«الأسد إلى الأبد»: مطابخ التوريث الجملكي

يصادف هذا العام مرور سنوات عشر على اندلاع الثورة السورية، والتحضير لانتخابات رئاسية لتنصيب رئيس النظام السوري بشار الأسد لولاية رابعة لمدة سبع سنوات أخر أشد عجافا من سابقاتها.

إذ تأتي هذه الانتخابات في ظل ظروف أقل ما توصف به كارثية على سوريا كدولة وما تبقى من شعب داخل سوريا. ولا مجال لذكر كل مآسي السوريين فقد ملأت الآفاق بما لا يطاق. (وللتذكير أن الانتخابات السابقة التي جرت في العام 2014 جاءت بعد مجزرة الغوطة بالسلاح الكيميائي التي اقترفها النظام وراح ضحيتها مئات الأطفال) الانتخابات السابقة تم تحضيرها بعناية في مطابخ النظام الجملكي، ليسبغ عليها شرعية «ديمقراطية» لرئيس تملأ صوره العملاقة جدران الأبنية، وآليات الجيش «الممانع» التي تقصف المدن والقرى السورية، تقتل منها ما تقتل وتهجر وتهجر الباقي.

مهمة «الكومبارس»

ففي انتخابات لا يفوز بها الرئيس بالتزكية كان لابد من مرشح منافس، فأوكلت مهمة «الكومبارس» لحسان النوري رئيس المبادرة الوطنية للإدارة والتغيير ليكون منافس الرئيس، فكانت النتائج المعدة سلفا فوز الأسد بنسبة 89/ مقابل 4/ للنوري. (وللتذكير أيضا أن الفترتين الرئاسيتين الأوليتين وكانا على شكل استفتاء فاز بهما الرئيس بنسب محببة للديكتاتوريات العربية وهي تباعا الأولى 99،7 في المئة، والثانية 97،62 في المئة).

يتساءل السوريون: كيف لرئيس أن يتقدم لانتخابات رئاسية لفترة رابعة بعد أن أوصل سوريا إلى مستوى ما تحت الحضيض على كل المستويات؟

في الواقع أن السوريين لم يعوا مليا معنى الشعار الذي رفعه الأب المؤسس للجملكية: «الأسد إلى الأبد» لاعتقادهم أن الأسد الأب سيتمسك بالحكم مدى الحياة، ككل زعماء الأنظمة العربية، وبعده ستبدأ مرحلة أخرى، لكن مطابخ التوريث كانت تعمل على قدم وساق لتحويل سوريا من جمهورية إلى «جملكية» (على نسق جملكية عائلة آل سونغ صديقة آل الاسد في كوريا الشمالية،) فتم التحضير لتوريث الابن الأكبر باسل الأسد بداية، لكن القدر شاء عكس ذلك فتوفي في حادث سير في العام 1994. لكن مشروع التوريث بقي قائما فانتقلت الوراثة إلى الابن الثاني بشار الذي بدأ حكمه بتعديل الدستور كي يتناسب مع عمره الذي كان أقل مما ينص عليه الدستور. (34 سنة).

وانتشرت صور الشاب الطبيب «المنفتح» مع حملة إعلامية تقتصر على كلمة واحدة وضعت تحت الصورة: «منحبك» (باللهجة الشامية) وتم تداول صورة السيدة الأولى أسماء وتلميعها عبر تسلمها مؤسسة الأمانة السورية للتنمية التي تقيم نشاطات اجتماعية واقتصادية،لكن هذه الصورة الوردية التي أعطت انطباعا أن عهد الأب قد ولى وبدأ عهد جديد مع وريثه، سرعان ما تغيرت، فبعد أشهر من تنصيبه رئيسا بإجماع سوري الذي وصلت نسبته إلى ما يقارب المئة في المئة حسب أجهزة النظام، قامت مجموعة من المثقفين (99 مثقفا) بالمطالبة بالإصلاح السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، وإلغاء قانون الطوارئ الساري المفعول منذ انقلاب 1963 فانطلقت حملات الاعتقال ورمي أبرز شخصيات ما سمي بربيع دمشق في السجون.

من ربيع دمشق إلى الربيع العربي

مع انطلاقة شرارة الربيع العربي من سيدي بوزيد في تونس، كان لا بد لنيرانها، التي ألهبت نفوس المقموعين، والمقهورين، والمهمشين، والجائعين، أن تصل إلى سوريا بعد أن مرت في ليبيا ومصر. فتحولت ثورة الشعب السوري، المطالب بالحرية أولا، إلى مجازر لم تشهدها سوريا في تاريخها، ولا في أي بلد عربي آخر مسته شرارة الحرية، وصار الشعب السوري من أفقر الشعوب في العالم، وأكثرهم قتلا، وتدميرا، وتشريدا، وهذا لم يمنع الوريث من تقدمه لانتخابات لولاية رابعة يتم التحضير لشخصية تلعب دور الكومبارس (ويبدو أن رجل الأعمال محمد عزت خطاب سيقوم بهذا الدور). لكن هذه الولاية محفوفة بالمخاطر، فسوريا ترزح اليوم تحت احتلالات متعددة الأطراف، وعقوبات اقتصادية خانقة بتطبيق قانون قيصر الأمريكي.

وهنا بدأت تكهنات أن مطابخ التوريث راحت تفكر في خطة «ب» في حال وصلت سوريا إلى طريق مسدود بعملية توريثية ليس لحافظ الإبن لكن للزوجة، السيدة الأولى، التي بدأت صورها تملأ المكاتب الرسمية، والجدران، والحملات الإعلامية التي تظهرها تقوم بنشاطات اجتماعية وتفقدية للمناطق النائية والمنكوبة. ظنا من النظام أن هذه العملية يمكن أن تحدث انفراجا سياسيا يرضي الغرب من ناحية، ويبقي بشار الأسد رئيسا خلف زوجته، خاصة أنها تظهر اليوم كمرأة حديدية انتصرت على أخطبوط الاقتصاد السوري، ابن خال الرئيس رامي مخلوف بعد أن استولت على كل شركاته، ثم بدأت الاستيلاء على شركات وأموال العديد من رجال الأعمال الذين كانوا مقربين من النظام بتهم الفساد لضخ هذه الأموال في خزينة الدولة المفلسة.

الدبلوماسية الأوروبية

ومن المحتمل جدا أن يمد يد التطبيع لإسرائيل، بوساطة روسية تتم في قاعدتها العسكرية حميميم في الشمال السوري باجتماعات ضم وفدين من الطرفين الإسرائيلي والسوري، في مقايضة لفك نير العقوبات الأمريكية وتعويم نظامه دوليا، كما حصل في السودان. لكن حسابات الحقل ربما لا تتطابق وحسابات البيدر، فعقوبات أوروبا شملت وزير خارجية النظام فيصل المقداد، كإشارة أن الدبلوماسية الأوروبية لن تفتح ذراعيها للدبلوماسية السورية، ومن الصعب أن تبارك لبشار الأسد بفوزه في انتخابات ولايته الرابعة المحسومة النتائج سلفا والتي ستكون مشابهة لسابقاتها، مع أن نصف الشعب السوري بات لاجئا ونازحا ولن يشارك بها، ومن هم تحت سلطة النظام يمضون وقتهم في طوابير الخبز، والبنزين، والغاز، والمازوت، ولن يقفوا في طوابير الانتخابات ليضعوا صوتا لن يقدم ولن يؤخر، والذي مهما كان لونه سيظهر في النهاية كما جرت العادة بلون الوريث الجملكي.

المصدر القدس العربي


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا