بشار الأسد في أبو ظبي: “وافق شن طبقه”

حطت حمامة الحب بين آل زايد وآل الأسد في مطار أبو ظبي، وترجّل الزوجان، أسماء وبشار، من طائرتهما الرئاسية فعُزفت لهما الموسيقى، وأطلقت المدفعية 21 قذيفة وصلت أصواتها إلى مسامع الطفلة شام التي ترقد في المستشفى التي نقلت إليها في أبو ظبي، بعدما كانت أصيبت نتيجة الزلزال في محافظة إدلب السورية. الطفلة ارتعشت، ووالدها سقط في حيرة أصابتنا جميعاً ونحن نعاين فشلنا ونستعيد عجزنا عن إسقاط الديكتاتور، هذا فيما وجدت أسماء فرصتها مجدداً للفوز بصورة من المأساة.

وبالعودة إلى آل زايد الذين يستأنفون اليوم استقبال الرئيس الكيماوي (هل تذكرون علي الكيماوي)، بعدما كان سبقه إلى أبو ظبي بأشهر زعيم اليمين المتطرف في إسرائيل بنيامين نتانياهو، فهم كانوا قطعوا علاقتهم بالنظام السوري فور بدء الاحتجاجات ضده في العام 2011 وها هم يستأنفونها، ويشكلون الطليعة المطبعة مع نظام البعث! لكن ليس السؤال، لماذا أقدموا على ذلك، بل لماذا أقفلوا سفارتهم في حينها في دمشق؟ لم نبحث عن إجابة في ذلك الوقت، وها نحن اليوم نجني عدم فطنتنا حسرة وخيبة.

لم ينحز آل زايد وغيرهم من زعماء الإمارات والممالك الخليجية إلى السوريين عندما قاطعوا نظام بشار الأسد. مضمون الخصومة كان مذهبياً، وهم توجهوا إلى سوريا في حينها لقتال إيران، أما ظلامة الشعب السوري، فهي آخر همومهم، لا بل إن انتظام سوريا في عقد سياسي واجتماعي فيه الحد الأدنى من العدالة لأهلها في حال انتصرت الثورة، كان سيشكل عبئاً عليهم، هم الذين يحكمون ويبددون ثروات شعوبهم من دون أي علاقة تعاقدية مع مجتمعاتهم.

خسروا حربهم المذهبية مع إيران في سوريا، وها هم يعيدون العلاقة مع ديكتاتورها في دمشق. الشعب السوري لم يكن يوماً جزءاً من حساباتهم. لا يثقل بشار الأسد عليهم سواء أقام في قصر المهاجرين، أم حلّ ضيفاً في أبو ظبي. نظرة سريعة على وجهة التمويل الخليجي للحرب في سوريا تكشف الوظيفة التلويثية لهذا التمويل. “جيش الإسلام” و”جبهة النصرة” وغيرهما من الفصائل التي تشكلت على ضفاف فعلة النظام عندما أقدم على الإفراج عن أكثر من ألف معتقل “جهادي” من سجونه، تحوّل كثيرون منهم لاحقاً إلى فصائل مموّلة من أنظمة الخليج.

ليس ثمة مدخل مناسب لتناول “التطبيع مع نظام بشار الأسد” أكثر من المدخل الأخلاقي، فالتطبيع مع هذا النظام واقعة غير أخلاقية بالدرجة الأولى، ثم تعقبها وتندرج منها دلالات السياسة والمصالح وأوهام التصدر. فمن أقدم على التطبيع باشر قبولاً بما ارتكبه هذا النظام منذ العام 2011، إذا لم نقل منذ استيلائه على السلطة في سوريا. هو تطبيع مع المجازر المتنقلة ومع المدن المدمرة ومع القصف الكيماوي، وطبعاً تطبيع مع معتقلات تضم عشرات الآلاف من السوريين، ناهيك بأنه تطبيع مع احتلالين روسي وإيراني.

وعلى عكس ما تروّج له الإمارات لجهة أن بشار “أمر واقع”، فإن ارتكاباته هي الأمر الواقع، والواقعية التي يتذرع بها المطبعون، هي في الحقيقة تخفف من بديهيات أخلاقية. السياسة قد تحتمل قدراً من البراغماتية والمراوغة، لكنها في حالة التطبيع مع بشار مستحيلة إذا لم تكن صادرة عن تشابه وعن شراكة. وهي ليست قبولاً بالارتكابات، بل مشاركة فيها.

الغرب مثلاً ليس في ذروة مواجهاته مع النظام في سوريا، لكن حكوماته لا تقوى على تجاوز الاعتبار الإنساني والاقتراب من بشار. وفرنسا الأكثر “واقعية” والساعية الى تسويات مع إيران ومع حزب الله، يشكل الاقتراب من بشار لها خطاً أحمر وخطراً على مستقبل من يقدم عليه.

قد ينطوي هذا الكلام على رطانة سجالية، إلا أنه شرط إنساني لا بد منه، يسعف المرء أثناء محاولته التقاط أنفاسه قبل الدخول في قضية تستدرج هذا القدر من الإحباط ومن الشعور بالعجز وصولاً إلى الفشل.

وهنا يجب ألا يفوتنا أن متصدري التطبيع مع نظام الأسد هم من طينته نفسها، وإن لم يبلغوا دمويته، وهم قبل أن ينعطفوا نحوه كانوا لعبوا أدواراً تمويلية ساهمت في تلويث الثورة وحرفها، وهم بذلك لاقوا النظام، فالأخير أطلق “الجهاديين” من السجون، وهم لاقوه في منتصف الطريق عندما موّلوا ميليشياتهم.

لكن “التطبيع” يقودنا أيضاً إلى تذكر تطبيع مواز أقدمت عليه أبو ظبي، وهو التطبيع المجاني مع اليمين في إسرائيل، وتَوازي التطبيعين ليس بلا دلالة، ذاك أنهما صادران عن طبائع متشابهة. اليمين الديني في إسرائيل، وديكتاتورية البعث في سوريا، وأنظمة البترو دولار الوراثية في الخليج.

المصدر درج


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا