رسائل إسرائيلية ومعضلة الرد الإيراني بعد موسوي.. مرحلة جديدة؟

“خطوة هجومية كبيرة”، هو الوصف الذي عبر عنه رئيس أركان قيادة الجبهة الشمالية السابق للجيش الإسرائيلي، آشر بن لولو، في تعليقه على اغتيال القيادي البارز في “الحرس الثوري” الإيراني، رضي موسوي، في دمشق.

وبينما يرى بن لولو أن “الانتقال من الخط الدفاعي الذي تتخذه إسرائيل إلى خطوات هجومية” مهم، تصف صحيفة “معاريف” الإسرائيلية مقتل موسوي بأنه “الدخول في مرحلة جديدة” في الشرق الأوسط.

ولم يكن اغتيال موسوي، الذي وصفته وسائل إعلام إيرانية بـ “أعلى رتبة عسكرية” تقتل في المنطقة، الأول من نوعه، فقد شهدت الساحة السورية، خلال السنوات الماضية، مقتل أعضاء وقيادين إيرانيين في هجمات بطرق مختلفة.

إلا أن مقتل موسوي، جراء قصف قالت طهران إنه إسرائيلي واستهدف منزله في السيدة زينب بدمشق، يأتي في وقت تتصاعد فيه الأحداث بالمنطقة، ويفتح باب التحليلات، خاصة في ظل تحذيرات من تمدد الحرب التي تشنها إسرائيل في قطاع غزة.

من موسوي وكيف قتل؟

لم تكن المرة الأولى التي تحاول فيها إسرائيل قتل موسوي، فقد ذكرت وكالة “تسنيم” الإيرانية، أن تل أبيب حاولت أكثر من مرة اغتياله، عبر استهداف “المقر الذي كان ينشط فيه عدة مرات، لكنهم لم ينجحوا في اغتياله”.

وقالت الوكالة إن أحد “الاغتيالات الفاشلة” لاستهداف موسوي كان في 2016 “عندما استهدفوا مكتبه، لكنه لم يكن موجوداً وأدى حينها إلى مقتل القيادي في حزب الله، مصطفى بدر الدين المعروف بذو الفقار”.

ويعتبر موسوي من كبار قادة “الحرس الثوري” الإيراني في سورية، حيث كان ممثل قوات “فيلق القدس”، ومسؤولاً عن تنسيق التحالف العسكري بين نظام الأسد وإيران.

وقالت وكالة “مهر” الإيرانية، إن موسوي المسؤول الأولى عن ملف الدعم اللوجستي لدى ما تسميه إيران “محور المقاومة” في المنطقة، و”مسؤول ممر الدعم إلى محور المقاومة والمستشار الأول ومسؤول ملف متابعة وتنسيق الأمور الدفاعي بين دول المحور”.

في حين أشارت وسائل إعلام إسرائيلية إلى أن موسوي “كان نشطاً في سورية لسنوات عديدة، ربما منذ التسعينيات، وهو الشخصية المحورية في كل ما يتعلق بمر الأسلحة الإيراني إلى سورية ولبنان، والذي يشمل نقل الأسلحة المتطورة إلى حزب الله في لبنان والميليشيات الشيعية في سورية”.

وحسب ” القناة 12″ الإسرائيلية، فقد فإنه كان “مسؤولاً عن حركة ونقل العسكريين المتقدمين من إيران إلى دمشق”.

من جانبه اعتبر المحلل السياسي الإيراني محمد المذحجي، أن “موسوي يعتبر أهم قادة فيلق القدس في سورية ولبنان، ويتولى العملية اللوجسيتية والتنسيقية بين الميليشبات المسلحة التابعة لإيران في سورية ولبنان والعراق”.

وأضاف المذحجي لـ”السورية.نت”، أن موسوي “يعتبر أهم شخصية يتم اغتيالها بعد حسين همداني (قتل في حلب 2015) وقاسم سليماني في الدور التنسيقي واللوجسيتي”.

كما “يدير موسوي ميليشيا صابرين التي تضم مقاتلين من أفغانستان وباكستان وحتى دول جنوب شرق آسيا”.

وذكرت وسائل إعلام إيرانية، أنه كان “من أقدم الجنود الإيرانيين الموجودين في سورية، وشارك في معارك البادية وريف دمشق وريف حلب”.

وكشف السفير الإيراني في دمشق، حسين أكبري، تفاصيل مقتل القيادي البارز، في حديث لوكالة “مهر” الإيرانية.

إذ قال إن موسوي “كان في سفارة بلادنا عند الساعة 14:00 ظهر اليوم (الاثنين الماضي)، وتواجد في مكان عمله، وبعد الظهر توجه إلى مقر سكنه ومنزله في منطقة السيدة زينب”.

وأضاف “باعتبار أن زوجة الشهيد معلمة، لم تكن في المنزل في ذلك الوقت، وفي الساعة 16:20 بعد الظهر، تم استهداف منزله على ما يبدو بثلاثة صواريخ من الكيان الصهيوني، حيث دمر المبنى، وتم ايجاد جثمان الشهيد في ساحة البناء”.

وأشار السفير الإيراني إلى أن موسوي، كان “دبلوماسياً والمستشار الثاني في سفارة بلادنا، وكان لديه جواز سفر دبلوماسي وإقامة دبلوماسية هنا”.

رسائل وعرقلة للمخطط

في أبريل/ نيسان الماضي، كشف مسؤولون عسكريون إسرائيليون، إن عشرة مسؤولين كبار في “الحرس الثوري” الإيراني قتلوا في العمليات الإسرائيلية في سورية، وتزامناً مع ذلك نشروا قائمة تضم أسماء قادة إيرانيين آخرين يعملون هناك، في تلميحات إلى إمكانية اغتيالهم، ومنهم كان رضي موسوي.

ولم تمض دقائق على اغتيال موسوي حتى بدأت التحليلات حول دلالات الاستهداف والرسائل التي أردات تل أبيب إيصالها إلى طهران وأذرعها في المنطقة.

صحيفة “معاريف” وصفت عملية تصفية موسوي بأنها “عملاً دراماتيكياً قد تكون له عواقب كبيرة وغير عادي”، وهي بمثابة “رسالة تحذير حادة لحزب الله” اللبناني الذي يصعد عملياته في جنوب لبنان.

أما رئيس أركان قيادة الجبهة الشمالية السابق للجيش الإسرائيلي، آشر بن لولو، اعتبر أن اغتيال رضا موسوي “يشكل خطوة هجومية كبيرة لإسرائيل على الساحة الشمالية. وللمرة الأولى يدفع الإيرانيون ثمن دورهم الكبير في إدارة القتال ضد إسرائيل”.

ويرى رئيس المركز العربي الاسترالي للدراسات أحمد الياسري، أن اغتيال القيادي الإيراني هو “انعكاس لحالة التعبئة العسكرية” بين تل أبيب وطهران منذ بدء حرب غزة.

وقال الياسري لـ”السورية.نت” إن “اسرائيل تنظر في حربها مع حماس أنها جزء من مساحة الحرب مع إيران، لذلك بدأت تستهدف جماعاتها في سورية ولبنان، وقد تتدخل لقصف الحوثيين في اليمن، لكن أمريكا منعتها، وأخدت على عاتقها بأخذ هذا الدور وتشكيل تحالف لتأمين ممرات الملاحة”.

وأضاف الياسري أن إيران تعتبر عملية الاستهداف “استفزازية ولا تقل أهمية عن مقتل فخري زاده التي قتلته تل أبيب في طهران”.

من جانبه يرى المذحجي أن اغتيال موسوي سيكون له تأثير على أداء الميليشيات الإيرانية في المنطقة، واعتبر أن اغتياله جاء “عرقلة لمخطط إيراني”.

وقال المذحجي إن “هناك تنسيق معين تخطط له إيران وأذرعها في المنطقة، لاستهداف المصالح الإسرائيلية والأمريكية، وهذه الضربة تعرقل هذا المخطط التي كانت تنوي القيام به في الإسابيع المقبلة”.

وأضاف أن “اختيار توقيت الاستهداف يشير إلى أن أمريكا وإسرائيل تريان أن التصعيد قائم في المنطقة، ولهذا السبب وجهوا هذه الضربة، لعرقلة مخطط الحرس الثوري وأذرعه”.

أما مدير مركز دراسات الشرق الأوسط، نبيل العتوم، اعتبر أن استهداف موسوي يندرج ضمن “تبادل الرسائل بين إسرائيل وطهران”، و”دلالة على حجم الاختراق الإسرائيلي”.

وقال العتوم لـ”السورية.نت”، إن عملية الاغتيال رسالة إسرائيلية مفادها القدرة “على توجيه ضربات موجعة لإيران والوصول إلى قيادين في الحرس الثوري، خاصة وأن موسوي شخصية مهمة ولديه مهام استخباراتية”.

طهران أمام معضلة

وفي الوقت الذي صعد فيه مسؤولون إيرانيون من تهديداتهم ضد إسرائيل عقب اغتيال موسوي، قللَ محللون من قدرة طهران على الرد بشكل يليق بأهمية الشخصية المستهدفة.

ووجه وزير الخارجية، حسين أمير عبد اللهيان، رسالة إلى تل أبيب في تغريدة عبر حسابه في منصة “إكس”، قال فيها ”لتنتظر تل أبيب العد العكسي القاسي”.

كما أصدر “الحرس الثوري” الإيراني بياناً قال فيه إن “الكيان الصهيوني الغاصب والهمجي سيدفع ثمن هذه الجريمة بلا أدنى شك”.

ويقول الباحث الإسرائيلي في معهد دراسات الأمن القومي، بيني سبتي، لصحيفة “معاريف”، أن “ردة فعل إيران، كان أكبر وأسرع بكثير سابقاً، أما اليوم فإن الرئيس الإيراني حذر للغاية”.

وأضاف الباحث، أن الرئيس الإيراني يأخذ بعين الاعتبار وجود “حاملة طائرات وغواصة أمريكية بالقرب من إيران”.

من جانبه قال الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات بالجيش الإسرائيلي، تامير هايمن، في مقالة على القناة “12“، إن “الرد المباشر من جانب إيران يهدد طهران برد فعل مضاد إسرائيلي أمريكي”.

وأشار إلى أن طهران تقع في معضلة كبيرة، لأنها “إذا طلبت من حزب الله الرد بطريقة تتجاوز الحدود من وجهة النظر الإسرائيلية، مثل إطلاق النار على وسط البلاد أو استخدام صواريخ دقيقة التوجيه، فإن هذا قد يوفر لإسرائيل ذريعة جيدة. لإزالة التهديد عن المستوطنات الشمالية وبدعم أميركي”.

ويرى الياسري أن إيران لن تذهب إلى الاستهداف المباشر وتوسيع الحرب مع إسرائيل، وإنما ستعمل على الرد عن طريق أذرعها في المنطقة كأن تقوم بـ”دعم الحوثيين بصواريخ واستهداف سفن إسرائيلية في البحر الأحمر”، إضافة إلى إمكانية اتساع الاستهداف خارج البحر الأحمر كما حصل في استهداف السفينة الإسرائيلية بالمحيط الهندي.

في المقابل توقع المحلل السياسي الإيراني، محمد المذحجي، أن يكون الرد من الجانب الإيراني، عبر أذرعها وخاصة في جبهة لبنان.

أما المحلل العسكري السوري، العميد أسعد الزعبي، وضع احتمالين للرد الإيراني، إما عبر إطلاق صاروخ من جبهة  لبنان باتجاه مناطق في حيفا واستهداف مصفاة حيفا وقاعدة رمات ديفيد الجوية.

والاحتمال الثاني، حسب ما قاله الزعبي لـ”السورية.نت”، أن يكون عبر الحوثيين في اليمن، خاصة في ظل وجود قواعد عسكرية إسرائيلية في ارتيريا.

بدوره يؤكد مدير مركز دراسات الشرق الأوس، نبيل العتوم، على فكرة أن الرد الإيراني يمكن أن يأتي من جبهة لبنان أو عن طريق الحوثيين، عبر إطلاق عملية تحت اسم “رضي موسوي”.

إلا أن العتوم اعتبر أن الإيرانين غير معنيين في مواجهة مباشرة، و”خلال الفترة الماضية، كان هناك حروب ظل، فالإسرائيليون قاموا بعمليات اغتيال لعدد من القيادات العسكرية والاستخباراتية التابعة للحرس الثوري، فيما يعرف بالبيت الزجاجي في دمشق”.

لكن “ذلك لم يؤد إلى مواجهة مباشرة من الطرفين، على العكس تماماً فإن الإيرانيين تحدثوا عن إمكانية الرد بالزمان والمكان المناسب، واعتمدوا على بعض العمليات هنا وهناك من خلال وكلاء طهران الموجودين في المنطقة”.

المصدر السورية. نت
قد يعجبك أيضا