كيف ستتأثر الليرة السورية بإغلاق صنبور “الدولار العراقي”؟

فيما كان مئات العراقيين واللبنانيين، يتظاهرون احتجاجاً على انهيار قيمة العملة المحلية، وانعكاس ذلك على الوضع المعيشي، كانت الليرة السورية تسجّل تحسناً ملحوظاً، ظهر –خصوصاً- في أسواق العملة غير الخاضعة، بصورة مباشرة، لسيطرة النظام في دمشق. إذ هوى الدولار نحو 125 ليرة في الحسكة والقامشلي، ونحو 90 ليرة في إدلب، خلال تعاملات يوم الأربعاء.

ورغم أن سعر صرف الليرة يتذبذب، هبوطاً وارتفاعاً، بعشرات الليرات مقابل الدولار، يومياً، منذ انهياره الكبير قبيل رأس السنة، وارتفاعه الكبير والغريب الذي تلا ذلك.. إلا أن ذلك التذبذب ما يزال بعيداً عن أدنى سعر في تاريخ الليرة، مقابل الدولار، والذي لامسته عند 7200. ويؤكد هذا التذبذب وجود مضاربات منفلتة على العملات في المدن السورية الخاضعة لسلطات أمر واقع مختلفة (دمشق، إدلب، القامشلي..). إلا أن بقاء سعر الصرف بعيداً عن أدنى سعرٍ وصلته الليرة قبل أسابيع، يؤكد أيضاً وجود عرضٍ للدولار، يلبي جانباً من الطلب عليه.

بالمقابل فإن انهيار سعر صرف الليرة السورية في كانون الأول/ديسمبر الفائت، كان نتيجة أسباب، ما تزال قائمة حتى الساعة. أي أن أسباب انهيار الليرة لم تختفِ. وهو ما يجعل المراقبين متفقين على أن تحسن الليرة الأخير، مدفوع بإجراءات متعلقة بجلب الدولار، تهريباً، من أسواق خارج سوريا. وهو ما أخذ يتحدث عنه اللبنانيون، إعلاماً وساسة ومسؤولين رسميين، جهاراً، منذ الشهر الفائت. إذ أخذ “الدولار اللبناني” يتسرب إلى السوق السورية العطشى للدولار، بصورة أدت إلى انهيار الليرة اللبنانية إلى قاعٍ غير مسبوق، متجاوزة حاجز الـ 50 ألف للدولار الواحد.

وفي الأيام القليلة الفائتة، ارتفعت الأصوات في العراق ضد تهريب الدولار إلى إيران، وأسواق أخرى، في مقدمتها، سوريا. ورغم أن السوق الإيرانية، هي الجهة الأساسية التي تمتص “الدولار العراقي”، إلا أن السوق السورية تتحصّل على جانبٍ ليس باليسير، من ذاك “الدولار”.

ومن الطبيعي أن تتسرب السلعة، بما فيها العملة، من الأسواق غير المضبوطة، كما في الحالة اللبنانية والعراقية، إلى حيث يزداد الطلب عليها بسعر أفضل، في السوق السورية. لكن ذلك غير كافٍ لتفسير التحسن الكبير الذي طرأ على سعر صرف الليرة السورية مقارنة بالقاع التاريخي الذي وصلته عشية العام الحالي. فهذا التحسن يرجع إلى وجود جهة ضاربت في أسواق العملة، بغية تحسين سعر صرف الليرة، وليس بغية توفير الدولار. مما يعني أنه لا يمكن إرجاع ذلك إلى نشاط تجار العملة غير المنضبطين، إلا بمعيار المصلحة الشخصية. وهو ما يقودنا إلى دور المصرف المركزي في دمشق، الذي جلب الدولار من السوق اللبنانية، بصورة أساسية، ومن السوق العراقية، بصورة أقل، واشتراه بسعره المرتفع، ومن ثم طرحه في السوق الداخلية، بسعر أقل، بغية تخفيض سعره لصالح الليرة، حتى لو كان ذلك يعني خسارة ملايين أو بضعة عشرات من ملايين الدولارات، خلال أيام. وهذا ما حصل فعلاً. إذ تحسنت الليرة، وأعطى دخول سيولة الدولارات تلك إلى الأسواق في عموم سوريا، دفعاً شجع المضاربين على التخلي عن جانبٍ كبيرٍ من دولاراتهم، قبل أن يعود المركزي، ويجمع ما يستطيع منها، عبر ذات الفئة من التجار المحسوبين عليه، ليرتفع الدولار مجدداً، من نحو 5950 ليرة إلى نحو 6700 ليرة. لعبة لمّ الدولار، ورفعه بعد خفض سعره، قديمة في أبجديات عمل المركزي، الذي سبق أن وُصف بأنه أكبر مضارب في أسواق العملة السورية. وبذلك استعاد المركزي الدولارات التي خسرها في بداية عملية المضاربة، وربما حصّل أكثر منها.

لكن هذه اللعبة قصيرة الأفق. إذ يجب الاستمرار فيها، كي يتمكن المركزي من الحفاظ على قدرته على التحكم في أسواق العملة المحلية، حتى غير الخاضعة منها بصورة مباشرة لسيطرته، كما في إدلب والقامشلي، والتي يؤثر فيها، عبر تجار ومكاتب صرافة تعمل لصالحه.

والاستمرار في هذه اللعبة، يتطلب من المركزي الحصول على الدولار من خارج البلاد. كما أشرنا آنفاً، من لبنان بصورة أساسية، ومن العراق بصورة أقل. ورغم أن دور “الدولار العراقي”، في هذه اللعبة، أقل من نظيره اللبناني، إلا أنه يشكّل مصدراً سيؤثر فقدانه على قدرة المركزي في إدارة لعبة المضاربة الخاصة به.

لكن صنبور “الدولار العراقي”، في طريقه للإقفال، مع دخول الإجراءات الأميركية التي تقيّد المعاملات الدولارية التي تجريها البنوك العراقية، حيز التنفيذ، هذا الشهر. وهو ما انعكس شُحاً في الدولار، بالسوق العراقية نفسها، بنسبة قاربت الـ 80%. وأدى إلى انهيار قيمة الدينار العراقي بنسبة 10%. وهو ما دفع رئيس الوزراء العراقي إلى إقالة محافظ البنك المركزي، وإيفاد وفدٍ إلى واشنطن لمحاولة إقناع الإدارة الأميركية بإرجاء تطبيق قيود الفيدرالي الأميركي التي تقيّد حركة الدولار إلى خارج العراق، لعدة أشهر، حتى تستطيع المصارف العراقية التأقلم مع النظام المصرفي الجديد.

وحتى لو وافقت واشنطن على ذلك، وأجّلت رغبتها في الضغط أكثر على مصادر القطع الأجنبي المهرّب إلى إيران، وبدرجة أقل، إلى سوريا، فإن مصير صنبور “الدولار العراقي”، هو الإقفال، بعد بضعة أشهر فقط. فيما صنبور “الدولار اللبناني”، يواجه ضغوطاً محلية للحد من انسيابه، بعد الانهيار الكبير لليرة اللبنانية، وانعكاس ذلك على أسعار السلع الأساسية، بصورة قد تهدد السلم الأهلي المحلي، إن تفاقم الأمر أكثر. وذلك ليس في مصلحة حزب الله، والمقرّبين منه، وهم أبرز اللاعبين في تجارة التهريب عبر الحدود اللبنانية – السورية.

في ضوء ما سبق، يمكن إعادة قراءة البيان الصادر قبل يومين، عن المركزي في دمشق، والذي قال فيه إنه يعتزم اتخاذ مجموعة من القرارات، سيُعلن عنها تباعاً في الفترة القادمة، لضمان استقرار أسعار الصرف وواقعيتها، بصورة تسهم على تشجيع الإنتاج وتسهيل توفر السلع في السوق المحلية، وانسيابية عمليات التصدير.

وأثناء قراءة هذا البيان، يجب وضع عدة خطوط تحت جملة “لضمان استقرار أسعار الصرف وواقعيتها”. وتحديداً، كلمة “واقعيتها”، إذ أن سعر الصرف الرائج في السوق السوداء، بدمشق، والذي يتحرك قرب 6700 ليرة للدولار الواحد، منفصل تماماً عن السعر الواقعي للدولار، الذي يعتمده التجار والمستوردون والمنتجون في سوريا، والذي يتحرك قرب 8000 ليرة للدولار الواحد، وهو ما ينعكس جلياً في أسعار السلع الأساسية، التي لم تنخفض مع انخفاض الدولار في السوق السوداء، مما يؤكد عدم واقعية هذا السعر، نظراً لكونه “قصير الأفق”، ويستند إلى مضاربات مؤقتة، مدعومة بتدخل آنيٍّ من المركزي، لا يتمتع بعوامل استدامة.

وها هي “صنابير” الدولارات المهربة من الأسواق المجاورة، تُقفَل، أو تضيق. مما سينعكس على قدرة المركزي على المضاربة في أسواق العملة المحلية، وستخرج نسبة أكبر من التعاملات في تلك الأسواق، من حيز تأثيره، مما سيجعل سعر صرف الليرة السورية، مجدداً، نهباً لأسباب انهياره ذاتها، التي تسببت في انهياره الكبير قبل رأس السنة.

المصدر تلفزيون.سوريا


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا