدول الأوراسية والعربية والإفريقية، ومع دول امريكا اللاتينية، ومع منظمة الشانغهاي، وغيرها من المنظمات الدولية الآسيوية الفاعلة، فالسياسة الخارجية التركية الحرة تثير امتعاض أمريكا، التي تريد تركيا دولة تابعة لها إذا أرادت ان تخرج من التبعية الأوروبية، ولم تخف امريكا ذلك، فقد أعرب وزير خارجيتها تيلرسون عن قلقه من التقارب بين تركيا وروسيا، وهو يرى أن التقارب التركي الروسي تغير حقيقي في معادلات السياسة الدولية في المستقبل.
الموقف الأمريكي من التقارب الروسي التركي أثار امتعاض وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي قال: «ذهلت حين قرأت عن قلق تيلرسون من التقارب بين تركيا وروسيا، لم أفهم ما يود قوله، فروسيا وتركيا دولتان جارتان، تخطتا معا مرحلة تدهور العلاقات بينهما بنجاح، وتعملان على تطوير التعاون بينهما». وأشار لافروف إلى أن التعاون بين بلاده وتركيا قائم على مبدأ المساواة بين الدول، على أساس القانون والأعراف الدولية، ولا يوجد ما يدعو للقلق. وأضاف أن بلاده مستعدة للإجابة على أي موضوع يسبب القلق للولايات المتحدة»، هذا التعبير عن القلق هو باللغة الدبلوماسية بين السياسيين، ولكنه في الحقيقة تعبير عن حالة رفض كامل للتقارب التركي الروسي، فالغرب الأوروبي والأمريكي يريدان ان تبقى تركيا حديقة خلفية للاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، ودون حقوق في الاستقلال السياسي او النهضة الاقتصادية، حتى لو ضعف الاتحاد الأوروبي وأوشك على الرحيل، أو حتى لو مات حلف الناتو، كما مات حلف وارسو من قبله.
إن السياسة الأمريكية نحو تركيا لا تطمئن، والأخطر من ذلك انها تريد تحميل تركيا مسؤولية أخطاء الادارات الأمريكية السابقة، فأمريكا أوصلت العراق إلى الحرب الأهلية بين السنة والشيعة وليس تركيا، وأمريكا هي التي فتحت الباب لإيران لاحتلال سوريا بعد العراق وليس تركيا، وأمريكا هي التي شجعت روسيا على التدخل العسكري في سوريا وليس تركيا، وأمريكا هي التي عملت على تحويل المقاومة العراقية والسورية إلى تنظيمات جهادية وعسكرية، ومن ثم إرهابية وليس تركيا ولا السعودية ولا الامارات العربية ولا قطر، وهذا أمر اعترف به من عايشه وساهم فيه عمليا، وهو رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، فقد كشف عن اماكن اجتماعات الجنرالات الأمريكيين الذين مهدوا لتأسيس «الدولة الاسلامية في العراق والشام» (داعش)، وهو ما اعترف به ترامب أيضا في حملته الانتخابية وبعدها، ومحاولة ترامب تصفية «داعش» بعد ذلك، لا يجوز ان تتحمل مسؤوليته إحدى الدول العربية أو تركيا أو غيرهما، لأن من خطط ونفذ هي الأيدي الامريكية، ، فامريكا تفتعل مع الدول الأزمات لتحميلها أخطاء جنرالاتها أو زعمائها السياسيين السابقين، بينما الواجب كشف حقائق الأمور أمام شعوب ودول العالم أجمع، فافتعال أزمة أمريكية مع أي دولة عربية او إسلامية ينبغي إفشاله من جميع الدول العربية والاسلامية، لأن الجميع مستهدف والاختلاف هو في الترتيب الذي تختاره امريكا فقط.
تعليقات