الأسد على خطى بوتين؟

نقلت نوفوستي مقالتي الأسبوع الماضي “الكرملين وصراع الأسد- مخلوف” إلى الروسية ، وأرفقت كعادتها النص بعنوان إضافي “الصراع بين الأسد وشقيقه. ما علاقة الكرملين؟” . ومع أن موقع نوفوستي لم تغب عنه ، بالتأكيد، محاولة المقالة إلقاء الضوء على ما يقوله إعلام الكرملين عن الصراع المذكور ، جاء استغرابه منسجماً مع ما يعتمده الكرملين وإعلامه ، حتى الآن، من الإبتعاد العلني عن التطرق إلى هذا الصراع .

لكن اعتماد هذا الإعلام مقاربة النأي بالنفس عن “صراع القصر” السوري ، قد عانت من إرتباك واضح في تطبيقها ، تجلى بوضوح في ما أقدمت عليه قناة “روسيا اليوم” من حذف مقابلة مع فراس طلاس ، بعد ايام من بثها ، بحجة أن المقابلة جاءت “مخالفة للمعايير الرئيسية للقناة” ، وتتضمن “معلومات لا تستند إلى حقائق مؤكدة”.

من المستبعد أن تكون معايير القناة ، هي التي دفعتها إلى حذف المقابلة مع طلاس الإبن ، بل ما دفعها ، على الأغلب ، هو تعجلها ، أو تعجيلها ، بالإنخراط في “صراع القصر” السوري ، في حين يتريث الكرملين في الإنخراط في هذا الصراع ، ويحرص على وضع مسافة بينه وبين هذا القصر ، بعد أن أخفق ، حتى الآن ، في جعله ينخرط في العملية السلمية ، في ظل وصول عمليته العسكرية إلى غاياتها المرسومة لها . وعبرت نوفوستي عن ارتياحها الواضح للتصريح ، الذي أدلى به المبعوث لأميركي إلى سوريا جيمس جيفري مساء الثلاثاء في  12 من الجاري ، وأقر فيه بنجاحات روسيا العسكرية في سوريا ، وقال بأن الروس كانوا ناجحين جداً عسكرياً في سوريا . لكن المشكلة ، برأيه ، تكمن في عدم وجود مخرج سياسي من الحرب ، بسبب مشاكل الأسد ، ويقوم عمل الولايات المتحدة في توفير سبيل هذا الحل للروس ، عبر الأمم المتحدة وبمساعدتها ، لكن هذا يتطلب منهم تحديد “مسافة ما” بينهم وبين الأسد وإيران ، على قوله. وعن إمكانية زرع إسفين بين الروس والأسد، وهل ينبغي تصديق الأنباء بأن الأخير يثير إستياء موسكو في الآونة الأخيرة ، قال بأن الأميركيين يعتبرون هذه الأنباء صحيحة ، والروس غير راضين عن الأسد ، لكن المشكلة في أنهم لا يرون بديلاً عنه . وتعقب نوفوستي على كلام جيفري بالقول ، بأن روسيا والولايات المتحدة يساندون الحل السلمي في سوريا تحت مظلة الأمم المتحدة ، وكانت الولايات المتحدة تطالب منذ العام 2011 باستقالة الأسد ، وتقنع الآخرين بها ، لكن “من دون جدوى” حتى الآن .

لكن ابتعاد الكرملين ومنابره الإعلامية الرسمية عن الخوض في صراع الأسد – مخلوف ، لم يحل دون تطرق مواقع إعلامية روسية عديدة إلى هذا الصراع ، والتي تراوحت عناوين نصوصها بين “الأسد يضع نسيبه تحت رحمة الأجهزة الأمنية” ، و “روسيا تنتظر فرصتها في النصر الإستراتيجي في سوريا” ، و”النخبة السورية تستفز روسيا للقيام بعملية “تنظيف”” ، و “النخبة السورية توجه عقارب الساعة نحو روسيا”، و”دمشق منهمكة بتصفية الحسابات في عائلة الأسديين” ، و”لا ينزعون ثيابهم القذرة أبداً” ، وسواها من عناوين النصوص .

توقف موقع ” NEWS.RU  ” عند  نص بعنوان ” النخبة السورية توجه عقارب الساعة نحو روسيا” ، وقال بأن فرضيات العلاقة بين روسيا والضغط على البيزنس السوري الكبير ، قد تكون محاولة لتمويه مصالح إيران . وشرائط الفيديو ، التي نشرها رامي مخلوف ، لا تبرهن على احتجاجه ضد متوجباته المالية والضريبية ، بل تشير إلى خشيته من فقدان شركاته للإتصالات ، التي كان ينوي رجال أعمال إيرانيون الدخول إليها. وينقل الموقع عن الممثل السابق للتحالف الموالي للأميركيين بإسم “الجيش السوري الجديد” مسلّم السلوم قوله ، بأن الوضع الناشئ يرتبط ب “صندوق الشهداء السوري” ، الذي يتولى رعاية أسر شهداء العسكريين السوريين، والذي يستخدم، في الواقع، كتغطية شرعية للمصالح الإقتصادية للأسد نفسه . وجميع رجال الأعمال السوريين ملزمون بالتبرع لهذا الصندوق ، بما يتناسب مع ثروة كل منهم.

ويقول الموقع ، أنه بغض النظر عن الفرضية الشائعة بين الخبراء العرب حول “يد موسكو” في حملة الضغط على البيزنس السوري الكبير ، إلا أن الوضع قد يكون أبسط من ذلك بكثير . إذ أن موسكو لم تبدٍ حتى الآن إهتماماً بقطاع الإتصالات في سوريا ، خلافاً لطهران ، شريكتها في عملية أستانة، التي تلمست ، عبر شركاتها التابعة للنخبة العسكرية الإيرانية ، واقع هذا القطاع ، من أجل إنشاء شركة خليوي جديدة في سوريا.  وعلى الرغم من أنه ليس لدى الجمهورية ما يكفي من الإمكانيات لإطلاق هذا المشروع ، إلا أنه من المبكر إعلان نهاية مسعى رجال أعمالها في هذا الشأن.

كان رامي مخلوف ، ولفترة طويلة، يلعب دور الضمانة لاستقرار النظام السوري ، ليس المالي فحسب، بل والعسكري أيضاً . وعشية اندلاع الصراع بصورة علنية ، أصبح شائعاً ، أن رجل الأعمال القريب من مخلوف خضر علي طه، المعروف بعمله مع الشركات العسكرية الخاصة ، يشرف على الشركة العسكرية السورية “سند”، حسب الموقع. ويرتسم على شعار هذه الشركة العلمان السوري والروسي ، مما سمح بالحديث عن مشاركة روسيا في عمل شركة “سند” هذه . وإذا أخذنا بالإعتبار أن رامي مخلوف والدائرة المحيطة به من رجال الأعمال ، يعتبرون فصيلاً موالياً لإيران ، يصبح مشروعاً طرح السؤال : ألا يحاول مسوقو مصالح طهران في النخبة السورية تمويه مسؤوليتهم بالحديث عن “المؤامرة” الروسية ، سيما أن الوضع حول سيرياتل وMTN  يبرر مثل هذه الشكوك ، حسب الموقع .

من جهته، موقع “ميثاق 97” المغمور استعان بما نشرته صحيفة  Le Figaroالفرنسية ، ونسب إليها مقالة بعنوان “دمشق منهمكة بتصفية الحسابات في عائلة الأسديين” ، قالت فيها بأن بشار الأسد الممزق إلى مختلف الجهات على يد رعاته الإيرانيين والروس ، يجد نفسه في حالة “حرب” مع إبن خاله الثري والمتمول رامي مخلوف . وينقل الموقع عن المعارض هيثم المناع ، قوله،  بأن الحكومة انتزعت من مخلوف مرافقيه وحراسه ، “وإذا ما قتلوه يمكنهم أن يقولوا حينها بأن الإرهابيين قتلوه” . ويعود المناع ، “الذي يتواصل مع موسكو”، على ما ينقل الموقع عن الصحيفة الفرنسية، إلى المقالات ، التي كان قد نشرها إعلام “طباخ بوتين” سابقاً ، ونفت السفارة الروسية في بيروت أي دعم من الكرملين لما ورد فيها من إتهامات ،  ويقول أنه بعد قضية مخلوف، لا يرغب الروس في أن يتوسع صدى تلك المقالات .

وينقل الموقع عن الصحيفة الفرنسية قولها ، بأن الفصل الجديد من التوتر بين موسكو ودمشق ، يطرح السؤال حول استمرار الدفاع الروسي عن الأسد ، إلا أن عليهم قبل ذلك أن يعثروا على شخصية مؤثرة ترثه وتكون وفية لهم .

تحليلات وفرضيات عديدة برزت في مواقع روسية مختلفة بشأن صراع الأسد – مخلوف والتوتر القائم بين موسكو ودمشق ، وذهب البعض منها إلى مقارنة ما يقوم به الأسد الآن حيال رامي مخلوف، بما قام به بوتين في مطلع عهده حيال نفوذ الأوليغارشيين الروس. وتناست هذه التحليلات في مقارنة خطوات الأسد بخطوات بوتين ، من أن الأخير كان يرسخ في تلك الأيام دعائم الدولة البوتينية ، ويفسح المجال لحلول الأوليغارشيين من محيطه مكان أوليغارشيي عهد بوريس يلتسين ، بينما يقوم الأسد بضرب أوليغارشيي الدولة الأسدية وهي تلملم نهاياتها القريبة ، كما يبدو .

المصدر المدن


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا