إسرائيل وإيران وروسيا في لعبة عضّ أصابع السوريين!

تحاول روسيا التحايل على حرج توصيف القصف الإسرائيلي في الأراضي السورية كعدوان خارجي، بتوصيفه بأنه قصف غير شرعي أو لا إنساني، وذلك في تخلٍّ واضح عن مكانتها، كشريكة أو كصديقة للنظام السوري، بحسب اتفاقية 1980، أو كحليفة حسب اتفاقية 1994، أو ضمن مسؤولية مظلة الدفاعات الجوية الروسية (إس 300) التي سلمتها إلى دمشق عام 2018، متعمدة تجاهل أن القصف الإسرائيلي هذه المرة كان في منطقة اللاذقية، أي قرب قاعدتها العسكرية حميميم.

بهذا التمييز أو التلاعب في التسمية، بين القصف الشرعي وغير الشرعي، تُحدد روسيا، أيضًا، طبيعة كل رد وحكمه، للتغطية على دورها في الحرب ضد السوريين، حيث “الشرعي”، بالنسبة إليها، هو ما تمارسه قواتها ضد السوريين المعارضين لحكم بشار الأسد، منذ بداية تدخلها العسكري في أواخر عام 2015، والذي يشمل، وفق مشروعيتها، استخدام كامل قواتها ومختلف أنواع أسلحتها في قصف بيوت السوريين المدنيين، وأسواقهم وخيمهم ومدارسهم ومستشفياتهم. أما ما هو “غير شرعي”، ويمكن إدانته “إعلاميًا فقط”، دون الحاجة إلى استخدام القوة في صده، بالنسبة إليها، فهو القصف الإسرائيلي للقوات الإيرانية وأسلحتها في سورية، بحسب تعبير المبعوث الروسي الخاص لسورية ألكسندر لافرينتييف في 18 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، حين برّر عدم الرد العسكري على الضربات الإسرائيلية المتكررة، بأن “استخدام القوة غير بناء، لأنه لا أحد يحتاج إلى حرب في أراضي سورية”، وبذلك توضح روسيا أنّ صد الاعتداءات الإسرائيلية ليس من مهمات قواتها أو أسلحتها أو مظلة دفاعاتها الجوية في سورية.

تفهم إيران تلك التصريحات الروسية الهادئة ضدّ القصف المتكرر لإسرائيل على مواقع قواتها، وقوات الميليشيات الطائفية المسلحة التابعة لها، بأنها تمثل رسائل عدة، منها:

أولًا أنها بمنزلة بوابة عبور مفتوحة، أو متفاهم عليها، بين الجانبين الصديقين (روسيا وإسرائيل).

ثانيًا أنها تدخل، إضافةً إلى التفاهم الروسي-الإسرائيلي على ذلك، ضمن طبيعة النزاع، أو التنافس، بينها وبين موسكو على “شرعية” وجودها في سورية من جهة، وعلى حجم حصة كل منهما فيها، من جهة ثانية.

وثالثًا أنّ ما يجري يشكل محاولة للحدّ من قدرتها على استخدام وجودها العسكري غير المرغوب “إسرائيليًا”، كورقة ضغط على المجتمع الدولي في ملفاتها الخارجية. وهنا تمارس إيران اللعبة الروسية ذاتها، بالرغم من اختلاف الجبهات التي تحاول إيران التصدي لها، أو ليّ ذراعها، مقابل الإفراج عنها كدولة غير مارقة في المنطقة، تستعيد قدرتها الإقليمية وتنزع عنها قيد العقوبات الدولية المفروضة عليها، أميركيًا وأوروبيًا.

أما بخصوص واقع استمرار القصف الإسرائيلي على المواقع أو القواعد، أو قوافل التسلّح، الإيرانية، في سورية، فله أكثر من بعد ثنائي؛ إذ يمكن فهمه كجزء من معركة إقليمية لصياغة خارطة المنطقة بكاملها، وهو ما يتمثل ليس فقط بالتصارع الإسرائيلي-الإيراني، المعلن أو الصريح والمباشر، وإنما أيضًا بذلك الصراع الخفي، المباشر وغير المباشر، بين الدول الثلاث الإقليمية (إيران وتركيا وإسرائيل) في الجغرافيا السورية، وعلى النفوذ في سورية، أو على تقرير مستقبل سورية.

ولكن ما يميز إسرائيل هنا، عن الطرفين الآخرين، أمورٌ: أولًا أنها تحتل جزءًا من الأرض السورية، وهو هضبة الجولان منذ عام 1967، منذ 65 عامًا، التي تم ضمها إلى إسرائيل؛ وثانيًا أن مستقبل سورية يشكل همًا لإسرائيل أكثر من الطرفين الآخرين، لأنه يمس مباشرة بوجودها، أو بما تسميه أمنها القومي، لا سيّما أنها دولة مجاورة؛ وثالثًا أنها الطرف الإقليمي الأقرب للدولتين الكبريين المتحكمتين في الصراع السوري، أي الولايات المتحدة الأميركية وروسيا، مع ملاحظة أن إسرائيل لها أسهم كبيرة أو مقررة في صياغة الدور الأميركي في سورية؛ ورابعًا أنها إزاء الطرفين الإقليميين الآخرين (تركيا وإيران) تتمتع بعلاقات عادية مع الأولى، وعدائية مع الثانية، مع ملاحظة أن لكل طرف منهما مشكلة مع الطرفين الآخرين؛ خامسًا أن إسرائيل تعدّ الوجود العسكري لإيران، وميليشياتها، تهديدًا لأمنها القومي، ولهذا فهي تعمل مباشرة على قضم الوجود العسكري لإيران وحلفائها، كما تعمل على إبعاد ذلك الوجود عن حدودها، من دون أن تذهب إلى كسره أو إخراجه نهائيًا، وذلك حرصًا منها على استثمار الوجود الإيراني في زعزعة الاستقرار في البلدان المجاورة، وهو ما فعلته في العراق وسورية ولبنان، وهو ما استفادَت منه إسرائيل، وبنت من خلاله استراتيجية جديدة في تقاربها مع الدول العربية.

ضمن هذه الاعتبارات، يمكن فهم الضربات الإسرائيلية المتوالية لما تعتبره قواعد أو مخازن أسلحة أو قوافل ذخائر عابرة لجماعات عسكرية إيرانية، أو تابعة لها، من الميليشيات المتعددة الموجودة في سورية، منذ العام 2013، على أنه محاولة للاستفراد بسورية، كموقع جغرافي حدودي معها آمن من وجود أي منافس عليه، وهذا ما يفسر اشتراطها في مباحثاتها مع روسيا إبعاد أية قوات إيرانية، أو تابعة لإيران (من الميليشيات الطائفية المسلحة التابعة لها) عن حدودها، على الرغم من أن عبور إيران تلك الحدود لم يكن في غياب إرادتها، أو على الأقل فهو تم بموافقة صامتة من حليفتها الولايات المتحدة الأميركية.

في المقابل، إن ايران عملت، من جهتها، على ضبط إيقاع ردات فعلها على الضربات الإسرائيلية، وفقًا لبضع قواعد، منها تعزيز وجودها في المناطق السورية البعيدة عن الحدود، والتركيز على الوجود في بعض نقاط الحدود العراقية السورية، وأيضًا انتهاج سياسة عدم الرد على الضربات الإسرائيلية، لا في سورية ولا في العراق، ولا في إيران ذاتها، وأنها ظلت على الدوام تحاول ركوب القضية الفلسطينية لشرعنة وجودها في سورية، بادعاء “مقاومة إسرائيل”، فيما هي تشتغل لتعزيز نفوذها الإقليمي، والإبقاء على “الكريدور” الشيعي موصولًا بين طهران وبغداد وبيروت ودمشق وإنجاح خطتها في شق المجتمعات العربية على أسس طائفية – مذهبية.

باختصار، لا يهمّ إسرائيلَ تصنيفُ القصف (شرعي أو لا شرعي)، المهمّ أنها تشتغل لتوسيع حصتها في المنطقة، على حساب تحجيم الوجود الإيراني، فيما إيران ما زالت تنتظر الزمان والمكان المناسبين للرد، وفي كل الأحوال، يحاسَب الشعب السوري على الفاتورة الباهظة لصراع الأطراف الإقليمية على أرضه، من دمه وجسده.

المصدر حرمون


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا